خبر : التحريض..د. سفيان ابو زايدة

الإثنين 14 مارس 2011 12:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
التحريض..د. سفيان ابو زايدة



تستثمر اسرائيل الى اقصى مدى الهجوم  على مستوطنة ايتمار في شمال الضفة الغربية و الذي ادي الى مقتل خمسة مستوطنين من بينهم طفل رضيع لا يتجاوز عمره الثلاثة شهور. هذه العملية تم ادانتها بشده من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية و في مقدمتها الرئيس عباس، و نظرا لبشاعتها لم يتبناها اي فصيل فلسطيني. حتى تنظيم حماس الذي في البداية لمحت اسرائيل الى علاقتها بها اعلنت انه ليس لها اي علاقة، و الاهم من ذلك قالوا انهم لا يؤيدون قتل الاطفال .على الرغم من ذلك، لم يتردد رئيس الوزراء الاسرائيلي و كل الناطقين الاسرائيليين من خلفه من اتهام السلطة الفلسطينية و تحميلها المسؤلية لانها ليس فقط لا تمنع التحريض بل تمارسه بنفسها. نتنياهو ساق بعض الامثله على ذلك، منها ان السلطة تمارس التحريض في المساجد و الكتب المدرسية. التحريض وفق نتنياهو يشمل ايضا تسمية ميدان بأسم دلال المغربي وأجراء دوري كرة قدم بأسم وفاء ادريس و كذلك توفير منح لعائلات الشهداء و الاسرى. الادعاء الاسرائيلي بان هناك تحريض ممنهج تمارسه السلطة و اذرعها المختلفة ليس جديد و ليس له علاقة بما حدث في مستوطنة ايتمار الذي حسب اعتقادي و رغم ما يسببه المستوطنين و الاحتلال من اذى، لا يوجد فلسطيني عاقل يمكن ان يبرر قتل طفل في حضن ابيه حتى و ان كان مستوطن جاثم على ارض فلسطينية. منذ ان تم التوقيع على اتفاقات اوسلو وهناك ادعاء اسرائيلي متواصل يتهم السلطة بالتحريض. العشرات من الاجتماعات بين الطرفين عقدت لمناقشة هذا الامر، وفي كل اجتماع بين اسرائيليين و فلسطينيين تم التطرق الى موضوع التحريض بهذا الشكل او ذاك. كثرة الزن الاسرائيلي ادى في العام 1998، في عهد حكومة نتنياهو الاولى وخلال محادثات واي ريفر  الى تشكيل لجنة " تحريض" فلسطينية اسرائيلية وبحضور امريكي لبحث ادعاءات كل طرف. وخلال محاداث انابلوس تم تشكيل لجنة بديلة سمية بلجنة ثقافة السلام التي عالجت بالدرجة الاساسية موضوع التحريض.هذا على الرغم من ان التحريض الاسرائيلي ضد الفلسطينيين وعلى كافة المستويات الرسمية وغيرها  أكثر بكثير ،الا ان الماكنة الاعلامية الاسرائيلية المنظمة و الممنهجة استطاعت ان تقنع العالم ان هناك تحريض فلسطيني يعتبر العائق الحقيقي في تحقيق السلام وليس استمرار الاحتلال. هناك موازنات كبيرة يتم تخصيصها ، وهناك دوائر مختصة ، وهناك مراكز ابحاث ودراسات تلتقط كل صغيرة وكبيرة يقولها او يكتبها اي فلسطيني. يتم ارشفتها و تحليها و استخدامها في الوقت المناسب. اشك ان هناك جهة فلسطينية محددة مهمتها فقط متابعة التحريض الاسرائيلي. على ما يبدوا ليس هناك موازات لمثل هكذا أمور.على اية حال، يتركز الهجوم الاسرائيلي على مناهج التعليم الفلسطينية التي حسب الادعاء  تتجاهل حق اسرائيل في الوجود و تتجاهل التاريخ اليهودي في فلسطين. احد الادعاءات التي استمعت لها بنفسي خلال إلقائي احد المحاضرات في الجامعات الاسرائيلية، ان احد اشكال التحريض الفلسطينية هو اننا عندما نرسم خارطة فلسطين لا يوجد اي ذكر لاسرائيل. كان ردي في حينه وهو الرد الذي اسمعته لهم في كل مره يتم التطرق الى هذا الامر ، بأنه طالما لا يعرف الفلسطيني اين هي حدود دولته، و طالما لم تحدد اسرائيل حدودها المعترف بها سنبقى نعلم ابنائنا عن فلسطين التاريخية التي هم يعتبرونها ارض اسرائيل التاريخية.على الرغم من ذلك هناك دراسات تم اجراءاها من قبل باحثين اسرائيليين تؤكد ان مناهج التعليم الاسرائيلية الحكومية كانت سببا في زرع الكراهية بين العرب و اليهود، بل كانت سببا في تأجيج الحروب في المنطقة.اهم هذه الدراسات هي الدراسة التي اجراها البرفسور الاسرائيلي أيلي بوديا الذي  أكد  خلالها أن جهاز التعليم الإسرائيلي اختار النهج القومي الذي يخضع الماضي لاحتياجات الراهن والمستقبل على حساب الحقيقة والموضوعية في كتابة التاريخ بهدف خلق ذاكرة جماعية متميزة، وأكد أن كتب التاريخ الإسرائيلية التي أخضعها للبحث انشغلت بتعميق القيم الصهيونية ورعاية الأساطير والتمجيد بأبطالها ضمن صهر المهاجرين في بوتقة وذاكرة جماعية واحدة. ولفت الباحث إلى أن تلك الكتب وصفت الصراع بطريقة تبسيطية أحادية الأبعاد ومشبعة بعدم الدقة إلى حد التشويه وشيطنة العرب وتجريدهم من إنسانيتهم، مما أدى إلى ترسيخ صورة نمطية لدى الإسرائيليين الذين ظهروا دائما بصورة الغربيين المتحضرين صانعي السلام مقابل صورة العرب «الخونة العدوانيين المتخلفين والمجرمين والخاطفين القذرين والمبادرين دوما نحو التدمير». إضافة إلى ذلك هناك تحريض بشكل يومي من قبل زعماء المستوطنين و رجال دين لهم مكانتهم وتأثيرهم في المجتمع الاسرائيلي مثل الحاخام عوفاديا يوسف الذي وصف العرب بالجرذان و دعى لقتل الرئيس عباس. و الاهم من ذلك هو ما يجري على الأرض من ممارسات هي اقوى و ابلغ و اكثر تاثيرا من أي كلام قد يقال أو يكتب هنا وهناك.على اية حال ، الرئيس عباس ، تحدى الاسرائيليين هذا الصباح من خلال الدعوة إلى تشكيل لجنة فلسطينية اسرائيلية و بمشاركة امريكية لبحث ادعاء كل طرف في كل ما يتعلق بموضوع التحريض بشكل عام و الكتب المدرسية بشكل خاص.حينها سيكتشف الإسرائيليين ، اذا ما كان هناك جهد فلسطيني ممنهج، ان حجم التحريض الاسرائيلي ضد الفلسطينيين هو اكثر بكثير مما تدعيه اسرائيل ضد الفلسطينيين.szaida212@yahoo.com