خبر : العمارة.. في السفارة!! ...هاني حبيب

الإثنين 12 سبتمبر 2011 08:43 ص / بتوقيت القدس +2GMT
العمارة.. في السفارة!! ...هاني حبيب



"تقبض السلطات الفرنسية على سيدة مصرية منقبة، لسبب ما، ربما كان جنائياً أو بالخطأ، تقوم قائمة الجمهور المصري، يحيي جمعة يطلق عليها اسماً، يتحول هؤلاء بعد صلاة الجمعة إلى السفارة الفرنسية، رافعين الشعارات، ومنادين بطرد السفير، وربما قتله، ويخرج من بين الجموع واحد أو أكثر، لينزع العلم الفرنسي من فوق السفارة، ويقذف به إلى الجمهور المهلل والمكبر، والذي يشعل في العلم الفرنسي النار، وسط ضجيج من الهتافات والشعارات والتكبيرات.  قوى الأمن المصري موجودة بطبيعة الحال، لكنها عاجزة، أو غير راغبة في أن تفعل شيئاً، فلا أحد يستطيع أن يقف في وجه جمهور غاضب، وأقل تهمة تلصق بمَن يتجرأ على ذلك هي أنه من فلول النظام السابق، أو كافر يحب دولة الكفر فرنسا، التي تجرأت على القبض على منقّبة، ورجل الأمن في مصر الثورة، هو بالأصل مشبوه ومن رعايا النظام السابق، وهؤلاء كالجنود والضباط، أو بعض منهم، وكما رأينا في سيناء، فبعد عملية إيلات، قيل إن الجنود لم يحاولوا منع المهربين ولا المقاتلين ولا اللاجئين إلى إسرائيل، خشية من بطش البلطجية ورجال العصابات وانتقام القبائل والعشائر، ليس هناك دولة، حتى يقال إنه ليس هناك هيبة للدولة، يقوم رئيس حكومتها بنيل ثقة ميدان التحرير بعد تنصيبه، ليس لنيل ثقة الجمهور، بل لنيل رضاه، وهناك فرق بين الثقة المبنية على الإنجاز، والرضى المبني على شعبوية رخيصة. هذا هو الحال الذي يمكن تداعيه من خلال قراءة لأحداث السفارة الإسرائيلية في القاهرة، فغضبة الجمهور المصري على وجود السفارة، محقة تماماً، الشعب المصري رفض حتى في عهد مبارك، اتفاقية كامب ديفيد وما نجم عنها، وحري أن يتم التعبير عن ذلك علناً وفي وضح النهار، في عهد الثورة، لكن ذلك يجب أن يتم بطريقة حضارية سلمية، والدرس ليس ببعيد، بل من الثورة المصرية ذاتها، التي حققت نجاحها الكبير بسبب سلميتها، والتظاهرات السلمية هي التي من الممكن، إذا لم نقل من المؤكد، أن تجعل الرأي العام موحداً إزاء هذا الأمر، وكل أمر، إلا أن أعمال العنف واختراق أطراف لها مصلحة في عدم الاستقرار، لن يؤدي إلى لمزيد من الاحتقان والفوضى والفلتان. وفي هذا السياق، من الملاحظ أن غضبة الجمهور المصري جاءت إثر استشهاد عدد من ضباط وجنود مصريين في سيناء على يد الإسرائيليين، وليس رداً على استشهاد أعضاء العملية الثلاثية في إيلات، وليس رداً على ما حفرته إسرائيل من أنفاق تحت المسجد الأقصى المهدد بالتدمير والسقوط بفعل هذه الأنفاق، والمغزى هنا، ليس عربياً ولا إسلامياً، هو شأن قطري مصري تحديداً، وهنا إشارة إلى اختراق فصائل وتجمعات الأحزاب والقوى والتجمعات الإسلامية، لتظاهرات السفارة، ومنحها في بعض الأحيان، من خلال الشعارات والصرخات، بعداً دينياً، الهدف منه، تأكيد القوى التي تقود التظاهرات والعبث بالأمن المصري والدعوة إلى عدم الاستقرار، الذي يهدد – الاستقرار - شعبية هذه القوى التي التحقت بالثورة المصرية في "جمعتها" الأخيرة، والتي تحاول أن تثأر وتنتقم من قوى الأمن لأسباب تتعلق بماضيها أكثر مما تتعلق بمستقبل مصر! وبالعودة إلى "المقال الفرنسي"، فإن ما جرى إزاء سفارة إسرائيل في القاهرة، ستتخذه الدولة العبرية مثالاً لما يمكن أن يحدث لأية سفارة في العاصمة المصرية في حال نشوب نزاع أو خلاف، بين أية دولة والدولة المصرية، إذ لن يكون للقنوات الدبلوماسية أي دور في بحث هذا النزاع أو الخلاف، بل الدور سيكون لجمهور معبأ ويقاد من فئات المصالح وهي عديدة، قضية الحق تصبح قضية باطل عندما تتدخل أجندات عدم الاستقرار. وما جرى في "السفارة" يسحب نفسه على العديد مما يجري من أحداث في قاهرة المعز، فكل مجموعة متضررة، حقاً أو باطلاً، بإمكانها أن تقوم بإضراب يكتسي بالعنف في كثير من الأحيان، كافة النقابات، تريد أن تحقق إنجازاتها في غمضة عين، وتنتقم من عقود من الظلم، دفعة واحدة، "البلطجية" استثمروا غضبة الشارع المصري على أجهزة الأمن، وعاثوا ظلماً وفساداً وفجوراً.ورأيي الشخصي في هذا السياق، أن المسؤولية تقع أولاً وأخيراً على المجلس العسكري "الانتقالي"، فمن البداية اتخذ قراراً بعدم التدخل لوقف أية تجاوزات، وتردد كثيراً في أن تأخذ القوات المسلحة دورها في توفير الأمن في ظل انفلاش أجهزة الأمن المصرية، ونظراً لفهم خاطئ، وحتى لا يغضب الجمهور الغاضب فعلاً، تمادى في "حياديته"، التي أمّنت بيئة من عدم الاستقرار استفادت منها القوى المعادية للثورة، حتى تلك التي تحاول أن تتربع على قيادتها، والأهم من ذلك، أن المجلس العسكري اختار حكومة بالغة الضعف، رئيساً وأعضاء، قد يكونون أكثر إخلاصاً وأقل فساداً، لكنهم كمجموع، ليسوا رجال دولة، على الأقل هذا هو انطباعي حتى الآن. أكثر من ذلك، فالشعب ليس دائماً على حق، إلا من الناحية النظرية، وإلا، لكانت الدولة الديمقراطية تعود إلى الاستفتاء إزاء كل قرار، والشعب مجموعة من المصالح المتقاطعة والمتناقضة في كثير من الأحيان، كما أن الجري وراء الشارع، ليس إيماناً بهذا الشارع، بقدر ما هو شعبوية رخيصة، الجري وراء الشارع يجب أن يتم عبر التعبير عن مصالحه الأساسية وإنجاز ما يحقق أهدافه ويزيد في مكتسباته، هذا هو المعيار في تبني آراء وأهداف الرأي العام، وليس نيل بركته من خلال الشعارات. الدعوة إلى إلغاء اتفاقيات كامب ديفيد، صائبة وضرورية، إلا أن ذلك لا يتم وفقاً لاعتبارات الجمهور المعبر، بوعي أو من غير وعي، عن استهدافات أخرى، فعلى فرض أن القيادة المصرية قد ألغت "اليوم" هذه الاتفاقات، وفرضاً أن إسرائيل أعلنت الحرب، جراء ذلك، على جمهورية مصر العربية، في هذه الظروف، ما هي النتيجة المؤكدة لمثل هذه الحروب؟! عقود من السلام، سمحت لإسرائيل بمزيد من التسلح، وسمحت لمصر بالتخلي عن السلاح بمعاييره الحديثة. الجيش المصري، بشكل عام، لم يطأ أرض سيناء، وفقاً لهذه الاتفاقيات، منذ عقود، إسرائيل مستعدة للحرب دائماً، بينما مصر بحاجة إلى سنوات كي تستعيد قدرتها على إدارة صراع مسلح، ماذا لو استجابت القيادة المصرية لمثل هذه الدعوات المضللة، وقامت ومن جانب واحد، بإلغاء هذه الاتفاقيات.إن مصر بحاجة ماسة إلى مزيد من الاستقرار واسترداد القدرة على البناء والتنمية وإعداد المجتمع المصري لمواجهة كل الاحتمالات وهو أكثر قوة، فالشعارات وحدها لا تبني الأمم، ولا العواطف الجياشة تمنع الفشل والعودة إلى الوراء؟!. Hanihabib272@hotmail.com www.hanihabib.net