خبر : شدُّ الحبل مع الوكالة.. أم قطعه! ...توفيق وصفي

الأربعاء 12 أكتوبر 2011 10:58 م / بتوقيت القدس +2GMT
شدُّ الحبل مع الوكالة.. أم قطعه! ...توفيق وصفي



ضاع نحو خمسة أيام مدرسية على تلاميذ وتلميذات مدارس وكالة الغوث "أونروا"، خلال الأسبوعين الماضيين، قرباناً للموقف الصاعد لاتحاد الموظفين العرب العاملين في الوكالة احتجاجاً على إيقاف رئيس الاتحاد عن العمل، عقاباً له على مشاركته في أنشطة يقول إنها نقابية وتقول الوكالة إنها سياسية، يُجرَّم من يشارك فيها بحكم قانون الوكالة الوظيفي الصارم تجاه مشاركة موظفيها "عبيدها" في أي نشاط سياسي غير حيادي.. ثمة ما يُؤذن بأن الأمر قد لا ينتهي قريباً، بالرغم من محاولات باردة من طرفي النزاع لإيجاد مخرج "مُشرِّف" لكل منهما، ستظل كما يبدو عرضة للفشل ما دامت الأغلبية المعنية بخدمات الوكالة التعليمية والصحية والبيئية والاجتماعية تتفرج، يغيب أبناؤهم نهاراً أو نصف نهار عن المدارس، وتتعطل متابعاتهم العلاجية في عيادات الوكالة يوماً ويومين، وكذلك الإدارية والخدمية والإغاثية، دون أن يتجاوز تذمرهم حدّ "فش الخلق" بلعنة اليوم الأسود الذي أصبحوا فيه لاجئين!عناد الوكالة ليس وليد الأزمة الراهنة، فتاريخها مع موظفيها الفلسطينيين يشهد على تشددها المبالغ فيه إزاء الحيادية المطلقة الواجب توفرها في كل سلوكهم، في الفصل المدرسي والعيادة الأولية ومركز توزيع التموين، كورقة معززة قانونياً بـ "قانون الوكالة" تشهرها في وجه هذا الموظف أو ذاك، في هذه الحقبة أو تلك، بما يتيح لها تنفيذ السياسة الدولية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، كما يقررها المتنفذون في قمة هرم المنظمة الدولية، وعندما تصطدم إرادتها بإرادة من يقبضون منها رواتبهم وقوت عيالهم تأبى أن تتفهم شكواهم أو تتنازل عن عنادها، فهي منظمة دولية وهم مستخدمون فيها، إن تمادوا في موقفهم كجماعة مهما كان اسمها أو إطارها نَقلَت الوكالة الأزمة إلى مربع "الحَرَد"، الذي يُنذر بالتوقف عن تلبية الخدمات كافة، بوقف عملياتها في هذه المنطقة أو تلك، وربما المناطق الخمس كافة في غزة والضفة والأردن وسورية ولبنان.والخلاصة، تمارس "أونروا" سياسةَ إخضاعٍ للفرد والجماعة، لإدراكها أن الاستغناء عن خدماتها تماما يُربك المنظومة الحياتية الفلسطينية بأسرها، ليس في غزة وحسب، بل في كل مخيمات اللجوء، وليس أسهل عليها من توجيه الاتهام إلى هذا الفصيل أو تلك الجهة أو ذاك الفرد، بأنه السبب في تقاعسها عن أداء دورها الإنساني، بالرغم من أنه ليس منّة منها على الفلسطينيين، فهو الوجه الآخر لنكبتهم.موقف اتحاد الموظفين ومن ورائهم حركة حماس بافتراض حسن النية تنقصه الحكمة في إدارة الأزمة، لأنه يتصاعد بطريقة عشوائية وتذبذب غير مفهوم، يجعل ما تبقّى من سقف الاحتجاج أقل بكثير من المدى الذي يتيح مناورة فاعلة، عدا عن كون الضحية الناس، وما من بديل، حتى ولو بالكلام، من نوع الإبقاء على نوع من التواصل مع المستفيدين من خدمات الوكالة، أو تقديم حد أدنى من الخدمات التعويضية ذات الطابع التطوعي، بل يُصبح الجميع جنوداً تابعين، عليهم إطاعة تعليمات الاتحاد، وإلا غضب ومن يُسانده على المستنكفين.والعلة هنا في الالتفاف على السياسي من خلال التشديد على المطلبي، الذي ثَقُل حجم ملفه، خاصة الشق المتعلق بحقوق الموظفين وعلاواتهم وحقوقهم التقييمية، فليست الآن لحظة الحسم لكل هذا، من خلال قضية السيد الهندي مع رب عمله الأممي، ودفع الأمر إلى حد الاستفزاز والمصادمة، لنجد أنفسنا فجأة "طبعاً ليس مفاجئاً لمن يتابع" نصرخ "الحقونا"!هل تُترك الأزمة لنستيقظ على إعلان للوكالة بأنها عاجزة عن أداء مهماتها في قطاع غزة، فإذا بنا إزاء صورة مأساوية، ملامحها مجاعة وجهل وتفش للأمراض، نلطم على ضحاياها، ظناً منا أن هذا سيحرك ساكنَ أونروا ومن يمولها، ضحايا كثر هم نحو 220 ألف طفل وطفلة في مدارسها، و13 ألف موظف وموظفة في مؤسساتها؟ إن الأزمة الحقيقية تنبع من سياسة الوكالة نفسها، التي لا يختلف اثنان على أنها تتراجع منذ سنوات عما كانت عليه في العقود السابقة في كل شيء، لصالح الإسهام في إدارة حياة الفلسطينيين وفق معايير سياسية وليست إنسانية، بالرغم من أن جوهر مهمتها إنساني، أما وسائل التعبير عن رفض هذه السياسة فلن تكون مجدية دون إشراكٍ واعٍ للجموع المتضررة منها، وجعل إعادة الوكالة إلى الجادة التي وضعت عليها في الأساس مهمة شعبية وسياسية بامتياز، تندمج في إطار التصدي لها المطالب الوظيفية والمهنية ذات الطابع النقابي بالمطالب الاجتماعية والإنسانية ذات الطابع الخدماتي، أما الحيادية القسرية التي تصر الوكالة على فرضها فهي شرط عبثي لتوظيف شعب غير محايد، منذ أصبح أكثر من نصفه لاجئين.والمجدي أن على الجميع وليس جهة بعينها مواجهةَ الوكالة، على أرضية رفض الفلسطينيين الإغاثة غير التنموية (كيس طحين وحبة أكامول وشربة دود)، ومدارس كيفما اتفق، لا تراعي الزيادة الطبيعية في المواليد، الذين يحتاجون سنوياً إلى 13 مدرسة إضافية، وليس صفوفاً كالزنازين "كرافانات"، دون بناء الحد الأدنى من قاعدة تنموية، تجعل الطفل اللاجئ قادراً على تعلّم مهنة أو "صنعة" تفيده، عندما يلفي نفسه فرداً في الدنيا، أو عندما تتوقف خدماتها لأي سبب، حقيقي كنقص التمويل، أو مزعوم كممارسة نشاط غير حيادي! tawfiqwasfi@yahoo.com