مع توجّه الرئيس محمود عباس إلى منصّة الأمم المتحدة، أُطلِقت الرصاصة الأولى في معركة سياسية طويلة وشاقّة.. ساحتها مختلفة، ولاعبوها مختلفون أيضاً.تمثّل الإطلاق بمستوى الترحيب الحار، والتصفيق المنقطع النظير، من كافة الدول المشاركة، عدا إسرائيل والولايات المتحدة.. وعلى ذمّة عدد من الحضور، فإن أحد أعضاء الوفد الأميركي، أيضاً، كان يصفّق، فيما أحد أعضاء الوفد الإسرائيلي أُصيب بحالة صدمة.. وهذا دليل على صدى الخطوة الهجومية الأولى.وتوّج الخطاب التاريخي المتغيرات التي حدثت خلال الأشهر الماضية، والتي جاءت على قاعدة؛ أن الوساطة الأميركية فشلت في إحداث اختراق في المسيرة السلمية، بل وتراجعت كثيراً، وخلّفت خيبة أمل كبيرة لدى الفلسطينيين والعرب!!.بل إن السياسة الأميركية، المنحازة بشكل واضح إلى إسرائيل، لم تكن عاريةً تماماً كما هي الآن في عهد الرئيس باراك أوباما، الذي ألقى خطاباً هو الأسوأ في تاريخ السياسة الأميركية الخارجية نحو القضية الفلسطينية.ولعلّ عدم قدرة الرئيس الأميركي وإدارته، على التلميح إلى قضية الاستيطان وأثرها التدميري على عملية السلام، يؤكد مدى ضعف الإدارة الأميركية في إدارة هذا الملف.. وبصرف النظر، فإنه لا يمكن المقارنة بين جورج بوش الأب، الجمهوري المحافظ، وبين أوباما الليبرالي، الذي رأيناه كفقاعة، بوش الأب كان واضحاً وجريئاً في موقفه من الاستيطان والقروض لإسرائيل، وهزّ حكومة إسحق شامير المتعنتة، في حينه.معركتنا السياسية تكمن في شكل التفاوض الجديد.. ويُخطئ مَن يعتقد أننا لن نتفاوض أو أن نصرّ على "لا" مطلقة للمفاوضات.. ولكن؛ نؤكد على "لا" مطلقة للشكل السابق من التفاوض، الذي استمر قرابة 16 عاماً، دون نتيجة، بل خلق أمراً واقعاً، كما ترغب به إسرائيل، وتدافع عنه واشنطن!!.وأوّل أشكال معركتنا السياسية، هو الإصرار الفلسطيني على تغيير الملعب، وزيادة عدد اللاعبين.. تغيير الملعب من الهيمنة الأميركية إلى الساحة الأممية.. وهذا أمر في غاية الأهمية، ولا تستطيع واشنطن تجاهل هذا التوجه الجديد، ولن تستطيع مواصلة القتال والدفاع المستميت عن إسرائيل حتى النهاية، إذا ما وجدت أنها تواجه كل العالم.الدبلوماسية الفلسطينية جزء أساسي في هذه المعركة، وقد حققت إنجازات كبيرة من خلال الزيارات المتكررة واللقاءات مع زعماء العالم، ولا بد من التركيز هنا على لغة المصالح، وهذا أمر مهم جداً. وعلى سبيل المثال، كيف نستطيع أن نضمن أكثر من 9 أصوات في مجلس الأمن من خلال استخدام لغة المصالح للدول التي تمتلك حق التصويت، ابتداء من البرتغال والبوسنة والهرسك، وحتى كولومبيا.. ولكل من هذه الدول مصالحها الكبيرة مع المنظومة العربية والمنظومة الإسلامية.. وعلى سبيل المثال، البرتغال لم تكن لتتمكن من دخول مجلس الأمن دون أصوات الدول العربية والإسلامية في عهد الحكومة الاشتراكية السابقة، التي أكدت أنها ستكون إلى جانب المطالب الفلسطينية بشكل كامل.. وإن تغيرت الحكومة اليوم، فهل التفاهمات تتغير مثلاً؟!!وحتى نضمن جدوى استغلال ورقة المصالح، لا بد من دعم عربي واضح وقوي وعلني في هذا الاتجاه، خاصة في ظل هذا الربيع الذي يجتاح المنطقة.المعركة السياسية لها بُعد آخر، هو البُعد الداخلي.. بمعنى؛ لا بد من التأكيد على الوحدة الوطنية وشراكة المصير.. ولعلّ مواقف "حماس" خلال الأيام الماضية، التي دلّت على قصر نظر وغباء وعدم قدرة على الانعتاق من فئويتها المحدودة، هي عقبة أساسية في طريق هذه الوحدة، ولكن انكشاف سياستها العقيمة، هذه، أمام جماهيرنا الفلسطينية، قد يجبرها لاحقاً على إعادة النظر في مواقفها، التي تقاطعت، للأسف، مع مواقف واشنطن وتل أبيب.إن الحراك الجماهيري الداعم للقيادة، خلال وجودها في نيويورك، وبعد عودتها، ما كان ليكون لولا القناعة الكاملة بأن هناك تغيراً واضحاً والتزاماً أكثر وضوحاً من الرئيس، بكل القضايا الوطنية، واقتناع الناس بالمسار الجديد.. وكل مَن راهن على ضعف موقف الجماهير قد فشل.. ولكن حتى يتواصل الزخم الجماهيري في المعركة السياسية الطويلة، لا بد من مشاركتها في كل مراحل هذه المعركة، ومواصلة الحراك من مختلف القوى والتنظيمات الشعبية في سبيل مواصلة الحشد.نحن، اليوم، أمام استحقاق تاريخي، رغم صعوبة ودقة المرحلة.. ولكننا أثبتنا أننا الرقم الأصعب والأقوى في هذه المعادلة استناداً إلى قوة الحق والأخلاق، وإنْ كان هناك طرف أو طرفان لا يعترفان بمبدأ الحق والأخلاق؟!. abnajjarbzu@gmail.com