خطاب الرئيس "أبو مازن" في الجمعية العامة، أمس، كان تاريخياً، وسياسياً بامتياز. لخّص القضية الفلسطينية، والحق الفلسطيني في مواجهة الاحتلال وإرهاب الدولة والاستيطان والعنصرية الإسرائيلية. والتصفيق الحار، المتكرّر من غالبية ممثلي دول العالم، هو استفتاء واضح المعالم مفاده أن العالم مع الدولة الفلسطينية، ومع السلم العالمي الذي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وإنهاء آخر احتلال في هذا الكون.في كلمته الشاملة أعاد الرئيس صياغة أسس العملية السياسية، وأنه لا مكان للعودة للماضي، مستذكراً (اللاجئين، والقدس، والحدود، والمياه، والأسرى). وهذا رد على كل المدّعين بأن هناك تخاذلاً أو تقصيراً من القيادة في طرح هذه القضايا.كل الضغوط التي مورست على الرئيس والقيادة خلال الأسابيع الماضية، وخاصة خلال الأيام الثلاثة الماضية، لم تفلح في ثني القيادة عن التقدم بالطلب الفلسطيني للحصول على العضوية الكاملة، بصرف النظر عن النتيجة.الخطاب التاريخي أعاد الثقة للشعب الفلسطيني بكافة مكوّناته، ولكن، الآن، يمكننا توجيه ثلاث رسائل لـ "مثلّث الرفض"، المتقاطع ضد التوجه للأمم المتحدة، وأضلاعه "حماس"، تل أبيب، واشنطن. رسالة إلى "حماس"بالقطع، إن خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ إسماعيل هنية، أمس، وجدت آذاناً صاغية عند عشرات المصلّين، ولكن السياسي إسماعيل هنية لم يفلح، بالحدّ الأدنى، في جلب انتباه ملايين الفلسطينيين، عندما أجاب الصحافيين حول انضمام فلسطين للأمم المتحدة، لأن هناك فرقاً بين المشيخة والسياسة.فلسطين قلبت كل الموازين في نيويورك خلال الأيام الأربعة الماضية، وربما خلال الأسابيع المقبلة، ولأول مرة، تكون النجم العالمي، ولأول مرة تتمكن من الصمود سياسياً أمام كل الضغوط، وهي أكبر بكثير مما تتحمّله دول كبيرة وذات وزن، وهنا تكمن قوة الرئيس السياسي.القيادة الفلسطينية، وعلى الرغم من التشكيك المستمر خلال الأشهر الماضية، حملت كل القضايا الفلسطينية بما فيها، أيضاً، الانقسام الأسود والعدوان، والحصار الإسرائيلي الإجرامي بحق قطاع غزة لتؤكد تمثيلها للشعب كله وليس لجزء منه.ولعلّ خروج مئات آلاف الفلسطينيين خلال الأيام الماضية هو استفتاء حقيقي لمن يمثل هذه الجماهير. على قادة "حماس" العودة إلى الرشد، لأن المكابرة لم تعد تجدي، ومحاولة خداع الناس قد انكشفت. ولا يمكن لعاقل كان أن يفسّر هذا "التكامل" في المواقف بين "حماس" وسلطات الاحتلال.وفي الوقت الذي تصدّت فيه قوات الاحتلال والمستوطنون القتلة لمسيرات الشعب الفلسطيني التي أعادت إلى الأذهان الانتفاضة الأولى، لم نقدر حتى الآن على استيعاب قرار "حماس" منع جماهيرنا من الخروج إلى الشارع للتعبير عن دعمهم للقيادة؟! رسالة إلى تل أبيبلقد انكشفت عورة الاحتلال، وبان ضعف هذه الدولة على الرغم من ترسانة الأسلحة ومئات مليارات الدولارات التي صُبّت فيها من أجل أن تبدو كدولة حقيقية. تل أبيب في حالة استجداء كاملة لواشنطن ولعدد من الدول الأوروبية، وقليل من الدول التي تسير مُغْمِضة في فلك أميركا.إسرائيل بمواقفها العدوانية وإجرام مستوطنيها ستظلّ جسماً سرطانياً في هذه المنطقة، إلا إذا جنحت للسلام، ولعلّ التحوّلات العربية وآثارها تؤكد أن عدم الاعتراف السريع بالحقوق الفلسطينية وإقرارها لن يعود إلاّ بمزيد من النبذ لهذا الكيان. وكما قال الرئيس في تصريح سابق: ستندم إسرائيل على هذه الفرص المهدرة. رسالة إلى واشنطنالحزب الجمهوري شقيق الحزب الديمقراطي الذي يمثله شعار الحمار، وربما في الثقافة الفلسطينية فإن للحمار رمزية خاصة، والرئيس أوباما لم يخيب آمال الفلسطينيين فقط، وإنما كلّ العرب والثائرين في ربوع المنطقة، وكل محاولات البناء السابقة هدمها هذا الخطاب، الذي أعاد تأكيد صورة واشنطن البشعة بين أبناء هذه المنطقة.واشنطن قلقة جداً من استخدام "الفيتو" الذي سيكشفها أمام الجماهير العربية. وبعد سقوط النظام السياسي البائد في كثير من الدول المركزية، وعلى واشنطن الآن الاختيار بين مصالحها في هذه المنطقة وبين دعم آخر احتلال؟! ولعلّ واشنطن ستكون أكبر الخاسرين من جراء استمرار هذا الواقع، إن لم يكن الآن فخلال فترة زمنية أقلّ مما تتوقع دوائر صنع القرار الأميركي.Abnajjarbzu@gmail.com