مع اقتراب موعد الذهاب إلى الأمم المتحدة لطلب عضوية كاملة لدولة فلسطين في المنظمة الدولية تبدو الأمور أكثر تعقيداً وضبابية. ومع أن كل القوى الفلسطينية تؤيد الخطوة التي قررتها القيادة بالتوجه إلى الأمم المتحدة، إلا أن شكل التوجه ليس قاطعاً بعد، وهناك نوع من الارتباك والتضارب أحياناً في التصريحات والمواقف التي تصدر عن قيادات فلسطينية مختلفة. فهناك من يتحدث عن ذهاب لا رجعة عنه إلى مجلس الأمن بصرف النظر عن "الفيتو" الأميركي المنتظر. وهناك من يقول إن القيادة ستذهب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تلافياً للفيتو ولصدام محتمل مع الولايات المتحدة. وآخرون يتحدثون عن انتظار مبادرة اللحظة الأخيرة التي تجنب الجانب الفلسطيني إشكالية مجلس الأمن.الموقف الأميركي واضح وقاطع فهو يرفض الفكرة من أصلها ويرى فيها بديلاً غير مقبول عن المفاوضات المباشرة. وكلام الرئيس باراك أوباما لا لبس فيه بهذا الشأن فهو يعتبر سعي الفلسطينيين لنيل اعتراف الأمم المتحدة بدول فلسطين "خطوة لصرف الأنظار لن تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة"، ويعتقد أن الطريق الوحيد لحل هذه المسألة يتمثل في "اتفاق إسرائيلي ـ فلسطيني" فقط. ويذهب أوباما إلى التقليل من شأن هذه الخطوة التي من وجهة نظره "لن تؤدي إلى تغيير الوضع على الأرض".الدول العربية ممثلة بلجنة متابعة مبادرة السلام العربية، تعلن أنها تؤيد المطلب الفلسطيني والتوجه نحو الأمم المتحدة، وأنها ستواصل جهودها من أجل إقناع دول العالم بتأييد الطلب الفلسطيني بالحصول على الاعتراف الدولي. ولكن ليس واضحاً ماذا ستفعل الدول العربية أو ما الذي تفعله بالضبط للضغط على الدول المؤثرة لضمان تأييدها للحق الفلسطيني، بل إن رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني يقول إن السلطة الفلسطينية لم تحسم أمرها بشأن الذهاب إلى الأمم المتحدة.هكذا يجد الفلسطينيون أنفسهم في حالة من عدم اليقين، على الرغم من التحضيرات الجارية لفعاليات حاشدة يوم 21/9/2011 يوم تقديم الطلب في اجتماع الأمم المتحدة. وهم محشورون بين المعارضة الجارفة على الطريقة الأميركية، والمعارضة الأقل حدة على طريق بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا، والتأييد الواضح كما يظهر في موقف العديد من دول عدم الانحياز والبلدان الإسلامية وبعض المجموعات الدولية، والتردد لدى دول كثيرة لا تزال لم تتخذ قراراً حتى اللحظة. وأكثر من ذلك بين حسابات المصالح والمخاسر أو الأضرار التي يمكن أن تترتب على مثل هذه الخطوة.إسرائيل تريد للفلسطينيين أن يصطدموا مع الولايات المتحدة حتى تقول للإدارة الأميركية : لقد قلنا لكم إنهم لا يريدون مفاوضات ولا سلام ويبحثون عن خطوات أحادية الجانب. ولعلّ تضخيم مردودات الخطوة الفلسطينية في وسائل الإعلام مثل الحديث عن "تسونامي" سياسي هو على ما يبدو يستهدف دفع الفلسطينيين إلى عدم التردد في الذهاب نحو مجلس الأمن، مع العلم أن إسرائيل ستتضرر من مجرد اعتراف الجمعية العامة بدولة فلسطينية في حدود 1967 بصرف النظر عن شكل هذا الاعتراف حتى لو كان بدولة غير عضو كما هو مرجح الآن، والقلق الإسرائيلي يتركز في الأساس على مسألة الأمن، ومع أن إسرائيل تلقت تطمينات من السلطة الوطنية بالحفاظ على الأمن في كل الظروف في مقابل امتناع إسرائيل عن اتخاذ إجراءات عقابية ضد الفلسطينيين، إلا أن لا أحد يضمن استمرار استتباب الأمن. إذ يتحدث الإسرائيليون أنفسهم عن وجود خلايا إرهابية يهودية في أوساط المستوطنين قد تقوم بعمليات إرهابية ضد الفلسطينيين في المناطق المحتلة في الضفة الغربية. ويعلم الجميع أن عدة رصاصات قد تفجر الوضع برمته. وهناك أطراف عديدة معنية بتوتير الأجواء.المعضلة الأكبر التي ربما تواجه القيادة الفلسطينية مع اقتراب الموعد المحدد للبدء في معركة عضوية دولة فلسطين بشكل رسمي تكمن في عدم وضوح الرؤية لدى الجمهور الفلسطيني الذي يشعر بأن هناك فجوة بينه وبين القيادة، خاصة في ظل المشكلات التي تعاني منها السلطة الوطنية، وموضوع عدم القدرة على صرف رواتب الموظفين في موعدها، وعدم تلبية بعض الحاجات الأساسية للمواطنين بسبب الأزمة المالية، وأيضاً، بسبب سوء الأوضاع المعيشية في المناطق الفلسطينية نتيجة لإجراءات الاحتلال.وليس واضحاً كم سيكون حجم تفاعل الجماهير مع خطوة القيادة وهل ستخرج بمئات الألوف إلى الشوارع لتعبّر عن دعمها الهائل لهذه الخطوة، أم سيكون الخروج كما في المناسبات التي نشهدها خلال السنوات الماضية. وفي الواقع هذه قضية مهمة للغاية في المعركة القادمة التي بدأت فعلاً منذ شهور. فكلما كان حجم التأييد الشعبي قوياً وجارفاً شعر العالم بأهمية الاستجابة للطلب الفلسطيني المشروع، وكلما كان متدنياً فإن هذا سيريح المعارضين ولا يجعلهم يأخذون الموضوع على محمل الجد، وهكذا يتعاملون معه كحدث عابر ليس إلاً.هناك مشكلة ما في التواصل بين القيادة والشعب مردها بالأساس إلى نوع من إهمال الرأي العام وعدم الالتفات إلى حاجات الناس وهمومهم والتعامل معهم بشكل موسمي وحسب حاجة القيادة، وهذا الموضوع الآن ليس محل البحث، فالوقت لا يسمح بمعالجة قضايا متراكمة ومعقدة في هذا الوقت تحديداً. ولكن من الضروري تحديد الموقف الفلسطيني وتوضيحه للناس وشرح معنى الدعم الشعبي لهذا الموقف، حتى لا تصبح القيادة معزولة ولا تسمع سوى صدى نفسها في هذه المعركة المهمة، بصرف النظر عن الرأي في مدى جدواها والخيارات والبدائل الأخرى.