خبر : صديقي زلطة ...حسن عبد الرؤوف القطراوي

السبت 17 سبتمبر 2011 11:57 ص / بتوقيت القدس +2GMT
صديقي زلطة  ...حسن عبد الرؤوف القطراوي



زلطة طفل شقي وغبي يسكن في حارتنا، وهو ليس جميل على كل حال فهو برأس كبيرة،  وجسم ضخم، عيناه سمراوين كان يتمنى أن يكونان خضراوين بلون شاربة الأخضر الذي يسكن منتصف وجهه بدون شعر، كنت كثيراً ما أحنو على زلطة المنبوذ من أطفال حارتنا، كان يقضي نهاره مسنداً ظهره إلى جدار منزلنا ينظر إلى أقرانه من الأطفال علّهم يخطئون ويشركونه في إحدى ألعابهم لكن دون جدوى، زلطة ينهي نهاره كما بدأ ، فهو لا زال على هذا الحال إلى أن اختار زلطة الذي بدأ يكبر شيئاً فشيئاً طريقاً آخر، التزم زلطة طريق المسجد عرفت زلطة منذ نعومة أظافره وأكاد أجزم بأن أحداً لم يستلطف زلطة مثلي . كان ينظر إلي زلطة نظرات تقدير واحترام لم ينظرها هذا الزلطة إلى أهله وذويه، لم تنقطع علاقة الحنان الذي تربطني بزلطة إلى أن أصبح فتىً يافعا، كنت معجباً بالطريق الذي اختاره زلطة لنفسه فهو فعل ما لم يفعله الكثير من أقرانه رغم أنه لم يكمل المرحلة الإعدادية من تعليمه، مرت الأيام بسرعة غبتُ فيها عن زلطة لسنوات قليلة انشغلت فيها بعملي في الجامعة وأخذتني الدنيا بما فيها من تلاهي إلى أن عادت الأيام بمفاجأة كبيرة فزلطة بسيارة من نوع حديث جداً بموديل 2010 تسير باتجاهي نظرت إلى زلطة بسعادة كبيرة رغم عدم معرفتي بطريقة حصول زلطة على السيارة لمحبتي له، فعلى بعد أمتار من سيارة زلطة الجميلة بدأت أمشي كما تمشي الهوينة فزلطة لا شك سيراني وسيترجل من سيارته ليسلم علي فأنا صديقه القديم رغم أنه بلا أصدقاء وأنا من كنت أحنو عليه ولا شك بأنه سيصطحبني بسيارته لأقضى أمر ما كُنت ذاهباً إليه، وما زالت الذكريات تتزاحم في طرقات عقلي المسكين وإذا بسيارة زلطة تسير بكبرياء إلى بعيد عني، وأنا أنظر إلى مؤخرة سيارة زلطة دخل الحزن إلى أعماق قلبي لكني قلت لنفسي مواسياً لها بأن زلطة لم يراني ولن أراجع زلطة بما حدث إذا ما رأيته يوماً احتراماً إلى نفسي، دارت الأيام ببطئ أكاد فيها لا أنسى موقف زلطة هذا، وبدأت كلما جال بخاطري موقف زلطة أضرب أخماساً بأسداس وأقول في نفسي رآني زلطة... لم يراني زلطة، رآني... زلطة لم يراني زلطة، لم أستسغ طعم ما حدث ولا شك بأن موقف زلطة شغلني شيئاً، إلى أن وقع بيني وبين زلطة أمراً ، فهاتفي الشخصي يجلجل فتحت الخط فإذا بصوت ناعم جميل لو سمعه من سمعه لن يعتقد بأنه صوت زلطة يقول : السلام عليكم أ. حسن، تفضل من معي: معك فلان "أي زلطة" رددت بصوت خافت أهلا وسهلا بدأ يتحدث زلطة معي بحديث لم أفهم نصفه كوني أفكر بسيارة زلطة الحديثة ليس حسداً بل فضولاً حطم نوافذ عقلي لعلي أعرف كيفية حصول زلطة على هذه السيارة، المهم أني فهمت من نصف حديث زلطة أنه يريدني في موضوع مهم لم أفكر في موضوع زلطة كثيراً فهو بلا شك مصلحة له فقط هكذا كان إحساسي فمعرفتي بزلطة كبيرة زادت بعد موقف سيارته، لم أشأ أن أعطيه موعداً في بيتي خوفاً من أن يكون ليست على قد مقام زلطة أو أنه يرفض متعللاً بمشاغله الكثيرة وأعطيته موعداً في المسجد، هلّ زلطة من أحد جنبات المسجد بعد الصلاة متجهاً إلي حمدت الله على تواضع زلطة فقد كنت أعتقد بأن زلطة سينتظر مكانه إلى أن آتيه، نظرت إلى حبيبي زلطة فإذا بطريقة سير لم أعهدها على زلطة المسكين فهي فخمة وتكاد يداه تعلوان أكتافه جسمه الضخم، تغيرت ملامح وجهه زلطة فهو بلحية كبيرة وشارب محفوف، فقد اختفى شاربه الأخضر القديم، جلس زلطة بجانبي رحب بي ترحاباً جميلاً هذه المرة كعادته قبل السيارة وبدأ يتحدث إليّ عن موضوعه ولا شك بأنه لأحد خاصات زلطة القريبين جداً وقع بمشكلة في الجامعة ويريد مني زلطة حلها، تفهمت المشكلة وأبديت استعداداً كبيراً لمساعدته لكني أوضحت له بأنها صعبه فقال لي حلها بطريقتك ولا تقلق إذا كنت بحاجة إلى كتاب من !!!! وقال لي كلمة كبيرة جداً استغربت وقلت في نفسي معقول ألهذا الحد وصل أبو الزلط، المهم أن الكلمة كشفت لي لغز سيارة زلطة فهو مرافق لأحد الشخصيات الهامة في البلد، المهم أننا افترقنا بوعد مني لزلطة بمحاولة حل المشكلة لعل حلي لمشكلة زلطة يأتي "بتطويطة" من سيارته مفادها السلام عليكم، بعد يومين اتصل زلطة فرقمه هذه المرة معروف سأل عن الموضوع فأجبته بكل أمانة بأني لم أستطع، فالموضوع يحتاج إلى قرار من الإدارة ، عندها اختلف صوت زلطة وعاد إلى صوت ما بعد السيارة فلم يعجبه عدم مقدرتي على حل الموضوع شكرني بطريقة عدم شكر وأنهى المكالمة ... لم تنتهي القصة بعد فقد شاء القدر أن يمر بي زلطة مرة أخرى وتأتي عيني هذه المرة بعين زلطة السوداء بسواد ليل الدنيا التي غيرت حتى نفسية زلطة ولم يرد السلام مرة أخرى  ولو " بتطويطة " من سيارته قلت في نفسي وقلبي يضحك بدموع مسكين هذا الزلطة فهو مش لايق عليه حتى أن يكون " أبو جخة محمضة ". كاتب من غزة