خبر : أيلول الحسم : إما الدولة أو حل السلطة ! .. أكرم عطا الله

الإثنين 12 سبتمبر 2011 08:44 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أيلول الحسم : إما الدولة أو حل السلطة ! .. أكرم عطا الله



بلغة "الكاوبوي" التي لم تغادرها السياسة الأميركية بعد، ولوسيط لم يكن أكثر من ساعي بريد للنزوات والرغبات الإسرائيلية، أعلنت الولايات المتحدة موقفها الحاسم والمدجج بغرور القوة للحظة الحقيقة التي وصلت إليها رحلة المفاوضات العبثية مع حكومات متعاقبة مختلفة الألوان وموحدة المضمون ضد الفلسطينيين، لم تكن المفاوضات بالنسبة لجميعها سوى ملهاة التاريخ الذي أضاع خُمس قرن حتى هذا الشهر، حدثت خلاله زلازل سياسية وتغيرات هائلة وبقيت حكومات إسرائيل أمنية لقيم الاحتلال .هي الرحلة الأصعب في تاريخ الشعوب المقهورة بالمحتلين الغزاة والتي تركها العالم فريسة لأيدلوجية عنصرية كان اليسار أكثر إخلاصاً لها، من حق الشعوب أن تقاتل محتليها من أجل الحرية، هكذا فعل جورج واشنطن منذ ما يقرب من ثلاثة قرون، وهكذا أيضا توحدت أوروبا ضد النازي قبل سبعة عقود، فهذا هو مسار التاريخ وحين أراد الفلسطيني أن يمارس دروس التاريخ اصطدم ليس فقط بحرمان دعم العالم الذي صاغ قيم الحرية والعدالة بل بإدانة ورفض دوليين واتهام بالإرهاب وملاحقة، وانسجاماً مع رغبة العالم المترف بمفاوضات، أيضا ترك الفلسطيني أعزل أمام الدهاء الإسرائيلي وفريسة لتفرد القوة التي تقف خلف عبث حكوماته، لعشرين عاماً والعالم في لحظة تغييب لضميره وقف متفرجا على مفاوضات كان واضحاً أن السلوك الإسرائيلي على الأرض سيجعل من الوصول لنهاية طبيعية لها أمراً مستحيلا، وكان العالم أعمى وفي لحظة ما يتهم الفلسطيني بالتخريب والتهرب .. هكذا كان ذلك في كامب ديفيد .إذن، لا مقاومة كرمى للعالم ولا إلزام إسرائيل بحل في المفاوضات ليهرب الفلسطيني نحو المؤسسة الدولية الأهم والتي أشرفت على تأسيسها الولايات المتحدة واحتكرت صياغة دساتيرها حين أوكلت لمحامين أميركيين تلك الصياغة، وقد أنشأتها الولايات المتحدة لتكون البيت الذي تحل فيه كل النزاعات الدولية حين تعجز المفاوضات عن الحل، وحتى لا يكون السلاح هو لغة الحوار ومادته الدم .وحين تشهر دولة القوة والتي لم تقرأ بعد بدايات تراجعها، ولم تفهم بعد درس تاريخ نهضة الشعوب الحديث، تشهر عصاتها الغليظة بـ "لا" كبيرة في وجه الفلسطينيين فإنها تكون بذلك أسدلت الستار على الفصل الأخير في تاريخ رحلة توسطها المصطنعة والباب الذي كان يمكن أن يشكل مهرباً من الاحتلال بالنسبة للفلسطينيين، وحقيقة القوة تقول أنه لا يمكن أن تقوم دولة بمعارضة الولايات المتحدة وبالتالي لا أمل .الذهاب الفلسطيني نحو الأمم المتحدة هو حقيقة الحقائق التي يجب ألا تُعمي القيادة الفلسطينية عنها أية أوهام بعد الرحلة الطويلة للمفاوضات، ولن تكون الأيام القادمة قادرةً على اختصار وإنجاز ما عجزت عنه العقود الماضية، وإذا حدث تراجع عن مشروع الأمم المتحدة تكون القيادة قد أخطأت ولم تتعلم الدرس المكتوب على جلدها .لماذا يفقد الفلسطيني ثقته بنفسه إلى الحد الذي يعتقد أنه مجرد من القوة ؟ ليس فقط قوة الأخلاق والحق بل القوة القادرة على إحداث زلزال بالمنطقة تصل هزاته الارتدادية إلى واشنطن وتل أبيب وكل عواصم أوروبا التي ما زال الكثير منها يتعامى عن حقيقة يثير تجاهلها شبهة التواطؤ والحنين لتاريخها القديم كدول احتلال، فلماذا لا يذهب الرئيس الفلسطيني حاملاً مفاتيح السلطة ليعيدها للبيت الأبيض وليترك للشعب تقرير مصيره بعيداً عن التزامات وواجبات تلك السلطة، ولماذا لا يعيد مجد ياسر عرفات بلغة أخرى، حين وقف في بيت العالم ليخيره بين غصن الزيتون والبندقية، لا يستطيع الرئيس الحالي تكرار النص، ولكن ليخير الولايات المتحدة ما بين دولة أوحل السلطة، إما دولة وإما الفوضى وقلب الطاولة في وجوه الجميع، ولتتحمل إسرائيل كدولة احتلال مسؤوليتها أمام القانون الدولي، ولتذهب أميركا و"الفيتو" إلى الخيار الذي تصبح فيه هي من يدفع الثمن وليس الشعب الفلسطيني الذي سدد كل فواتير الاحتلال بالدم والدموع، ولم يعد ما لديه يدفعه حين يضعه العالم وظهره للحائط .حل السلطة هو الكابوس الأسوأ بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا، حتى أن أكثر كتاب صحيفة يديعوت تطرفاً وهو منظر الاحتلال "الياكيم هعيتسني" كتب قبل حوالي الشهر مذعوراً من إمكانية عودة الاحتلال " ليس بإمكان إسرائيل أن تعود لكنس شوارع رام الله وهي الدولة المثقلة بأزمة اقتصادية "، فلا يمكن لإسرائيل أن تتحمل مسؤولية الصحة والتعليم وخدمات ملايين من البشر، في ظل أزمة تعصف ليس فقط بالحكومة بل بالدولة واقتصادها، والأسوأ بالنسبة لإسرائيل أن تعود تظهر حقيقتها كدولة احتلال، بعد أن غابت تلك الصورة منذ إقامة السلطة، والتي أعفت الاحتلال من مسؤولياته، لتبدو كأنها تدير أوضاع الفلسطينيين فيما بقي احتلالا نظيفا أو كما وصفته الكاتبة الإسرائيلية "عميرة هاس" قبل أكثر من عقد " احتلال سوبر ديلوكس " .فيما غرقت السلطة بأزماتها المتعددة وهي تحاول العمل تحت تحكم الاحتلال بكل الموارد والمعابر والتحويلات المالية، ليتحول الوضع الفلسطيني بعد سنوات من إقامتها غارقا في شأنه وتدبير الدعم والمؤن، ومن أزمة إلى أزمة، فيما العالم يقف متفرجاً على احتلال ينغرس أكثر ويعزز نفسه أكثر، ومع الزمن أصبحت السلطة في لحظة ما عبئا على النضال الوطني، وأصبحت مكسبا يبدو أن الفلسطينيين مضطرون لتقديم ثمنه من اللحم الحي، فدارت الدائرة عقدين، فيما يهوي الفلسطينيون إلى الأزمة تبدو إسرائيل أنها بعيدة عن ذلك وفي لحظة انتعاش مشروعها .ومن ثم أصبحت السلطة مدعاة للاقتتال والتنافر والتفسخ ونقلت الصراع إلى الداخل، بين الأحزاب، ومن ثم انتقلت المسألة إلى الحزب الواحد، فلم تعد الفصائل على تماسكها القديم بفعل ممكنات السلطة ومغرياتها وحروب الكراسي والوراثة وغيرها، لنكتشف بعد كل ذلك تآكلا كبيرا في الروح الوطنية، وهي رأس المال الوحيد لدى الشعب الفلسطيني، كان على السلطة أن تنتهي بعد خمس سنوات من توقيع الاتفاقيات لتسلم الراية لدولة كان يجب أن تقام قبل نهاية القرن، وقد تأخر ذلك عقدا ونيفا، ويبدو أن المسألة ستستمر لعقود لو استمر الحال على ذلك، وكان لا بد من نهاية، من لحظة حسم أمام الحقيقة .ولأن السلطة مطلب أميركي أوروبي وتعفي إسرائيل من مسؤوليتها كدولة محتلة، وتبدو صورتها نظيفة، ولأن الجميع شارك في مؤامرة التواطؤ والصمت ضد الشعب الفلسطيني حين ترك وحيدا أمام الغول الإسرائيلي، فقد آن الأوان لوضع العالم أمام خيارين: إما أن يقيم الدولة في فترة محددة وإما أن تقلب الطاولة في وجه الجميع، وتسلم مفاتيح السلطة للبيت الأبيض تماما، وكما وضع الرئيس الراحل العالم قبل ثلاثة عقود ونصف ويقال للولايات المتحدة تسلموا مفاتيح السلطة فورا بعد "الفيتو" .خسارة العالم في السلطة أكبر من خسارة الفلسطينيين وبالتحديد الآن مع حركة الشعوب والربيع العربي، لأن العالم يدرك أنه حين ينفرط عقد السلطة التي تشكل قيدا على حركة الشارع، وحين يتحرك سيل الجماهير بمئات الآلاف لشعب يمتلك من قوة الحق ما لم يمتلكه شعب آخر، وشعب يجب أن يثق أنه يمتلك من القوة على الأرض إن تحرك ما يمكنه أن يغير تاريخه في الساحات العامة والشوارع ولا ينتظر رأي وموقف الولايات المتحدة وغيرها، فهل سيفعلها أبو مازن ويقول: جئتكم أطلب الدولة أو أسلمكم مفاتيح السلطة..! Atallah.akram@hotmail.com