خبر : الإستقواء بالفيتو! .. د.ناجي شراب

السبت 17 سبتمبر 2011 11:27 ص / بتوقيت القدس +2GMT
 الإستقواء بالفيتو! .. د.ناجي شراب



                                      الولايات المتحدة دولة عظمى ، وألأقوى عسكريا وإقتصاديا في العالم ، وتتربع على رأس النظام الدولي ، وتصدر قراراتها في كل أنحاء الكونية السياسية . هذد الدولة تواجه مأزقا ديبلوماسيا في تحديد مسار ومستقبل الدولة الفلسطينية ، وتستطيع بنفحة هواء بسيطة أن تمحو الدولة الفلسطينية من على الخارطة السياسية الكونية ، لكنها لا تستطيع أن تشطب الوجود القومى للشعب الفلسطيني ، ولا تستطيع أن تحول دون أن يمارس هذا الشعب مثل بقية الشعوب الأخرى حقه في تقرير مصيره ، وقيام دولته المجسده لهويتة القومية والحضارية والإنسانية . الولايات المتحدة تبدو غير قادرة على وقف مسيرة الشعب الفلسطيني بالتوجه للأمم المتحدة لنيل الإعتراف السياسي بدولة ما زالت تخضع للإحتلال الإسرائيلى ، وكل ما تستطيع أن تقوم به التلويح والتهديد بالفيتو ألأمريكي في مجلس الأمن للحيلولة دون عضوية الدولة الفلسطينية ، لتبقى الإعتراف مجرد إعتراف سياسي لا يرقى إلى مستوى دولة كاملة العضوية في ألأمم المتحدة . والفارق كبير بين دولة غير عضو ودولة عضو . لقد دأبت الولايات المتحدة ومنذ نشؤ القضية الفلسطينية عام ا948 على توظيف الفيتو ضد كل قرار يمس أمن وبقاء ووجود إسرائيل ، ويحول دون تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي قد شكلت مرجعية قانونية اليوم للموقف الفلسطيني في التوجه للأمم المتحدة للإعتراف بدولتهم . الولايات المتحدة تحتمى هذه المرة بالفيتو لوقف ذهاب الفلسطينيين إلى مجلس الأمن لمنح صفة العضوية للدولة الفلسطينية . وهى بذلك تبدو عاجزه وضعيفه ، ولا تقوى على تحريك قواتها العسكرية ، إلا التويح بهذا الفيتو ، ولا تستطيع أيضا من خلال التهديد بسياسة الحصار المالى أن تحول دون تزايد قوة التطلعات القومية للشعب الفلسطيني ، وأن هذا هو زمن إنهاء الإحتلال الإسرائيلى بكل الوسائل المشروعة ، وفى جدارة حقه أن يثبت وجوده السياسي في الأمم المتحدة المسؤولة أولا عن نشوء القضية الفلسطينية بقيام دولة إسرائيل ، وعدم قيام الدولة الفلسطينية ، وثانيا باستمرار القضية بسبب الفيتو ألأمريكي الذي وقف دون تنفيذ العديد من قرارات الشرعية الدولية . الولايات المتحدة تستطيع أن تفعل كل شئ ، إلا أن تحول دون قيام الدولة الفلسطينية كحقيقة قائمه على ألأرض ، فالدولة الفلسطينية كحقيقة وواقع سياسي قاائمه بأركانها الثلاث وهى الإقليم والشعب والحكومة الفاعلة وإن كان الإحتلال يحول دون إكتمال هذه الأركان الثلاث. ولعل الفيتو ألأمريكي هذه المرة يختلف عن كل المرات التي أستخدم فيها لفيتو ألأمريكي . وهنا السؤال أو ألأسئلة التي قد يثيرها هذا الفيتو : هل من تغير في البيئة السياسية الإقليمية والدولية للفيتو ألأمريكي ؟ وما هو الثمن السياسي الذي قد تدفعه الولايات المتحدة وحتى الفلسطينيين من الفيتو ألأمريكي ؟ وهل من مصلحة الولايات المتحدة قيام دولة فلسطينية ؟ وهل من إستراتيجية أمريكية للخروج من مأزق الفيتو من خلال تبنى إستراتيجية الدولة الفلسطينية ؟ كما أشرنا لن تتوانى الولايات المتحدة على إستخدام الفيتو ألأمريكي في مجلس ألأمن في كل مرة تكون فيها إسرائيل طرفا في أي قرار يعمل لغير صالحها ، لأن الظروف في كل مرة لم تشكل أي ضرر على السياسة ألأمريكية ، فمن ناحية البيئة السياسية العربية بأنظمة الحكم السلطوية الفردانية التى إرتبط وجودها بالسياسة والحماية ألأمريكية لم تستطيع أن تقف في وجه هذا الفيتو في أي وقت ، ومن ناحية كانت الشعوب العربية وكل القوى السياسة والمجتمعية مغيبة ،وبالتالي لا تشكل أي ضغط ، وثالثا عملت موازين القوى القائمة لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ، أما اليوم فقد حدثت حولات كبيرة في هذه البيئة ، بسقوط عدد من النظم السياسية التي عملت في دائرة السياسة ألأمريكية ، وحتى النظم القائمة لم تعد تتجاهل دور شعوبها التي قد تسقطها في أي وقت ، وهذا التحول في بيئة السياسة العربية وألإقليمية يعنى إن الثمن السياسي لأى فيتو أمريكى هذه المرة سيكون باهظا ومكلفا للولايات المتحدة ، وقد يمس وجودها العسكري والإقتصادى في المنطقة ، وقد يمس وجودها الديبلوماسى بالمطالبة بخروج سفرائها من المنطقة ، وسيزيد من درجة الكراهية للسياسة الأمريكية ، ويفقدها ما تبقى لها من رصيد من المصداقية وهو في الأساس ضئيل ، وهذا ما أنعكس في طلب وزيرة الخارجية ألأمريكية حث الفلسطينيين على عدم الذهاب إلى الأمم المتحدة ، والعودة إلى المفاوضات ، ومعارضة المندوبة ألأمريكية في مجلس لأى خطوات أحادية من الجانب الفلسطينيى ، والتصريح ألأخير للرئيس أوباما الذي قال فيه أن الإعتراف لن يأتى بدولة فلسطينية قابلة للحياة ، وان هذا يتطلب التفاوض. المهم في كل هذا إن الثمن السياسي الأمريكى سيكون باهظا ، ولن تسمح الولايات المتحدة للجانب الفلسطيني أن يضر بهذه المصالح . وسينعكس هذا الفيتو الأمريكى على سياسات التحالف الأمريكية مع دول المنطقة بما فيها إسرائيل ، وسيضع الولايات وإسرائيل في جانب والشرعية الدولية في جانب آخر. والسؤال الآخر هل يمكن أن تتجنب الولايات المتحدة حق الفيتو ؟ هذا خيار مستبعد لأسباب تتعلق بالسياسة ألأمريكية الداخلية ، وبقرب إنتخابات الرئاسة ألأمريكية التى يحرص الرئيس أوباما على الفوز بها . وهذا الخيار يعنى دخول العلاقات ألأمريكية العربية والإسلامية في مواجهة لا يمكن التنبؤ بنتائجها ، ومن التداعيات الخطيرة على السياسة الأمريكية أن هذا الفيتو الأمريكى سيعنى إرتفاع درجة الكراهية ، ومن ثم زيادة إحتمالات التشدد والإرهاب ، وهو ما يعنى فشل الولايات المتحدة في حربها ضد ألإرهاب الذي يشكل أحد مكونات ألأمن القومى ألأمريكي . وهكذا يبدو الثمن السياسي الذي ينتظر الفيتو ألأمريكي . والسؤال ثانية ما هو البديل لذلك ؟ أعتقد أنه من صالح الولايات المتحدة إعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية ، لأن هذا يتفق مع الوعود التي وعد بها الرئيس ألأمريكي بقيام الدولة الفلسطينية ، وحتى هذا الإعتراف يعمل في صالح إسرائيل لأنه يدعم خيار الدولتين . وفى الوقت ذاته للفلسطينيين وللدول العربية مصلحة مباشرة في قيام الدولة الفلسطينية ، وحيث إن الولايات المتحدة خيارها حتمى بإستخدام الفيتو ، فالفلسطينيين ايضا خيارهم حتميا في الذهاب للأمم المتحدة ، ولا يملكمون خيارات أخرى بعد فشل المفاوضات ، وفى الوقت ذاته ليس من مصلحة كل ألأطراف الدخول في خيار المواجهة والتصادم في المصالح لأن ذلك قد يأتى على حساب إكتمال الدولة الفلسطينية ، وإستكمال بقية الحقوق الفلسطينية ، لأن المسألة ليست دولة فقط . القضية الفلسطينية أكبر من كونها خيار دولة . وهذا تطلب البحث عن إستراتيجية تلتقى فيها مصالح الجميع ، وهذه الإستراتيجية هي خيار الدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وبأن يتم ألإتفاق في إطار صفقة أو إتفاق سياسي ومبادرة تتبناها الولايات المتحدة تقوم على : أولا الإعتراف بالدولة الفلسطينية ، وثانيا تفعيل خيار المفاوضات على أسس ومرجعية جديده محورها الدولة الفلسطينية وتكون ملزمة للجميع ، وثالثا دور أمريكى فاعل ومباشر ، ورابعا إلتزام إسرائيلى بوقف وتجميد الإستيطان حتى يكون لخيار الدولة مغزى ومضمون سياسي . أن يكتفى الفلسطينيون بالذهاب فقط على الجمعية العامة للأمم المتحدة .هذه هي المدركات السياسية التي على الولايات المتحدة أكثر من غيرها لأنها ستكون الطرف الأكثر خسارة ، اما الفلسطينيين حساب نظرية المباراة لن يخسروا شئيا ، الخاسر في هذه اللعبة هى الولايات المتحدة وإسرائيل لأن الخيار البديل لذلك هو خيار التصعيد الذي قد يقود إلى خيار المواجهةالعسكرية ، وزيادة حرب الإرهاب ضراوة. وزيادة إحتمالات خيار الحرب الذي قد تفرضه تغير قواعد لعبة توازن القوى في المنطقة .  أستاذ العلوم السياسية غزهdrnagish@gmail.com