خبر : .. وللأكراد دورهم الإقليمي أيضاً! ... هاني حبيب

الأحد 23 أكتوبر 2011 11:31 ص / بتوقيت القدس +2GMT
.. وللأكراد دورهم الإقليمي أيضاً! ... هاني حبيب



لا يبدو السؤال محقاً بالنسبة للبعض، لكنه كذلك كما يرى البعض الآخر، ذلك أن توجيه حزب العمال الكردستاني، ضربة نوعية ضد الجيش التركي، هي الثانية من حيث الحجم والتأثير منذ إعلان الحزب الكفاح المسلح قبل ربع قرن، والسؤال إذا ما أجيز، هو لماذا الآن، وهل لهذا التوقيت علاقة بالدور التركي في سورية وتأثيراته على أكراد سورية، أم إن للأمر علاقة مع التوترات الحادة بين أنقرة وتل أبيب؟! وفي حين يرى البعض الآخر، أن ليس لهذا التساؤل أي داع، ذلك أن حزب العمال الكردستاني، قام بعملياته ضد الجيش التركي، في ظل تحسن العلاقات بين دمشق وأنقرة في ظل ربيع هذه العلاقات المميزة، كما أنه مارس الكفاح المسلح وبعمليات نوعية، بعد تكدر هذه العلاقات التي وصلت إلى حد القطيعة، بما يلغي أي شك حول علاقة العمليات العسكرية الأخيرة، بالدور التركي في سورية، وعلى القياس نفسه، فإن الحزب قام بعملياته الجريئة ضد الجيش التركي، بينما كانت العلاقات الإسرائيلية ـ التركية في أفضل حال، بالضبط كما هو الأمر عليه الآن من قيام بعمليات عسكرية ضد الجيش التركي بينما العلاقات بين أنقرة وتل أبيب هي الأسوأ منذ بداية تكوين التحالفات الاستراتيجية بينما، إذاً، ليس هناك من داع لمثل هذا التساؤل حول التوقيت، لأن مثل هذا التساؤل يزيح بذور التشكيك في حق الحزب على استمرار القتال ضد العدو التركي الذي ما زال يغتصب حقوق المواطنين الأكراد في تركيا، كما يشكك في ارتباط الحزب بأجندات إقليمية، يتم من خلالها صياغة أدواته العسكرية كي تكون في خدمتها.إلاّ أن السؤال يبقى مطروحاً، حتى لو تم التسليم بحجج الرافضين له، ذلك أن العملية العسكرية النوعية الأخيرة التي قام بها حزب العمال الكردستاني في منطقة "جلي" التابعة لولاية هكاري، والتي أدت إلى مقتل وجرح أكثر من خمسين جندياً تركياً، أدت إلى عملية تسخين عسكري وسياسي في منطقة لم تكن بحاجة إلى المزيد من التفجير، وبدت هذه العملية وكأنها في غير سياق ما يجري في المنطقة من احتجاجات شعبية سلمية، في وقت تجري فيه عملية صياغة خارطة سياسية جديدة لعموم المنطقة بشكل عام، وفي العراق تحديداً على ضوء إقرار الانسحاب الأميركي الكامل من هذا البلد نهاية هذا العام، والنتائج المترتبة على ذلك، خاصة فيما يتعلق بالوضع الأمني في عموم المنطقة، بما في ذلك شمال العراق والحدود مع تركيا، هذا إذا تجاهلنا، أبعاد هذه العملية وتداعياتها على الدور التركي في سورية في ظل الظروف الراهنة المعروفة.وليس بالضرورة أن مثل هذه العملية، أو عمليات مماثلة كما توعد الحزب، تجري خدمة لأجندات إقليمية كما يدعي البعض، والسؤال هنا: لماذا لا تكون هذه العمليات النوعية، وفي هذا الوقت بالذات، خدمة لأجندة الحزب الخاصة، الذي وجد أن تقاطع المصالح، وتهاوي التحالفات القديمة، ونزاعه العدائي مع العديد من الأنظمة وخاصة النظام التركي، منحت الحزب فرصة كي يشكل رقماً إقليمياً جديداً، تأخذه مختلف الأطراف في الحساب عندما تحدد مواقفها إزاء تفاعلات المنطقة السياسية، فالحزب في هذا السياق، ليس مجرد أداة، بل هو معيار أساسي وحجر رحى في العلاقات الإقليمية الآن، وعملياته النوعية التي جرّت خطوات تصعيدية حادة من الجانب التركي، تؤشر إلى أن الحزب، من خلال مثل هذه العمليات، إنما يطرح نفسه رقماً في المعادلات الإقليمية، وهذا حق له، بل إنه واجب يفرض عليه استثمار تطورات المنطقة لتعزيز قدراته، خاصة السياسية وإن بأدوات عسكرية، حتى لا يستثنى من نتائج الحراك المتصاعد في هذه المنطقة الملتهبة والمقدم على تطورات هائلة.ولماذا، لا تفسر هذه العملية النوعية، بأنها رد ثأري على عموم السلوك الرسمي التركي إزاء الأكراد، وتراجع ونكوص التعهدات التي تعهد بها المسؤولون الأتراك قبيل كل انتخابات بشأن منح الأكراد حقوقهم القومية، الثقافية والسياسية والاجتماعية، والاعتراف بهم كأقلية قومية تكفل لهم دساتير وقوانين البلاد كل حقوقهم، كما هو شأن القوانين الدولية، في هذا السياق، سمحت الحملة الانتخابية قبل عامين باستحواذ حزب العمال الكردي على 98 بلدية، وسرعان ما اتخذت السلطات إجراءات عقابية عندما عمدت إلى شن حملة اعتقالات واسعة طالت رؤساء البلديات المنتخبين ونشطاء أكراداً في هذه البلديات، وعندما مثل هؤلاء أمام المحاكم التركية، وأرادوا الدفاع عن أنفسهم باللغة الكردية، جنّ جنون الساسة والقضاة الأتراك، ومنعوا محامي الزعيم الكردي الأسير عبد الله أوجلان من الاجتماع به.مع ذلك، فهذه العملية النوعية، والتي من شأنها أن تحدث تصعيداً عسكرياً وسياسياً من جانب تركيا، ستؤثر تأثيراً واضحاً، خاصة إذا ما تكررت، أو إذا تجاوزت تركيا حدود المسموح به للانتقام، على سمعة تركيا، خاصة في المنطقة العربية، فهي التي تناصر القضية الفلسطينية، ولعبت دوراً واضحاً في "الربيع العربي"، خاصة في ليبيا والأهم في سورية، وهي أيضاً، وهو المهم هنا في هذا السياق، أعجز من أن تجد حلاً عادلاً لقضية الأكراد لديها، وبينما يحاول البعض استلهام النموذج التركي، واستيراد نظام الحكم هناك، باعتباره وصفة لعلاج الأزمات المستحكمة في عموم المنطقة، نجد أن هذا النموذج فشل في علاج أزمة مستعصية منذ أكثر من ربع قرن، وعليه يمكن القول، إن توقيت هذه العملية الناجحة والنوعية، لا تكشف فقط عقم هذا النظام في إيجاد الحلول المناسبة، بل وأيضاً، سذاجة هؤلاء المتحمسين لاستنساخ هذا النظام واستيراده والالتزام به في بلادهم!ولا بد، في هذا السياق من ملاحظة موقف أكراد سورية من التدخل التركي، الذي يعتبر ما يجري في سورية، شأناً داخلياً تركياً، بينما تواجه الزعامة التركية أكراد بلادها بالدم والنار، موقف الأحزاب الكردية في سورية، وعددها 11 حزباً، كان واضحاً منذ البداية، المشاركة الفعالة في الثورة السلمية في عموم سورية، إلاّ أن هذه الأحزاب مجتمعة وعلى اختلاف مشاربها، رفضت المشاركة بكافة اجتماعات المعارضة السورية التي عقدت في تركيا، أحد أسباب المقاطعة الرئيسة يعود إلى أن الأكراد يتخوفون من دور مركزي لـ"الإخوان المسلمين" في هذه المعارضة السورية، إذ إن موقف "الإخوان" من القضية الكردية لا يختلف عن موقف النظام السوري نفسه إزاء هذه القضية، بل ما زاد الطين بلّة، تصريح زعيم "الإخوان المسلمين" في سورية علي صدر الدين البيانوني مؤخراً، من أن حزب العمال الكردستاني "منظمة إرهابية" ("قناة العربية" ـ لقاء حسن معوّض مع البيانوني). الأمر الذي يجعل موقف أكراد تركيا، حساساً للغاية من أي تدخل تركي في سورية، وعملية التسخين الأخيرة على الحدود بين شمال العراق وتركيا إثر هذه العملية، هي أحد أشكال وضع الحزب الكردستاني نفسه على الخارطة السياسية، بما يجعل الزعامة التركية أكثر تردداً في التدخل في الشأن الداخلي السوري، الأمر الذي أزعج الحلفاء الغربيين لتركيا، الذين أدانوا هذه العملية، ككل مرة، ولكن هذه المرة، لسبب إضافي، وهو أن هذه العملية، ستعمل كجرس تنبيه للقيادة التركية كي تتردد أكثر في الإقدام على خطوات، يريد منها حلف "الناتو"، أن تقدم عليها في الأزمة السورية.والسؤال، وبشكل مختلف، لماذا لا يتحرك أكراد تركيا، سلمياً، وبموازاة عسكرية من حزب العمال الكردستاني، للانضمام إلى الخريطة السياسية في المنطقة انطلاقاً من "الربيع العربي"؟!Hanihabib272@hotmail.com – www.hanihabib.net