خبر : وقت للفرح لكن المهمة لم تنجز بعد : صفقة إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ ..بقلم: حسين حجازي

السبت 15 أكتوبر 2011 11:59 ص / بتوقيت القدس +2GMT
وقت للفرح لكن المهمة لم تنجز بعد : صفقة إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ ..بقلم: حسين حجازي



واجب الوقت: القلب والعاطفة أوقات الفرح قليلة، وأوقات الحزن طويلة، وقد طالت أحزاننا، وجاء وقت لكي نفرح، وقت للفرح ووقت للحزن، لكل شيء وقت وأوان تحت الشمس، وهذا وقت لأن يفرح الشعب كله، لأجل فرحهم، الزوجات اللواتي انتظرن طويلاً دون أن يقنطن. الأمهات والآباء، الأخوات والإخوة، الأقرباء والجيران وهم أنفسهم الغائبون الأبطال الذين لم يعودوا إلى البيت. وقد عادوا من الموت، أولئك الذين قاموا من الموت. هذا وقت لأن نبرأ قليلاً من جرحنا، لأن يبرأ الشعب لوقت من المرض الذي يسكنه، العذاب والحزن الذي لا يقوى عليه النسيان، والموت أهون منه. هذا وقت لأن يشد الشعب على نفسه، لأن عريكته، صبره، قواه، لم تلن ولن تلين. وهذا وقت للهزء، من كل ما فعله، اقترفه العدو، وفكر فيه، أو توهمه . وقت لإلقاء الأحكام المرعبة، المجنونة، المفعمة بالصلف والغرور والقسوة تحت أقدامنا، الإلقاء بها أدراج الرياح. فالروح تغلب السيف. هذا وقت تتجلى، تتسامى الروح، روحنا التي عادت تحلق في السماء، كاسمنا ولم يقو العدو على قتلها. هذا وقت للنصر، والاحتفاء بالنصر، نصرنا الذي يأتي هكذا كوقت تحت الشمس كانبلاج الصبح، على أرض تسمى "بنت الصبح "، كزغاريد النساء الصاعدة إلى السماء. هذا وقتنا يعاود دورته مرة أخرى، فسلام علينا، في فرحنا وفي حزننا، في هذا التعاقب، التداول الذي يخلد عراكنا، وقوة بأسنا إلى يوم الدين بإكليل المجد والياسمين.الأحمر والأسود هو وقت للشعور، للقلب والعاطفة، لكنه وقت مستقطع لأن أوقات الفرح قيل أيضاً إنها قصيرة، هكذا كأنما يضعون أيديهم على أفواههم، بالفطرة، كأنهم يخشون، يخافون أن يفسد عليهم شيء ما غامض أفراحهم، التوتر، القلق ينغص عليهم، امتلاك السعادة المطلقة، نريد أن نحضن بعضنا، ونتلاقى في هذا التوحد الذي تجسده الأغنية الجميلة، الأغنية التي تمثل نشيد الفرح والحبور، نشيد الروح الفلسطينية "فلسطينيين ...فلسطينيين" لكننا لا نتذكر فقط وإنما نعرف وندرك، أن الجبل الثقيل لم ينزحْ منه سوى الجزء الضئيل، كم عدد من يبقون؟ لقد عادت الثلة، القلة، لكن بقية الأسرى لا يزالون غائبين، ولا نعرف عن مصيرهم الشيء الكثير. لن نحطم جبل الآلام الثقيل، لن نبرح من المرض، ونشفى بضربة واحدة، بصورة نهائية وللأبد، فلا يزال لنا أحباء هناك، لم يطلع عليهم الصبح بعد، لكن عزاءنا مبرر أفراحنا، إن من استطعنا، إخراجهم من هناك هم بعض من الثلة التي كان ميئوساً أن يخرجوا مرة أخرى، أن يعودوا، من كان مقدراً أن يقضوا لا زهرة شبابهم ولكن عمرهم كله في القبور، إلا يخرجوا أحياء، وإن هذا يشبه البعث من الرماد. وإن مغزى كل ما حدث في هذه الصفقة، أنها جاءت بعد فترة، وقت من اليأس، وإعادة إحياء الأمل، والثقة بالنفس، بأننا نعم نستطيع. والواقع أننا دفعنا ثمناً باهظاً في سبيل تحقيق هذه النتيجة، 500 شهيد، في حرب متواصلة طوال السنوات الخمس الماضية على غزة وبلغت ذروتها في الحرب الأخيرة . لكننا انتصرنا في حرب الإرادات، بألا نخاف أو نفزع، من خسائرنا فقد كان الهدف يستحق، تثبيت خطوط جديدة، قاطعة وحاسمة، مهما كلف الثمن، يجب العمل، التضحية، لتحرير الأسرى. تماماً كما لا يجوز التهاون في بذل هذه التضحية لتحرير الأرض. تحرير الأرض والإنسان، هذه هي المعادلة. واجب الوقت: طرح الأسئلةلكن واجب الوقت، يملي علينا أن نولي جهة العقل، قليلاً، وقد كان هذا الواجب يملي علينا التحدث بعاطفة، وقد جاء الآن وقت العقل، أي وقت طرح الأسئلة، لماذا الآن؟ كما عن ميزان الربح والخسارة. الدوافع والمصالح والأهداف كما الظروف التي أملت على بنيامين نتنياهو الإقدام الآن على هذا التنازل أمام الشروط، المعايير والصلابة التي أظهرتها حركة حماس، وما هي الانعكاسات المحتملة، الآثار الجانبية لهذه الصفقة، على باقي الأطراف، رقعة الشطرنج، المسرح السياسي ككل. وتحديداً على اللعبة، القصة الوحيدة التي كانت في المدينة عشية حدوث هذا التطور الدراماتيكي والمثير. وهي المعركة الدبلوماسية، التي يقودها الرئيس أبو مازن لاكتساب عضوية دولة فلسطين، فهل ظهر نتنياهو في هذه القصة، كمناور بارع وكلاعب شطرنج ماهر، استطاع أن يقوم بنقلة مثيرة، مفاجئة أعادت قلب الأحجار الأخرى، أو خلط الأوراق، وماذا عساه أن يجني من ورائها، وهل أخيراً سيؤثر نجاح "حماس" في هذه المهمة في عقد هذه الصفقة على اللعبة الداخلية الفلسطينية، إذ تستعيد الحركة بعض الوهج في وقت كانت تخسر وتمر في مرحلة من التآكل في شعبيتها ؟ لوحة العلامات: صفقة اللاخيار المشترك أم توازن المصالح إن المسألة الرئيسية في كل ما يتعلق بدلالات ما حدث هي الفشل الأمني بمعرفة مكان احتجاز شاليت، حيث لم يكن مستبعداً لو عرفوه أن يقتلوه للتخلص من دفع الثمن. قال نتنياهو إنه لم يكن لديه خيار. وبهذا الفشل الأمني، فإن صفقة شاليت تعتبر السابقة الأولى التي تتم فيها عملية تبادل للأسرى على أرض فلسطين نفسها، لكن هل بعد التسليم بانعدام الخيارات الأمنية، فإن الحسابات السياسية بل حتى الشخصية المجردة تقتضي هذا الضرب من محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه أو الرهان على بعض المكاسب والمزايا من صفقة خاسرة ؟ وهذا بالضبط ما حدث.محاولة إنقاذ سمعته صورته القيادية، التي اهتزت للمرة الثانية، في ولايته الثانية بعد أن قاد إسرائيل إلى العزلة الدولية، محاولة التقطيع على هجوم أبو مازن الدبلوماسي، ولعله أراد قاصداً اللعب على التناقضات والتوازنات الداخلية الفلسطينية بين "فتح" و"حماس"، بعد توافقهما المشترك غير المباشر ضد توجه الرجل إلى الأمم المتحدة. هل هذه استعادة للعبة، الصراع بين المنظمة و"حماس" على غرار ما حدث في السبعينيات؟ وبالتالي فإنه أراد من الصفقة مع "حماس" النكاية بـ أبو مازن ومعاقبته، أم انه كان مرتجفاً حقاً وقد تفكك أمام ما يحدث في الإقليم، اقتحام السفارة في مصر، والأزمة مع تركيا أردوغان، الثور النطاح، وإزاء انعدام أي خيار عسكري فإنه وجد نفسه أمام توقيع واي ريفر أخرى ولكن مع "حماس" التي لاحظوا أنها أصبحت أكثر براغماتية .حسناً في الواقع قام خالد مشعل وإسماعيل هنية، بالاتصال بالرئيس أبو مازن، مباشرة ووضعه في تفاصيل ما حدث، وهذا يعني أن الفلسطينيين، على قلب رجل واحد ترحيباً بالصفقة. لكن واجب الوقت أخيراً، يقتضي أن نقول إن القلب يفرح لكنه يظل مكسور الخاطر، فهذه الصفقة تترك القادة والرموز في الأسر، وهذا الجرح لا يقوى الفرح على محوه. سوف يبقون هناك ولكن هناك أيضاً هذه النقطة أننا قبلنا الإبعاد. ما يفتح الباب أمام تساؤلات: هل أرادت "حماس" هي أيضاً الصفقة بأي ثمن لدوافع سياسية ؟ تضعضع شعبيتها، ومحاولة إنقاذ سمعتها بعد الورطة التي وجدت نفسها في معارضة الاعتراف بالدولة. لكن حتى لو صح ذلك فإن الحقيقة تقتضي بأنه لم يكن أمام "حماس" وأمامنا أي خيار آخر، فقد كان يتوجب بالأخير، قبول هذه التضحية من اجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، على أمل أن المهمة يمكن انجازها، إتمامها، في الجولة المقبلة فالحرب على محور تحرير الأسرى سجال وان ما حدث انه منذ صفقة جبريل 1985 تم تسجيل هدف كبير.