بعد ان اصبحت معالم صفقة تبادل الاسرى واضحة، و بعد ان تم نشر اهم التفاصيل المتعلقة بها استطيع القول بصفتي اسيرا و مفاوضا و وزيرا سابقا ان الصفقة هي انجاز وطني كبير للشعب الفلسطيني و لقضيته العادلة وهو بالتأكيد ايضا انجاز كبير لحركة حماس وهي من حقها ان تستثمره الى اقصى مدى ممكن دون ان ينتقص ذلك من تاريخ و نضال من سبقوهم على هذا الدرب.قبل الوصول الى هذا الانجاز الذي اهم معالمه اطلاق سراح حوالي ثلاث مائة اسير و اسيرة محكومين مدى الحياة و منهم من امضى ما يزيد عن ثلاث عقود من الزمان خلف القضبان، دفع الاهل في غزة ثمنا باهضا من شهداء و جرحى و معتقلين و حصار و تدمير للبنية التحتية خاصة محطة الكهرباء، و كذلك دفعت حركة حماس خيرة كوادرها من شهداء وجرحى و معتقلين من اجل الاحتفاظ بشاليط طوال هذه السنوات للوصول الى هذه اللحظة التاريخية في اطلاق سراح هذا العدد الكبير و النوعي من المعتقلين.ليس دفاعا عن احد هنا، و لكن ليس بالامكان تحقيق اكثر من ذلك. ليس هناك عملية تبادل واحدة من عمليات التبادل بين الثورة الفلسطينية و اسرائيل قد حققت كل مطالبها. منذ اول عملية تبادل في العام 1968، مرورا بصفقة 83 و صفقة جبريل عام 1985. لكي يتم انجاز الصفقة كان هناك تراجع عن بعض المطالب.على الرغم من ذلك ،هذه الصفقة ، لم يكن بها اي استثناء على الاطلاق ، الاستثناء الوحيد انها الاولى التي تجرى على ارض فلسطينية حيث كان الجندي الاسرائيلي الاسير موجود على بعد بضعة كيلو مترات بعيدا عن القوات الاسرائيلية التي وقفت عاجزة و معها كل عبقرية الاجهزة الامنية الاسرائيلية من انقاذه.عدا ذلك ، هذه الصفقة بكل ما فيها من ايجابيات ، و هي كثيرة جدا، و ما بها من سلبيات ، وهي قليلة جدا ، كانت نسخة مكررة لصفقات سابقة. صفقة كبيرة و لكن هل كان بها جديد؟ الصفقة ربما حققت 90% كما تقول حماس ، و ربما اقل من ذلك، ليس مهم النسبة على الاطلاق ، في النهاية لم تحقق كل ما وعدت به حماس و لم يستطع اي مفاوض في الكون ان يحصل من خلال المفاوضات على كل ما يريد. طالما هناك مفاوضات هناك تنازل، هناك تسوية. الاساس الذي يبنى عليه اي مفاوضات في الدنيا هو تنازل كل طرف عن جزء من مطالبه لكي يكون هناك اتفاق. في مفاوضات شاليط، اسرائيل تنازلت عن الكثير من مطالبها لكي تتم الصفقة، و كذلك فعلت حماس . الثمن الذي دفع على ما يبدوا هو ابقاء عدد من رموز حماس و كذلك رموز الفصائل و على رأسهم مروان و سعدات خارج الصفقة و كذلك الموافقة على ابعاد عدد من الاسرى الى غزة او الخارج.الصفقة بكل تفاصيلها، منذ اسر الجندي الاسرائيلي و حتى اتمامها، ليس بها اي جديد، هي فصل مكرر من فصول النضال الوطني الفلسطيني منذ مطلع الستينات. منذ ذلك الحين كانت عشرات المحاولات لاختطاف جنود اسرائيليين بهدف تحرير الاسرى. من هذه المحاولت ما نجح و منها ما فشل. المئات ممن استشهدوا او وقعوا في الاسر كانت مهمتهم الوحيدة خطف جنود اسرائيليين. منهم من تحرر و منهم من سيتحرر في هذه الصفقة و منهم من يقبع في الاسر منذ ما يقارب الثلاث عقود.الصفقة لم تكن استثناء في كل ما يتعلق باطلاق سراح اسرى من القدس و الداخل، و كذلك لم تكن استثناء في اطلاق سراح معتقلين من العيار الثقيل. في الصفقات السابقة اطلق سراح اسرى كانوا محكومين عشرات المؤبدات مثل منفذي عملية الساحل و عملية سافوي و الدبوية في اواخر السبعينات و مطلع الثمانينات.الصفقة ايضا لم يكن بها اي استثناء في ما يتعلق بقبول مبداء الابعاد، لقد تم اطلاق سراح اسرى خارج الوطن في الصفقات التي نفذتها فتح في سنوات السبعينات و الثمانينات وكذلك في صفقة جبريل حيث نصف المعتقلين قد اطلق سراحهم خارج الوطن.هذا الامر ليس له علاقة بقضية اللاجئين وحقوقهم، حتى اسرائيل لم تصر على ابعادهم خارج الوطن من هذا المنطلق، بل اصرارها نابع من تقديرها للخطورة الامنية التي قد يشكلها هؤلاء الاسرى. ومع ذلك فقط الاسير وحده هو صاحب الحق ان يقرر ما اذا كان لديه الاستعداد ان يطلق سراحه خارج الوطن او البقاء خلف القضبان. عندما يكون هذا هو الخيار اعتقد ان المنطق يقول ان نار الغربة عن البيت و الوطن اخف بكثير من نار الاعتقال.نهج المقاومة ام نهج المفاوضات؟في سياق المناكفات السياسية بين القوى و الفصائل، هناك من يريد ان يستخدم هذا الانجاز الكبير و الكبير جدا على انه دليل على صدق نهجه و كأن المقاومة و المفاوضات امرين متناقضين، او كأن نهج اختطاف جنود و مبادلتهم بأسرى فلسطينيين هو امر حديث في التاريخ الفلسطيني. ربما من المفيد التذكير في هذه المناسبة العظيمة ان المفاوضات السياسية عندما كانت تحمل الطابع الجدي و عندما كان هناك فرصة في مراحل معينه على مدار العقدين الماضيين نجحت في اطلاق سراح الالاف من الاسرى الفلسطينيين بما في ذلك من ذوي الاحكام العالية.صحيح هناك فرق كبير بين ان تفاوض و انت لديك جندي اسير و بين ان تفاوض في سياق عملية سياسية يفرض الطرف الاقوى شروطه كما يريد. على الرغم من ذلك ، و فقط من باب التذكير، عندما بدأت المفاوضات السياسية بين الفلسطينيين و الاسرائيليين بعد اتفاق اوسلو كان هناك احد عشر الف اسير في السجون الاسرائيلية. عندما انهارت عملية المفاوضات في اواخر العام 99 بقي من هؤلاء فقط 350 اسير، الغالبية العظمى منهم اطلق سراحهم في اطار المفاوضات. الذروة كانت في العام 1997 عندما نجحنا في اطلاق سراح كافة الاسيرات الفلسطينيات حيث كان لي الشرف حينها ان اقف انا و الاخ هشام عبد الرازق على باب سجن التلموند لنتأكد من تحرير آخر اسيره فلسسطينية، حيث كانت الاخت لميا معروف التي كانت محكومة بالسجن المؤبد و مر على اعتقالها ثلاثة عشر عاما بتهمة خطف جندي اسرائيلي لمبادلته بأسرى فلسطينيين هي آخر من اغلق باب السجن. لا اعرف ان كان هذا مصادفة و لكن زوجها توفيق عبدالله الذي اعتقلت معه على نفس التهمة سيطلق سراحة على ايدي حماس ضمن صفقة شاليط.البعد السياسي للصفقةيكثر الحديث عن نظرية المؤامرة في ما تحملة من ابعاد سياسية على مستوى العلاقة سواء بين اسرائيل و حماس او اسرائيل و السلطة و علاقة ذلك بخيار الذهاب الى الامم المتحدة. ليس بالامكان الاستناد على دلائل مادية لتأكيد او دحض هذه الامور، لذلك المجال يكون مفتوحا لاصحاب الخيال الواسع و المهووسيين و العاجزين لقول ما يشاؤون، و لكن الصفقة تمت فقط لان الطرفين قد تنازلا عن جزء من مطالبهم و ان نتنياهو لم يستطع ان يصمد امام ضغط الشارع الاسرائيلي الذي اعتبر كل واحدا منهم ان شاليط هو ابنه و يجب اعادته بغض النظر عن الثمن ، و ان تغيير رؤساء الموساد و الشاباك اللذين دعما الصفقة اضافة الى دعم كافة اذرع المؤسسة الامنية في اسرائيل الذين اجمعوا على انه لا يوجد خيار عسكري لاعادة شاليط مما ساعد نتنياهو على اتخاذ القرار الصعب من ناحيته بالموافقة على الصفقة.قصة ايلول و الترتيبات السياسية الاخرى هي امر هامشي جدا في هذه الحالة. هذا لا يعني انه لا يوجد للصفقة تأثيرات وارتدادات على ما يجري من امور سياسية و محلية و اقليمية، و لكنها من وجهة نظري لم تكن الاساس، و هذا لا يعني ان اسرائيل و الامريكان لن يستفيدوا من ذلك للضغط على الرئيس عباس و القيادة الفلسطينية . szaida212@yahoo.com