خبر : عبد الناصر لن يكون إلاّ مصرياً ..طلال عوكل

الإثنين 12 سبتمبر 2011 09:34 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عبد الناصر لن يكون إلاّ مصرياً  ..طلال عوكل



لم يعد أمام إسرائيل من مهرب، خصوصاً وقد ابتليت بقيادات سياسية وعسكرية، تربّت على الحقد والعنجهية، وأعمت بصيرتها غطرسة القوة والأفكار العنصرية، حتى تخيّلت أن تفوقها أبدي، والحماية الأميركية لها أبدية، وأن كل شيء يتحرك في هذه الدنيا يصب في مصلحة بقاء إسرائيل.ما كان يمكن أن يتخيل أحد تأخر الشارع المصري والعربي عموماً، عن مقابلة ومجاراة، وربما تجاوز المواقف التركية الأخيرة ضد إسرائيل، والتي أنعشت ذاكرة الشعوب العربية، وقدمت لها معايير جديدة لكيف يكون التحدي للاستكبار الأميركي الإسرائيلي. لم يتوقف بعد هدير الشباب العربي الذي ينتفض في شوارع العواصم رافعاً شعار الحرية والكرامة، ولا تريد إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، أن تفهما أن هذا الشعار لا يتوقف على هدف تغيير الأنظمة القائمة، وإنما يسعى إلى ذلك ويتعداه نحو تحقيق الحرية والكرامة القومية. تستحق تركيا، ويستحق زعيمها رجب طيب أردوغان أن نطلق عليه بطل القومية العربية، طالما لم يظهر بعد زعيم عربي كبير ليرث مكانة الرئيس المصري والعربي الراحل جمال عبد الناصر.المؤشرات الموضوعية كلها تشير إلى المنطقة العربية، خصوصاً ومنطقة الشرق الأوسط عموماً قد دخلت للتو في مرحلة تاريخية جديدة مختلفة نوعياً، بأدواتها، وخطابها السياسي والفكري، وإستراتجياتها وقدرتها على الفعل عن مرحلة الغياب العربي الكبير الذي ميز الحياة السياسية طوال عقود سابقة. جمال عبد الناصر، لن يكون إلاّ عربياً، ولذلك فوجئ الجميع بأن ما عرف بمسيرة تصحيح المسار في مصر، تأخذ بعداً قومياً بامتياز ومصرياً بامتياز، ذلك أن إسرائيل كان عليها أن تعتذر لمصر عن قتل جيشها خمسة من الضباط والجنود المصريين. لكأن شباب مصر، الذي يتوقع زيارة قريبة من رئيس الوزراء التركي أردوغان يريد أن يقول له، "أهلاً وسهلاً بك"، ولكن مصر أجدر وهي أقدر على أن تكون رائدة القومية العربية كما كان عهدها منذ القدم، وبأنكم طردتم السفير الإسرائيلي من أنقرة، لكن الشعب المصري يريد أن يطرد السفير والسفارة.قد تهدأ ثورة الشباب المصري ضد السفير الإسرائيلي وسفارته، ولكن الوجهة العامة لتصحيح مسار الثورة ستبقى بأفق وطني قومي ولن يتأخر كثيراً اليوم الذي تتحسر فيه إسرائيل على أيام، لم تستثمرها جيداً لتطبيع وجودها وعلاقاتها مع المحيط العربي، وأن عنجهية القوة والغطرسة التي اعتمدتها في العلاقة مع الشعوب الأخرى، لن تقودها إلاّ إلى الخراب والدمار والعزلة.هذه واحدة من أولى تداعيات المواقف التركية ضد الغطرسة الإسرائيلية عسى أن تفهم الولايات المتحدة، طالما أن إسرائيل لا تفهم حقيقة وأبعاد ربيع الثورات العربية.إن تفاقم الأزمة، والتي تذهب إلى قطيعة بين إسرائيل وتركيا التي تجتهد في تعزيز مكانتها ودورها ومصالحها في بيئتها الطبيعية هذه الأزمة من شأنها في حال تواصلها وتدهورها، أن تشكل نموذجاً للشعوب العربية، وأن تقدم معياراً حتى للأنظمة العربية القائمة التي تعتقد أنها بمنأى عن رياح التغيير من قبل شعوبها.إسرائيل تقف مشدوهة، ومغلولة اليد واللسان، فهي لم تعد، في ظل الظروف الراهنة قادرةً على ممارسة عدوانيتها وارتكاب ما تعوّدت عليه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة. فعلى سبيل المثال فإن قطاع غزة، الذي كان مسرحاً للجرائم الإسرائيلية، يستطيع أن ينعم ببعض الهدوء، بضمانة خوف إسرائيل من ردود فعل صعبة عربية وإقليمية في حال قامت بارتكاب عدوان على القطاع.الكل يعرف أن إسرائيل عندما تواجه أزمة داخلية كبيرة كالتي تواجهها منذ بعض الوقت فضلاً عن أزماتها السياسية الخارجية، تفكر أول ما تفكر في تصدير أزمتها، عبر شن حروب على العرب، ولكنها هذه المرة عاجزة عن التفكير بهذا الاتجاه.إن أي عدوان إسرائيلي جديد على الشعب الفلسطيني، من شأنه أن يقلب الدنيا على رأسها وعلى رأس الولايات المتحدة التي تجد نفسها مرغمة على تأييدها والدفاع عنها وتغطية عدوانها وتشجيع عدوانيتها. ومثلما تخشى إسرائيل ردود فعل شعبية ورسمية عربية وإقليمية خطيرة في حال ارتكبت عدواناً على الفلسطينيين في الضفة أو في قطاع غزة، فإن الولايات المتحدة، أيضاً، عليها أن تخشى من ردود فعل كهذه في حال شجعت إسرائيل على ارتكاب عدوان، فالشارع العربي الذي يتحرك نحو التغيير يدرك منذ زمن طبيعة العلاقات الإسرائيلية الأميركية، ويدرك مدى الظلم الذي تلحقه السياسات الأميركية بالقضايا والحقوق العربية.يملي هذا الوضع على الولايات المتحدة، أن تتبع سياسة فاعلة في الضغط على إسرائيل من أجل كبح جماحها، ذلك أن ضغوطها على العرب لم تعد تفيد في شيء، وبعد أن استنفدت كل مصداقيتها، وخسرت كل محاولاتها لتحسين صورتها في العالمين العربي والإسلامي.بقي أن نقول إن هذه التطورات ذات أبعاد تاريخية، إيجابية لصالح القضية الفلسطينية، وما على القوى الفلسطينية سوى أن تعيد تأهيل ذاتها بأقصى سرعة، كي تنجح في استثمار هذه الأوضاع الناشئة، التي تساعدها على تحقيق إنجازات كبيرة، لم يكن بالإمكان تحقيقها في ظل الظروف السابقة.