خبر : "أوباما" في فخ "أبو مازن"!! ... هاني حبيب

الأحد 25 سبتمبر 2011 09:38 ص / بتوقيت القدس +2GMT
"أوباما" في فخ "أبو مازن"!! ... هاني حبيب



لم تتحرر الأرض الفلسطينية بعد، لكن قضية الشعب الفلسطيني هي التي تحررت من ربقة الثنائي الأميركي ـ الإسرائيلي، وعادت إلى حيث كان يجب أن تكون دائماً، تحت مسؤولية المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة، هذا هو الاستنتاج الأساسي للتحولات المهمة التي حدثت إثر الخطاب التاريخي للرئيس عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ بينما تحررت القضية الفلسطينية، فإن الثنائي الأميركي ـ الإسرائيلي بات معزولاً، ضعيفاً مهمشاً لدى المجتمع الدولي، ثنائي معزول ومحاصر، رغم كل عناصر القوة الطاغية لديه، وتسلم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ملف طلب عضوية فلسطين في المنظمة الدولية من قبل رئيس دولة فلسطين، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس، هي إشارة بدء المعركة السياسية المقبلة في الساحة الدولية، ولم تعد هذه الساحة مقصورة على مفاوضات ثنائية يشارك فيها وسيط منحاز يكشّر عن أنيابه عندما يريد الضغط على الجانب الفلسطيني، ويبدو أكثر ضعفاً وهشاشةً عندما ينحاز بصفاقة لصالح العدوان الإسرائيلي والاحتلال الاستيطاني للأرض الفلسطينية.الولايات المتحدة بدت أكثر عزلةً من أي وقت مضى، ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بل يمكن القول: إن ما انتابها من ضعف، جعل منها أقل قدرة وتحكماً في مسار السياسة الدولية على مختلف الملفات، صورة أميركا اهتزت بالكامل لدى المجتمع الدولي بشكل لم يسبق له مثيل، ولعلّ أبرز دليل على ذلك، هو ذاك الامتياز الدولي الذي حظينا به، ومعها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وهو حق النقض والاعتراف "الفيتو"، الولايات المتحدة كانت أكثر الدول استخداماً لهذا الامتياز، إذ استخدمته 82 مرة منها 43 مرة ضد القضايا العربية وعلى الأخص القضية الفلسطينية، كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة تستخدم هذا الحق بلا مسؤولية وباستخفاف كامل، ودون ردود فعل حقيقية، كانت تستسهل استخدام هذا الحق، حتى عندما كانت مشاريع القرارات لا قيمة لها، مثل لوم إسرائيل، لم تتردد واشنطن في استخدام هذا الحق لأبسط الدواعي عندما كان الأمر يتعلق بإسرائيل، هذه المرة، كانت الأمور مختلفة تماماً، إذ تحول هذا الحق ـ الامتياز، إلى عبء ثقيل، بذلت واشنطن كل جهد من أجل أن تمتنع عن استخدامه، وشعرت للمرة الأولى، بتردد كبير إزاء تفعيله في مجلس الأمن، بذلت كل جهد مستطاع من أجل الدفع بالفلسطينيين للتراجع عن خطوتهم بالتوجه إلى مجلس الأمن لطلب عضوية دولتهم في المنظمة الدولية، حتى تعفي نفسها من استخدام حق النقض، حاولت الضغط على كافة أعضاء مجلس الأمن، دائمي وغير دائمي العضوية من أجل توفير النصاب القانوني للوقوف ضد المشروع الفلسطيني من دون أن تستخدم حق النقض، محاولاتها كما هو معروف لم تنجح حتى الآن، وهي ستحاول هذه المرة، تأجيل التصويت على المشروع الفلسطيني في مجلس الأمن، حتى نهاية العام الجاري حيث سيتم استبدال خمس دول من غير تلك دائمة العضوية، لربما تنجح في إقناع هذه الدول أو بعض منها في الوقوف إلى جانب موقفها مما يوفر عليها ضرورة استخدام هذا الحق ـ الامتياز.هذا الأمر لم يحدث طوال تاريخ المنظمة الدولية، خاصة فيما يتعلق باستخدام الولايات المتحدة لهذا الحق ـ الامتياز والذي لم يكن عبئاً ثقيلاً عليها، بل عنصر من عناصر قوتها على الساحة الدولية، ونعتقد أن الأمر يتجاوز الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي إلى كافة القضايا الدولية التي تكون الولايات المتحدة، أو شريكتها إسرائيل طرفاً فيها، وهذا يعني ببساطة ووضوح أن ميزان القوى السياسي قد تغير انطلاقاً من التوجه الفلسطيني بإصرار شديد إلى مجلس الأمن لنيل عضوية فلسطين، ليؤثر على كافة الملفات الدولية السياسية.وفي تحايل على المرجعية الدولية لقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، افتعلت الولايات المتحدة تشكيل اللجنة الرباعية الدولية، التي سيطرت عليها وصادرت مبررات إقامتها، عندما ضغطت عليها أكثر من مرة حتى لا تصدر بياناً يشير إلى المعيقات الإسرائيلية للعملية التفاوضية، هذه اللجنة التي كانت مهمتها إيجاد تسوية لهذا الصراع، باتت الآن منشغلة لإنقاذ أميركا من أزمتها غير المتوقعة، وها هي تحاول أن تطرح سيناريوهات لإعادة ضخ الحياة إلى العملية التفاوضية، وتسعى لعرقلة تحريك الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن وتأجيله بشكل متكرر لإتاحة الفرصة أمام متغيرات يمكن أن توفر على الولايات المتحدة استخدام امتياز حق النقض، لكن حقيقة الأمر أن اللجنة الرباعية، نفسها، بحاجة إلى من ينقذها بعدما فشلت في إحياء العملية التفاوضية بسبب ارتهانها لمواقف الثنائي الأميركي ـ الإسرائيلي.لم يستوعب أوباما الدرس جيداً، إذ لم يدرك أن هناك معطيات جديدة، خارطة طريق عربية رسمتها ثورة "الربيع العربي"، وأحدثت متغيرات من شأنها إعادة الاعتبار للإرادة العربية التي صادرتها أنظمة الاستبداد لعقود طويلة، لم يدرك أوباما، كما حليفه نتنياهو، أن ميزان القوى قد تغير لغير صالح هذا الثنائي، صحيح أنه لم يختل تماماً، ولكنه أصبح أكثر رجحاناً عما كان الأمر عليه قبل "الربيع العربي"، ذلك أن تجاهل ما أحدثته هذه المتغيرات على الخارطة السياسية في المنطقة هو الذي أوقع أوباما في فخ "أبو مازن"، فهذا الأخير، أدرك هذه المتغيرات واستفاد من تأثيراتها، كي يلتحق "الربيع الفلسطيني" بـ "الربيع العربي"، ويعمل على تغيير المبادلات التقليدية وليتجاوز أعراف وتقاليد سياسية هيمنت عليها المصالح الغربية، أدرك "أبو مازن"، أن تفويت هذه البيئة السياسية الجديدة من دون استثمارها لصالح القضية الفلسطينية، هو العبث بعينه، ولعلّ إصراره ومعه كل إسناد طاغ من كل قطاعات الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، هو التعبير الحقيقي عن مدى الاستفادة القصوى من هذا المناخ الذي تم تطويعه واستغلاله لصالح القضية الوطنية الفلسطينية.وبين هذا الإدراك، وذاك غير المدرك، وقع أوباما في فخ "أبو مازن"، ولم يعد "أبو مازن" مجرد "شريك" يمكن الضغط عليه، بل أصبح متحكماً بقواعد اللعبة، وجاء دوره كي يضغط ويعيد الأمور إلى نصابها من حيث تحجيم الدور الأميركي واستبداله بمرجعية دولية عبرت عن وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني تصفيقاً ووقوفاً لعدة مرات أثناء خطاب أبو مازن في الجمعية العامة للأمم المتحدة.وبينما خطاب أوباما، كان موجهاً للناخب الأميركي، وتحديداً اللوبي الصهيوني لاسترضائه لنيل ولاية رئاسية ثانية، كان خطاب نتنياهو المرتبك، رسالة إلى المجتمع الإسرائيلي لتحريضه على مزيد من التشدد خشية من انفراط حكومته اليمينية الفاشية، أما خطاب "أبو مازن"، فكان موجهاً إلى المجتمع الدولي، معبراً ليس فقط عن الحال الفلسطينية، بل عن كل الشعوب المضطهدة والمحبة للسلام، كان خطاباً فلسطينياً، لكنه حمل هموم الإنسان في كل مكان تسود فيه آلة القهر والعدوان، ورغم فلسطينيته، كان عالمياً في مضمونه ورسالته، وكان هناك رابحون، كما كان هناك خاسرون، الرابحون هم كل من عبر عن قضيته من خلال الوقوف تصفيقاً لخطاب "أبو مازن"، لكن الخاسرين، هم الذين وضعوا أيديهم على خدودهم ساهمين مشدوهين أثناء الخطاب، لكن هناك خاسرين، لم يتسن لهم التعبير عن موقفهم، فقد كانوا خارج قاعة الشرعية الدولية!.www.hanihabibi.nethanihabib272@hotmail.com