الجريمة والعقاب هذا هو العنوان الأكثر تعبيراً عن الأزمة المتفاقمة بين الرئيس محمود عباس وعضو المجلس التشريعي واللجنة المركزية لحركة فتح الجنرال محمد دحلان. فهذ الأخير، ورغم الجرائم العديدة التي ارتكبها بحق حركة فتح والشعب الفلسطيني إلا أنه يعاقب الآن، ويتمّ التنكيل به وإهانته على الجريمة الوحيدة التي لم يرتكبها؛ وتتمثل بسعيه للقيام بدوره السياسي والحزبي كنائب منتخب في المجلس التشريعي، وعضو منتخب في اللجنة المركزية لحركة فتح، وطرح رأيه الديموقراطي في أداء الرئيس محمود عباس، كما في المأزق السياسي الذي وصلت إليه السلطة والمشروع الوطني بشكل عام، مع الانتباه إلى أنه يتحمّل مسؤولية أساسية ومركزية عن هذا المأزق بصفته السياسية والشخصية .أعتقد أن الاستنتاجات السابقة كانت متاحة لمن تابع مجريات الأحداث في الساحة الفلسطينية منذ كارثة أوسلو حتى الآن، إلا أن البيان الرسمي الذي أصدرته اللجنة المركزية لفتح- والخاضعة بشكل شبه كلي للرئيس عباس- بخصوص أزمة دحلان والجرائم التي ارتكبها بحق فتح والشعب الفلسطيني، ورد الجنرال عليه عبر مقابلة "الحياة" أواخر تموز الماضي سهلا الأمر أكثر، وقدّما المعطيات اللازمة لرسم حقيقة الأزمة وخلفياتها وأهدافها .بيان اللجنة المركزية - للرئيس عباس- قدّم عرضاً بالجرائم التي ارتكبها دحلان، والتي تنوّعت ما بين سياسية وأمنية واقتصادية وأخلاقية، فالجنرال مستشار الأمن القومي الفلسطيني سابقاً- كان ثمة شيء كهذا- متورط في جرائم اغتيال بحق شخصيات وطنية فلسطينية كما في ابتزاز أخلاقي لوجهاء غزة وفعالياتها الاجتماعية، إضافة إلى الاحتكار ونهب المال العام واستغلاله في مشاريع خاصة خارج الوطن. هذا البيان يفترض أن يمثل إدانة للرئيس عباس وللجنة المركزية لفتح، كما للسطة والمنظومة السياسية بشكل عام، فلا يعقل أن يرتكب الجنرال كل هذه الجرائم دون تعاون أو تنسيق أو تواطؤ أو حتى صمت وغضّ طرف من الجهات السابقة. علماً أن أهل غزة وفلسطين يعرفون جيداً من كان شريكاً لدحلان في احتكارات توريد المواد الغذائية والوقود والسجائر إلى غزة في تسعينيات القرن الماضي، ومن صمت عن، أو حتى عاونه في تحويل المال العام إلى الخارج لتأسيس مشاريع اقتصادية خاصة معروفة العنوان والمكان. وحتى إذا افترضنا جدلاً أنه فعل كل ذلك وحده، فلماذا الصمت إلى الآن، ولماذا لم تتمّ المحاسبة من قبل؟ ولو تقبّلنا – جدلاً أيضاً- فكرة أن الوضع الفلسطيني لم يكن يسمح بذلك قبل العام 2007، فلماذا السكوت بعد ذلك؟ مع العلم أن مؤتمر فتح الأخير قدّم فرصة ذهبية للمحاسبة والمساءلة عن تلك الجرائم، كما عن هزيمة الانتخابات التشريعية، وما يوصف فتحاوياً بـ" خسارة غزة"، غير أن الجنرال تحديداً كان الرافعة التي استغلها الرئيس لتحييد ،وإحراج وإخراج وحتى شراء خصومه، والمقاول الذي أخذ على عاتقه إخراج المؤتمر المهزلة بالشكل الذي رأيناه وعشناه والذي توّج أبو مازن زعيماً أحادياً مطلق الصلاحيات لا منازع أو معارض له.الجنرال دحلان ردّ على بيان اللجنة المركزية، مشيراً إلى أنها خاضعة بالكامل للرئيس؛ كون ستة أو سبعة من أعضائها مساعدين له أو موظفين في مكتبه. هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون، فقد حمّل الجنرال الرئيس المسؤولية عمّا آلت إليه الأوضاع، ووصول المشروع الوطني والوضع الفلسطيني بشكل عام إلى المأزق؛ نظراً لافتقاده إلى المؤهلات والمواهب القيادية اللازمة، وأكثر من ذلك، فقد اتهمه بكراهية حركة فتح والعمل على إضعافها وتدميرها . يردّد الجنرال في مجالسه الخاصة أنه كان بمثابة الرافعة أو الجرافة الميدانية والجماهيرية التي أوصلت الرئيس إلى ما وصل إليه. والسؤال المنطقي هنا هو: لماذا أوصل الجنرال إلى سدة الرئاسة والسلطة شخص لا يمتلك المواهب والقدرات القيادية اللازمة، ولماذا قدّم له حركة فتح على طبق من ذهب عبر المؤتمر المهزلة، والذي داس فيه بقدم فظة على كل الأعراف واللوائح التنظيمية، وهو يعرف مسبقاً أنه يكرهها ويسعى إلى إضعافها وتدميرها؟الرئيس والجنرال محقان، وهما رسما معاً، دون أن يقصدا طبعاً، صورة عن الطبقة أو القيادة التي تحكّمت أو كانت متنفّذة في تحديد المصير الفلسطيني أقلّه في العقدين الماضيين ، و باتت الآن عارية وعلى حقيقتها الخاوية والعابثة. ومنطقي الاستنتاج أنها عاجزة وقاصرة عن قيادة الشعب الفلسطيني نحو الحرية، العودة ، السيادة والاستقلال. وأعتقد أن الجمهور الفتحاوي والفلسطيني مطالب باستخلاص العبر، ومحاسبة ومساءلة المسؤولين بشكل ديموقراطي وسلمي وتحت سقف القانون، واستغلال نسائم الربيع العربي لانتاج طبقة سياسية جديدة شابة حيوية خالية من الفساد وأكثر التصاقاً بالناس ومعرفة وإحساساً بآلامهم وآمالهم . مدير مركز شرق المتوسط للإعلام .