اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والأمم المتحدة والمنوط بها رعاية جهود السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل لم يعد لها معنى وفقدت وظيفتها بعد الخطوة الفلسطينية الأخيرة بطلب عضوية الأمم المتحدة. خلال سنوات عملها الماضية أثبتت هذه اللجنة كل الشكوك التي دارت حولها منذ البداية وهي كونها في نهاية المطاف آلية أميركية بثوب متعدد الأطراف. انحازت الرباعية إلى الجانب الاسرائيلي في معظم مراحل عملها وكانت تعيد صياغة المواقف الأميركية والاسرائيلية بعبارات جديدة في كل منعطف. ثم انتقلت إلى مرحلة متقدمة من العبث السياسي والعنجهية عندما تم تعيين توني بلير ممثلاً لها. بلير الذي لفظته السياسة البريطانية المحلية ولفظه حزب العمال من قيادته بحث عن دور سياسي خارج بريطانيا وبذل جهوداً خارقة كي يكون رئيس المجلس الاروروبي في الاتحاد الاوروبي عام 2009. آنذاك دعمته الولايات المتحدة بقوة وايطاليا بكونه الحليف الأهم خلال سنوات الحرب على العراق، ورئيس الوزراء البريطاني الأكثر ولاءً لواشنطن منه لمصالح لندن. ثم انتهى به المطاف ليكون على رأس اللجنة الرباعية وكان مرة اخرى مرشح واشنطن وتل ابيب لتولي هذا المنصب. مؤخراً تعرض توني بلير لسلسلة من الفضائح السياسية بدءاً بعلاقاته المالية والمشبوهة مع الدكتاتور الليبي وآخرها السمسرة المالية عبر خلط عمله كموفد للرباعية مع مناصبه العديدة الأخرى وأهمها الاستشارات المالية لشركات عالمية كبرى.اليوم ندخل مرحلة جديدة ويجب على القيادة الفلسطينية التفكير ملياً في استراتيجية تُطالب من خلالها بإلغاء اللجنة الرباعية كلياً واستبدالها برعاية أممية، والتخلص من ثقيل الظل توني بلير المنحاز بعماء للسياسة الاسرائيلية. خلال معركة تقديم طلب العضوية اشتغل توني بلير كالمسعور في خدمة واشنطن وتل ابيب محاولاً إحباط المسعى الفلسطيني. وعندما أصر الفلسطينيون على استراتيجيتهم انتقلت الرباعية لـ "الخطة ب" وهي الدعوة إلى العودة الى المفاوضات وكأن شيئاً لم يكن. وهي دعوة كان ولا زال القصد منها مضاعفة الضغط على الفلسطينيين وقد اصطفت إلى جانب الضغط الأميركي والفرنسي وكل واحد من هذه الضغوط اتخذ أشكالاً مختلفة. لكن القاسم المشرك بينها هو إجبار الفلسطينيين على العودة إلى نفس لعبة المفاوضات الثنائية و"من دون شروط مسبقة". وهذا اللازمة "من دون شروط مسبقة" التي تُضاف في كل دعوات العودة للمفاوضات هي جوهر الموقف الاسرائيلي والتي ترجمتها العملية ان يسحب الفلسطينيون شرطهم بوقف الاستيطان. تريد الولايات المتحدة وفرنسا واللجنة الرباعية وتوني بلير من الفلسطينيين ان يعيدوا تجربة المُجرب لمدة عشرين عاماً ماضية وهذه المرة "من دون شروط مسبقة". الجزرة السخيفة التي يتم تضخيمها في هذه الدعوات باعتبارها "عنصراً جديداً" يجب ان يغري الفلسطينيين هي وضع أجندة زمنية وسقف للوصول إلى اتفاق نهائي. لكن الأجندات الزمنية والأسقف المحددة بتواريخ هي ما تستلذ إسرائيل بدوسه والاستهتار به كما برهنت على ذلك التجربة المديدة والمريرة للعشرين سنة الماضية. ماذا ستفعل الرباعية ومَن وراءها اذا لم يتحقق اي تقدم يُذكر خلال السقف الزمني المُقترح؟ الجواب لا شيء سوى اقتراح سقف زمني جديد وتمديد فترة المفاوضات!كل الماضي التفاوضي بتجاربه السيئة يجب ان ينقل الفلسطينيين إلى استراتيجية جديدة تتفادى التورط في اي من المطبات والشراك الماضية. وجانب من هذه الاستراتيجية الجديدة يجب ان يكون الهجوم على اللجنة الرباعية والمطالبة بحلها بتهمتي الانحياز لإسرائيل، وفقدان الوظيفة. يجب ان يترتب على إعادة ملف القضية الفلسطينية للأمم المتحدة المطالبة برعاية أممية جديدة تمثل الأمم المتحدة وليس الولايات المتحدة وتكون هذه الرعاية هي الجهة المخولة بمتابعة اي مفاوضات مستقبلية وعلى أسس مختلفة تماماً. عندما تنبع هذه الرعاية من الأمم المتحدة تكون مرجعياتها قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي وليس مزاج اليمين الصهيوني في واشنطن. حتى لو تمسكت واشنطن بالتدخل في شكل هذه الرعاية الأممية وأصرت على ان تكون من داخل مجلس الأمن سيظل بالإمكان المناورة لتشكيل هذه الرعاية من كل أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر. عندها سوف تفقد الولايات المتحدة ميزة السيطرة شبه المطلقة على الملف. وبغض النظر عن اي شكل لتلك الرعاية فإن المهم هو جوهر التوجه القادم فلسطينياً والذي يجب ان يتمثل في الاستمرار في مسار وجهد فك الاحتكار والسيطرة الاميركية على مستقبل الفلسطينين والمسار التفاوضي. وعلى الفلسطينيين ان يدركوا ان واشنطن لن تقدم اي شيء ملموس ولن تقوم بأي ضغط ذي معنى على إسرائيل. فخلال السنتين القادمتين سوف تنشغل أميركا بالانتخابات وسوف يتنافس المرشحون للرئاسة في إعلانات الولاء والدعم لإسرائيل. ورأينا كيف انهارت آمال عرب ومسلمين كثيرين في رئيس مثل اوباما ظن كثيرون ان اميركا لن تفرز أفضل منه قرباً وتفهماً لقضايا المسلمين وعلى رأسها فلسطين. اوباما الذي ألهب الناس حماساً بخطاباته النارية ورفع أسقف المسلمين والعرب في استانبول والقاهرة انتهى بخطاب في الأمم المتحدة يعتبر من أكثر خطابات الرؤساء الأميركيين صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة. اذا كان هذا حال اوباما فكيف سيكون حال اي من المرشحين الآخرين سواء من الحزب الديمقراطي او الجمهوري؟ستُثار هنا بحق مسألة الدعم الأميركي والأوروبي للسلطة الفلسطينية وان استراتيجية المواجهة للحد الأقصى قد تقود الى إيقاف ذلك الدعم. هذه نقطة تستحق وقفة مفصلة، لكن باختصار يمكن تحويل الدعم الأميركي هذا الى ورقة ضعف وليس قوة لواشنطن، كما تحولت المساعدة الأميركية لمصر إلى نقطة قوة حالية بيد النظام الجديد في مصر – النظام يريد إيقاف المعونة الأميركية، وواشنطن تصر على استمرارها. والسبب في ذلك يتمثل في ان قطع المعونة في حالة مصر، والدعم في حالة الفلسطينيين معناه توجيه ضربة قاصمة للتأثير الأميركي. يجب على الفلسطينين التوجه جدياً لمنظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الاسلامي سابقاً) وبذل جهود حقيقية لاستبدال الدعم المالي الغربي بدعم عربي إسلامي. هناك مواقف تركية وخليجية إيجابية في هذا الصدد ووعود يجب التقاطها وتعظيمها، وهذا حديث يستلزم بقية لا بد منها. Email: khaled.hroub@yahoo.com