خبر : سقوط آخر الأقنعة ومعها آخر الأوهام...طلال عوكل

الخميس 22 سبتمبر 2011 10:08 ص / بتوقيت القدس +2GMT
سقوط آخر الأقنعة ومعها آخر الأوهام...طلال عوكل



بعد أسابيع وأيام من الجهد المكثف الذي قامت وتقوم به الإدارة الأميركية، وتعاونها في ذلك الإدارة السياسية للاتحاد الأوروبي، والمبعوث المقيم لـ "الرباعية الدولية"، وما تبع ذلك ويتبعه من لقاءات مكثفة، أيضاً، على هامش الدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، لا تلوح في الأفق القريب أية بوادر على إمكانية تراجع الفلسطينيين عن عزمهم عرض قضيتهم على الأمم المتحدة، ولا أيضاً، على إمكانية تراجع الولايات المتحدة عن عزمها العمل بكل قوة من أجل إفشال المسعى الفلسطيني.في خطابه أبقى الرئيس محمود عباس الباب موارباً على إمكانية التراجع عن قرار التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، لطلب عضوية كاملة لفلسطين، فهو قال: إنه لم ولن يتخل عن خيار المفاوضات، وكأنه يريد القول: أعطونا سبباً كافياً لاستئناف المفاوضات ونحن جاهزون للعودة إليها والعودة عن قرار التوجه للأمم المتحدة.المحاولات الأميركية والأوروبية لم تتوقف عن العمل والبحث عن مخارج للاستعصاء التفاوضي، ولوقف سعي الفلسطينيين نحو مجلس الأمن، وبموازاة ذلك لم تتوقف المحاولات الأميركية عن الاتصال وحتى الضغط على الدول الأعضاء في مجلس الأمن من أجل تجنب استخدام "الفيتو"، الأمر الذي سيضع الولايات المتحدة في موقف حرج للغاية، خصوصاً أمام حلفائها من العرب. على أن خطاب الرئيس أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في يومها الثاني، جاء مخيباً للآمال، إن كان هناك من انتظر منه جديداً ويثير السخط والغضب الشديدين، فضلاً عن أنه يقفل كل الأبواب والنوافذ التي تركها الرئيس الفلسطيني مواربة.في خطابه أوغل أوباما في تعميق انحيازه للرواية والسياسات والمواقف الإسرائيلية، ويبدو أنه عن عمد تجاهل إظهار قدر من التوازن ولو النظري، كالذي أظهره في خطابه العام 2009، من على منبر جامعة القاهرة في مصر، حين تحدث عن المعاناة التاريخية لليهود والفلسطينيين. أكثر من عربون انحياز ومحبة لليهود وإسرائيل، بل إن ما قدمه في خطابه، يذهب إلى حد الانصياع والانقياد الكامل للسياسات والروايات والرغبات الإسرائيلية، فهو وضع اليهود والإسرائيليين، في خانة الضحايا الذين يقدمون الكثير بسبب كراهية المحيط لهم، وبسبب الحروب التي شنتها الدول العربية عليهم، أما عن معاناة الفلسطينيين فلم يرد شيء عنها في خطابه "التلمودي".حق الفلسطينيين في دولة لهم، ينبغي أن يسبقه تحقيق الأمن الشامل والدائم لإسرائيل وفق أوباما، ما يعني أن على الفلسطينيين أن يبادروا لتأمين أمن إسرائيل، من قبل دول المنطقة والإقليم، حتى يأتي دورهم في الحصول على حق إقامة دولتهم. ويذهب منطق أوباما إلى ما هو أبعد من ذلك، فإذا كانت فاتورة الأمن الإسرائيلي مفتوحة على ما يقرره الإسرائيليون، فإن أراضي الدولة الفلسطينية أو أجزاء منها قد تكون هي، أيضاً، جزءاً من متطلبات تحقيق الأمن لإسرائيل.كل شيء، كل الظواهر في هذا الكون من السلام إلى الأمن، إلى حقوق النساء والأطفال، إلى مكافحة الأمراض، وحماية البيئة، والحماية من التهديدات التي تتسبب بها أسلحة الدمار الشامل، كل ذلك وسواه هو من صلاحيات وواجبات الأمم المتحدة، حتى استقلال الدول مثل جنوب السودان، وتغيير الشعوب لأنظمتها الاستبدادية كما في تونس ومصر وليبيا، وساحل العاج، كل ذلك من واجبات وصلاحيات وبسبب تعاون الأمم المتحدة، التي يتطابق فعلها مع فعل الولايات المتحدة، إلاّ بالنسبة للفلسطينيين الذين عليهم أن يخضعوا لإملاءات واشنطن وإسرائيل التفاوضية، حتى لو اقتضى ذلك المزيد من السنوات والعقود.ذئب في جلد أرنب، اختفى الرئيس الأميركي وراء لغة ثقافية قيمية، لو أن الولايات المتحدة التي دافع عن تاريخها التزمت بها لكان العالم على نحو مختلف، فلقد نجح في ركوب موجة التغيير في الدول العربية، وركب موجة التحرر والديمقراطية، وحوّل الحروب الفاشلة التي شنتها الولايات المتحدة ضد العراق وأفغانستان ودول أخرى تحت ذريعة محاربة "الإرهاب" و"القاعدة" وبن لادن، حوّل كل تلك المغامرات والحروب إلى إنجازات للولايات المتحدة وليس إلى الأمم المتحدة، اللهمّ إلاّ إذا كان أوباما يرى تطابقاً بين هذه وتلك.خطاب أوباما يصلح تماماً لأن يقدمه في نهاية العام أمام شعبه أساساً والعالم حول حالة الاتحاد، فهو خطاب ديماغوجي من طراز رفيع، وخطاب انتخابي بامتياز، أهم ما ورد فيه، هو ما يخاطب يهود الولايات المتحدة الذين عليهم، مكافأته بسبب إخلاصه منقطع النظير للسياسات والروايات الإسرائيلية. أعتقد أنه يترتب على نتنياهو الذي سيلقي خطاباً هو الآخر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن يضمن ذلك الخطاب أفضل قصائد الغزل حتى لو اضطرّ لاستعارتها من أدباء عرب. على أية حال، الخطاب العرمرمي للرئيس الأميركي، من شأنه أن ينقل خطاب الرئيس عباس من التكتيكي إلى الاستراتيجي، فالبحث عن خطوات ومبادرات لإخراج المفاوضات من عنق الزجاجة لم يعد ممكناً، والبحث عن تحسين الوضع التفاوضي لا مبرر ولا حاجة له، وبالتالي فإن خطوة التقدم إلى مجلس الأمن لطلب عضوية كاملة لدولة فلسطين ينبغي متابعتها باعتبارها واحدة من معارك الدولة الفلسطينية وليس استحقاقاً أو خطوة تكتيكية وحسب.خطاب أوباما ينتمي إلى عالم الواقعية السياسية، التي تدفع الوقائع إلى مسارها الطبيعي بعيداً عن الرغبات والإسقاطات الذاتية التي لا تصمد طويلاً أمام حركة الواقع، والواقع يشير إلى أن الذهاب إلى الأمم المتحدة هو ذهاب إلى الاشتباك وإلى الصراع، ونحو توسيع ميادين هذا الصراع ليشمل الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي بصفة عامة.وإذا كان خطاب أوباما ينطوي على كل هذه الأبعاد، فالأحرى بالفلسطينيين كل الفلسطينيين أن يتجنّدوا خلف هذه الخطوة، وأن يشمّر الكل عن ساعده لمقاومة الغطرسة الأميركية الإسرائيلية، بكل أشكالها، وأدواتها. لقد بدأ المستوطنون حملتهم العدوانية على قرى ومدن الضفة الغربية تحت سمع وبصر وحراسة الجيش الإسرائيلي، فيما يستمر الانقسام، ويحيي البعض مهرجانات لدعم قرار الذهاب إلى الأمم المتحدة، والبعض الآخر، لا يفعل شيئاً، سوى توسيع دائرة التشكيك والتحذير من مخاطر هذه الخطوة