خبر : كما في ليبيا النظام من يتحمل الآن مسؤولية مصير سورية .. د. بشير موسى نافع

الخميس 25 أغسطس 2011 02:32 ص / بتوقيت القدس +2GMT
كما في ليبيا النظام من يتحمل الآن مسؤولية مصير سورية .. د. بشير موسى نافع



لم يعد ثمة شك في أن الشعب السوري قال كلمته. لأكثر من خمسة شهور، قالها السوريون في مظاهراتهم الحاشدة والصغيرة، في ميادين حماة ودير الزور وحمص، وفي التجمعات الطيارة في أحياء دمشق وحلب، قالوها بالصوت وقالوها بالدم: أنهم يريدون تغييراً جذرياً في بلادهم، يريدون حياة سياسية حرة، وطناً حراً، ووضع نهاية لسيطرة القلة الحاكمة. ولكن سورية ليست بلداً سهلاً، ولم تكن كذلك يوماً، وما حدث في تونس ومصر من انحياز المؤسسة العسكرية للشعب وثورته، ليس من المتوقع أن يحدث في سورية، أو ليس من المتوقع أن يحدث قريباً على الأقل، وما حدث في اليمن وليبيا، من انشقاق المؤسسة العسكرية على نفسها، أو من تدخل خارجي عسكري، ليس من المتوقع أن يحدث في سورية، أو أن السوريين بإجماعهم يرفضون وقوعه حتى الآن.المتيقن، أن سورية لن تعود مطلقاً إلى ما كانت عليه قبل أندلاع رياح الثورة في منتصف آذار/مارس الماضي. فإلى أين تمضي سورية، إن كان لنا أن نستشرف المستقبل القريب، والقريب جداً؟أن ينجح النظام في قمع الحركة الشعبية وتصفيتها، لم يعد أمراً محتملاً بأي حال من الأحوال. في الحقيقة، لم تكن الانتفاضة الشعبية في بدايتها بالحجم الذي وصلت إليه في الشهور الأخيرة؛ وربما يمكن تشبيه الانتفاضة السورية بشقيقتها التونسية، التي تطورت من حدث صغير ومحدود إلى ثورة شعبية شاملة، وليس بما حدث في مصر أو ليبيا، مثلاً. كما أن مطالب الحراك الشعبي السوري تطورت هي الأخرى من معاقبة مسؤولين قتلة ومفسدين، وصولاً إلى المطالبة بتغيير سياسي شامل للنظام.لم يكن الحراك الشعبي العربي الثوري هو وحده من دفع الحراك في سورية إلى المستوى والحجم والاتساع الذي وصل إليه، ولكن أيضاً مقاربة النظام للتحدي الشعبي والوسائل والسياسات التي تبناها للتعامل معه. بدلاً من النظر إلى الحركة الشعبية ومطالبها باعتبارها مسألة سياسية من الطراز الأول، تصرف النظام وكأنه يواجه مسألة حياة أو موت، وأن سورية لا يجب أن تكون جزءاً من مناخ التغيير السياسي العربي مهما كانت التكاليف.مقابلات الرئيس مع بعض الفعاليات الشعبية المنتقاة، والهامشية في أكثرها، خلال الأسابيع الأولى من انطلاق حركة الاحتجاج الشعبي، لم تكن سوى وسيلة لإضفاء واجهة إنسانية على المقاربة الأمنية الشاملة وبالغة القسوة والوحشية والاستهتار بحياة وكرامة وإنسانية السوريين.لعب النظام الدور الرئيسي في تصعيد الحراك الشعبي، وأخذ من ثم يحاول ويأمل ويسعى إلى تحطيمه واحتوائه. وكما أخطأ في مقاربته الأولية، أخطأ في المرحلة التالية التي غطت الأشهر من نيسان/ابريل إلى حزيران/يونيو. بتصعيد حملة القمع الأمنية إلى حملة أمنية ـ عسكرية، واستدعاء فرق الجيش الموالية ووحدات الحرس الجمهوري لاقتحام المدن واستباحة البلدات، دخل النظام في حرب سافرة ضد شعبه، ولم يعد من الممكن إقناع عموم السوريين بجدية الإجراءات الإصلاحية التي أعلنت. كيف كان من الممكن أن يرى السوريون أن إلغاء قانون الطوارىء كان جزءاً من توجه إصلاحي جاد، بينما آلة القتل والاعتقال والتدمير والحصار تعمل على قدم وساق في كافة أنحاء البلاد؟وكيف كان من الممكن إقناع السوريين بجدية العزم الإصلاحي أصلاً، بينما تتنكر وسائل النظام وناطقوه لشرعية الحراك الشعبي وشرعية مطالبه، وتكيل له كافة الاتهامات وتلقي عليه كافة النعوت؟ ولأن النظام كان من لعب الدور الرئيسي في تصعيد الاحتجاج الشعبي إلى ثورة شاملة، ولأن النظام لم يعد لديه من وسائل لإقناع السوريين بجديه توجهه الإصلاحي، ولأن الحركة الشعبية باتت تطال كل أنحاء البلاد، ولأن العالم لم يعد صامتاً إزاء حملة القمع الرسمية، فمن غير المتوقع أن يستطيع النظام تحقيق هدفه في وضع نهاية للثورة.يتعلق السيناريو الثاني بقدرة النظام على إدراك عمق الأزمة التي تواجهه، وقدرته على تطوير مقاربة إصلاحية شاملة وعميقة، لا تستجيب للمطالب الشعبية وحسب، بل وتنجح في ترسيب نوع من الصدمة الإيجابية لدى الأغلبية الشعبية، تؤدي بالتالي إلى تراجع الحركة الشعبية وتلاشيها التدريجي. مثل هذا السيناريو يتطلب أولاً، وقبل كل شيء، توقف حملة القمع العسكرية الأمنية، إعادة قوات الجيش إلى ثكناتها، وتبني إجراءات فعلية وملموسة للإصلاح العسكري والأمني، تواكبها إجراءات قضائية شفافة ضد كل من ساهم في سفك الدماء وممارسة التعذيب وارتكاب الإهانات. ولكن ذلك مجرد بداية.يجب أن تشمل حركة الإصلاح في بدايتها الإعلان عن تعديل دستوري جذري، لا يتناول المادة الثامنة المتعلقة بسيطرة حزب البعث على النظام والدولة وحسب، ولكن ربما حتى دستور جديد مؤقت، يؤسس لمرحلة انتقال ديمقراطي حقيقي وملموس، من تعددية سياسية غير مقيدة، انتخابات تشريعية حرة وتعددية، انتخابات رئاسية مماثلة، ثم اختيار جمعية تأسيسية لوضع دستور دائم جديد.كما لابد أن تشمل المرحلة الانتقالية عملاً فعالاً للفصل بين نظام الحكم، أي نظام حكم جديد، والدولة السورية، وما يتطلبه هذا من تغيير في بنية الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية وبنيتها القضائية، وطابعها الطائفي غير المعلن.بمثل هكذا توجه يمكن ربما، وليس من المتيقن، على أية حال، إغراق الثورة الشعبية بالأمل، واحتواء الحراك الشعبي بمصداقية الإصلاح. ولكن السؤال الكبير يتعلق بما إن كان النظام، عقلياً وسيكولوجياً، اجتماعياً وسياسياً، قادراً على اجتراح هذه النقلة الإصلاحية الكبيرة. هل يجرؤ النظام مثلاً على وضع حد لسياسية القمع الأمنية العسكرية والمغامرة بخروج الملايين من السوريين إلى الشوارع والساحات؟ بعض أجنحة النظام تقدر أن وقف حملة القمع ستؤدي بالضرورة إلى خلق انطباع بالهزيمة والانكسار، ومن ثم إسقاط النظام فعلاً بقوة حراك شعبي مليوني في العاصمة دمشق. ولكن هناك ما هو أسوأ من مثل هكذا نمط من التفكير، وهو ذلك المتعلق بطبيعة النظام، بالقوى والعلاقات والثقافة التي يستند إليها، والتي تجعله غير قادر أصلاً على تبني مشروع إصلاحي جدي وشامل، يمكن، بل ولابد، أن يؤدي في النهاية إلى تغيير تدريجي وعميق في بنية الحكم والدولة.ما تؤكده المؤشرات حتى الآن، سيما على صعيد الاتصالات الرسمية التي أجراها مسؤولون عرب وأتراك، أصدقاء سابقون للحكم السوري، أن النظام لم يعقد العزم بعد على نهج طريق الإصلاح، وأن أولويته الأولى، وربما سياسته الوحيدة، لم تزل تصفية الحراك الشعبي وقمعه بكافة الوسائل الممكنة. ما يؤكد هذا الاستنتاج أن مواقف الرئيس السوري المعلنة، خطاباته ومقابلاته وتوجيهاته، لم تستطع حتى الآن توليد قناعة بمصداقية توجهه الإصلاحي، ناهيك عن التوجه نحو حركة إصلاح جذري وواسع. احتمال الصدمة الإصلاحية لم يزل قائماً، ولكن إمكانية وقوعه تتضاءل بمرور الوقت، وربما تكون سورية الشعب قد تجاوزته فعلاً.السيناريو الثالث هو الأكثر تعقيداً وغموضاً، والأكثر ألماً بالتأكيد.إن لم يفلح النظام في الانتصار على شعبه، وإن لم يكن لديه الاستعداد لخوض مغامرة الإصلاح الجذري والسريع والملموس، فمعنى ذلك أنه يدفع البلاد إلى مغالبة ماراثونية، لا يمكن تقدير مداها، تفتح سورية على كافة الاحتمالات. أحد الاحتمالات أن تتعرض آلة النظام الأمنية والعسكرية للانهيار والتشظي السريع، وهو ما يعني سقوطا وشيكا للنظام. ولكن، إن لم يتحقق مثل هذا الاحتمال، فقد ينجم عن إطالة أمد الصراع بين القوى الشعبية ومؤسسة الحكم انفجار حالة من الحرب الأهلية، يطلقها تداخل من الاصطفاف الطائفي والسياسي والاجتماعي.وليس من المستبعد في مثل هذه الحالة أن يكون للصراع الأهلي في سورية صدى في الجوار العربي ـ الإسلامي المشرقي، من البصرة إلى بيروت، ومن الموصل إلى إنطاكية.والاحتمال الذي لا يقل خطورة أن يؤدي تفاقم الوضع السوري الداخلي إلى تدخل دولي، تجبر القوى الشعبية على المطالبة به، ويجد المجتمع الدولي نفسه في المقابل مجبراً على الاستجابة له، بفعل تصاعد معدلات العنف الداخلي.يكتب هذا المقال والثوار الليبيون يصلون إلى الساحة الخضراء وسط مدينة طرابلس العاصمة، بينما أخذ ما تبقى من نظام العقيد في الانهيار السريع. كما في سورية، ارتبط المسار الذي أخذته ليبيا، منذ اندلعت الثورة الليبية وتبلورت المطالب الشعبية، بخيارات النظام.وربما يجدر بقادة نظام الحكم في دمشق، مهما بلغت أوهام تماسك وولاء الآلة العسكرية والأمنية، إدراك حقيقة المزاج الشعبي العربي والحقبة التي يمر بها المجال العربي. كل التدافعات المندلعة بين الشعب والأنظمة الحاكمة ستنتهي على الأرجح بانتصار الشعب، بغض النظر عن تجليات الثورة في بلد ما والتعقيدات المحيطة بحركة هذه الثورة. وخيارات النظام والطبقة الحاكمة هي التي تحدد كيفية ونمط وملامح الانتقال من الاستبداد إلى الحرية. ’ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث