بعيداً عن كل التجاوزات التي سبقت الرئيس للأمم المتحدة و الآليات التي تم اتخاذ القرار بها و عدم اعطاء مسألة المصالحة حقها الكافي و الذي كان سيسمح لمشاركة الجميع بالرأي على الأقل إلا أن الخطوة بشكلها العام هي خطوة جيدة .. نحو تغيير مسار القضية من الاستفراد الأمريكي الاسرائيلي بها إلى مربع الأمم المتحدة .لقد كان خطاب الرئيس محمود عباس خطاباً ناجحاً و بجدارة بالمعايير الدبلوماسية و استطاع أن يخاطب العقلية الأوروبية و العالم بطريقة أظهرت جانب كبير من حجم المعاناة التي يمر بها الشعب الفلسطيني .. و حقه الطبيعي في النضال من أجل الخلاص من تلك المعاناة .. لقد شكّلت الخطوة الأولى منعطفاً جديداً مليء بالايجابيات و السلبيات و التي يمكن أن تصبح أساساً صالحاً لفتح صفحة جديدة فيما يخص الصراع في السنوات القادمة و مرحلة جديدة بما يخص الداخل الفلسطيني بهدف معالجة كافة السلبيات التي حملها الخطاب بصفتها نقاط خلاف في الساحة الفلسطينية و هذا يستدعي أولاً الاسراع بإنهاء حالة الانقسام لعمل مراجعة شاملة لكل ما سبق و رسم استراتيجية سياسية فلسطينية قادرة على مواجهة المرحلة الجديدة .ما هي الايجابيات التي حملها خطاب الرئيس .؟أولاً : أن الرئيس عباس و لأول مرة يستطيع الصمود أمام الضغوط الامريكية و الاسرائيلية لثنيه عن خطوة الاعتراف و هذا كان رسالة واضحة للطرفين الاسرائيلي و الامريكي بأن لكل شيء حدود و أن سياسة التلاعب بالمفاوضات لكسب الوقت لم تعد مجدية و أصبحت لعبة مكشوفة تهدف المماطلة و كسب الوقت لابتلاع الأرض و تهجير الناس .ثانياً : الخطاب حمل عبارات تحدي للولايات المتحدة و لأول مرة عندما قال أن من يرفض الاعتراف بدولة لا يمتلك ذرة من الضمير و هذه جرأة جديدة .. يجب الثناء عليها فلسطينياً ..ثالثاً : حمل الخطاب روحاً وطنية عالياً أسهمت في فضح الاحتلال و فضح الصمت العالمي على آخر احتلال في التاريخ و حمل المجتمع الدولي المسؤولية في استمراره .رابعاً : وضع الخطاب خياراً جديداً صحيح أنه متواضع و لكن يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح .. فبعد أن كانت المفاوضات ثم المفاوضات ثم المفاوضات هي خيار الرئيس .. أصبح هذه المرة يتحدث عن المقاومة السلمية للاحتلال بهدف فضحه أمام العالم و هذا جيد و يمكن الثناء عليه في المستقبل القريب عندما يكتشف الرئيس أن هذا الخيار سيبقى عقيما إن لم يتصاحب مع أشكال النضال الأخرى المعروفة .خامساً : رغم أن الرئيس تحدث عن العودة للمفاوضات إلا أنه وضع أسساً واضحة لهذه العودة و هي تصميمه على وقف الاستيطان أولاً و مرجعية سياسية و قانونية واضحة لتلك المفاوضات و جدول زمني محدد ( قرار ل.ت لـ م.ت.ف ) و كل ما سبق لن يحدث بسبب العنجهية الاسرائيلية و هذا يعني أنه لا عودة للمفاوضات السابقة العبثية إذا ما تمسك الرئيس بتلك الشروط . سادساً: الرفض الواضح ليهودية الدولة و التمسك ب م.ت.ف ممثل شرعي و وحيد حتى بعد التصويت لصالح الاعتراف بالدولة .أمــــا سلبيات الخطاب .. أنه جاء أولاً تعبيراً واضحاَ عن سياسة أبو مازن بعيداً عن الكل الفلسطيني حتى أنه لم يذكر أي شيء بوجود معارضة فلسطينية قوية لتلك السياسة و اعتبر نفسه مفوضاً من الشعب الفلسطيني كله و هذا ليس صحيحاً و يسهل الرد عليه و خاصة أن هناك في الساحة الفلسطينية من يمتلك زخما جماهيريا و موقفا سياسيا مخالف و معارض لكل السياسة السابقة و هناك آخرون لهم العديد من المخاوف و التحفظات على كل خطوة يقوم بها الرئيس . ثانياً : لقد حوّل أبو مازن المشروع المرحلي للشعب الفلسطيني بقبول دولة على 22% من فلسطين التاريخية إلى استراتيجية فلسطينية بحديثه عن انهاء الصراع بعد حل بعض المشاكل العالقة مثل المياه و الحدود و اللاجئين والقدس .ثالثاً : لقد أسقط أبو مازن قرار 194 أمام المؤسسة الدولية بقبوله ما ورد في المبادرة العربية فيما يخص حل قضية اللاجئين . بحل يتفق عليه مع الطرف الاسرائيلي و هذا بمثابة نسف للحق الفلسطيني و الذي يحمل جوهر الصراع و يساريته و علمانيته .. ناهيك عن أن هذا الحق هو حق فردي بالأساس و لا يجوز المساس به .رابعاً : لقد اعتبر الرئيس حق المقاومة للاحتلال منذ عام 48 و حتى الآن هو أحد أشكال الارهاب عندما رفض الارهاب بكل اشكاله و خاصة ارهاب الدولة المنظم و بهذا وضع الجلاد و الضحية في قفص الاتهام .و هنا يظهر السؤال : هل يصلح هذا الخطاب الذي تم توجيهه للعالم كأساس لرسم استراتيجية فلسطينية جديدة للمرحلة المقبلة بعد مراجعة مسيرة ستين عام من النضال إذا ما اعتبرنا أن الخطاب كان للاستهلاك الخارجي و هل الخيارات الأخرى مازالت قادرة على إحداث فجوة حقيقية في جدار التوازن العسكري بين العرب و اسرائيل و هل سيشكل الربيع العربي حضناً دافئاً للفلسطينين في المرحلة القادمة أم أن ذلك ما زال يحتاج إلى سنوات طويلة لتحقيقه .. هذا ما يجب أن تجيب عليه الحوارات الفلسطينية حول الطاولة المستديرة التي ستنهي فعلاً حالة الانقسام و إلى الأبد و عليه يجب أن لا نستعجل قدرنا لأن الرئيس قريباً جداً سوف يصطدم بالكراهية الأمريكية و الصلف اليهودي و حقيقة أن اسرائيل لم تزرع في المنطقة لكي تحاور الآخرين حول مستقبل وجودها على الأرض بل وُجدت بهدف السيطرة على كل الأرض تلبية لمصالح الحركة الصهيونية و الامبريالية العالمية و استمرار سيطرتها و بقاءها بصفتها القطب الأوحد حتى هذه اللحظة في هذا العالم الأصم