خبر : د. حيدر عبد الشافي والرؤية الثاقبة تجاه الاستيطان .. بقلم : محسن ابو رمضان

الأحد 03 أكتوبر 2010 03:17 م / بتوقيت القدس +2GMT
د. حيدر عبد الشافي والرؤية الثاقبة تجاه الاستيطان .. بقلم : محسن ابو رمضان



تمر هذه الأيام الذكرى السنوية الثالثة لوفاه القائد الوطني الكبير د. حيدر عبد الشافي ، الذي اقترنت مسيرته الشخصية والنضالية بمسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني، وكان نموذجاً بالعمل المتواصل من اجل تحقيق أهداف شعبنا ضمن عملية تربط بأحكام بين النضال الاجتماعي والوطني .ومن الضروري استلهام بعض العبر والدروس من مسيرة د. حيدر خاصة ان تزامن الذكرى السنوية لوفاته يأتي في إطار تكثيف الحديث عن الاستيطان بالأراضي المحتلة وخاصة بالضفة الغربية والقدس من قبل الاحتلال الإسرائيلي .لم يكن د. حيدر يرفض المفاوضات من زاوية المبدأ، فقد ترأس الوفد الفلسطيني في مؤتمر مدريد الذي مهد لمفاوضات واشنطن ، معتقداً أن ظروفاً جديدة قد طرأت مفادها رفض الإدارة الأمريكية في حينه احتلال الكويت من قبل العراق عام 1990 ، وإصرار الأولى على إنهاء الاحتلال الذي لم يستمر إلا لأشهر محدودة ، فقد ساد اعتقاد بالساحة الفلسطينية في حينه قائم على ضرورة استثمار الحدث للدفع باتجاه إقناع الرأي العام العالمي وخاصة الإدارة الأمريكية بضرورة العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة منذ عام 67 .إلا أن المرونة التي تحلى به د. حيدر آنذاك إبان ترأسه للوفد الفلسطيني في مفاوضات واشنطن ترابطت بصورة جدلية ومحكمة ووثيقة مع موقفه المبدأي أثناء المفاوضات ، فقد كان يؤكد للوفد الإسرائيلي عند بداية استئناف الجلسة التفاوضية بضرورة وقف الاستيطان لمخالفته لمرجعية المفاوضات والقائمة على قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي ، وعندما كان يرفض الوفد الإسرائيلي هذا المطلب الفلسطيني المحق د. حيدر كان يلملم أوراقه ويغادر القاعة بمرافقة أعضاء الوفد الفلسطيني ، هذا رغم المحاولات الإسرائيلية بإقناع الوفد الفلسطيني بضرورة إبداء المرونة العملية من ناحية تسلم بعض الملفات الإدارية والحياتية مثل التعليم والصحة والخدمات والزراعة ... إلخ ، إلا أن تلك المقترحات لم تنطل على الوفد الفلسطيني برئاسة د. حيدر في حينه ، مدركاً طبيعة الصراع وجوهره القائم على الأرض في إطار الإستراتيجية الاستعمارية للصهيونية والرامية إلي التهام أوسع مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية ضمن المشروع الاقلاعي والاحلالي والاستيطاني للحركة الصهيونية . لقد أدرك د. حيدر عدم رغبة إسرائيل بالسلام وبسعيهم لفرض تسوية تستند إلى فلسفة الحكم الإداري الذاتي تحت السيادة الإسرائيلية ليس إلا ، عندما صرح رئيس الوفد الإسرائيلي " الياكيم روبنشتاين " في ذلك الوقت أن إسرائيل تستوطن في أرضها ، فأجاب د. حيدر  متسلحاً بعدالة القضية الوطنية لشعبنا ، ولم نتفاوض إذن ؟  إذا كنتم تعتقدون ان الأراضي الفلسطينية المحتلة    لكم ؟؟ إن فهم د. حيدر لطبيعة الصراع خاصة بعد الإصرار الإسرائيلي على الاستمرار في بناء المستوطنات دفعته لرفض اتفاق أوسلو والذي اعتبر انه يشكل تجاوزاً لحقوق شعبنا ، حينما أهمل التركيز على الموضوع الاستيطاني كما اجل قضايا الحل النهائي وبهدف تجاوز الأهداف الوطنية لشعبنا وتقزيمها في إطار حكم إداري ذاتي محدود الصلاحيات .لقد تضاعف الاستيطان عشرات المرات منذ أوسلو إلى اليوم ،فقد ارتفع عدد المستوطنين في أراضي الضفة الغربية منذ توقيع اتفاق أوسلو من 150 ألف إلى 500 ألف مستوطن، حيث أثبتت الحياة مدى الرؤية الثاقبة التي كان يتمتع بها القائد الوطني الكبير د. حيدر عندما وضع يده على الحلقة المركزية بالصراع والمجسدة بالأرض وعبر تركيزه على ضرورة وقف الاستيطان على طريق تفكيكه وانهاؤه من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 .لم يكن موقف د. حيدر ومعه بعض القوى الوطنية والديمقراطية وبعض من المثقفين والنشطاء بحاجة إلى 19 عام ليدرك اصحاب المفاوضات  حياة صحة وصوابية هذه الرؤية، حيث لا قيمة للمفاوضات في ظل الاستيطان الذي يبتلع الأرض تدريجياً ويعمل على زج التجمعات السكانية في معازل وكنتونات من خلال بناء جدار الفصل العنصري وآليات التطهير العرقي وخاصة التي تتم بالقدس العربية .إن قراءة موضوعية لطبيعة الفكر الصهيوني وأطماعه في فلسطين وتجاه البلدان العربية تؤكد أن هذا الفكر يستند إلى الاستعلائية العنصرية وإلى نفي الآخر واحلال سكاناً جدد على انقاضه ، وبالتالي فإن اجبار حكومة اسرائيل على وقف الاستيطان يعنى انكفاء للمشروع الصهيوني على ذاته وتراجع دينامية الكولونيالية ، ولكن المفاوض الفلسطيني اختار مسار مختلف معتقداً أنه يستطيع ان يحقق انجازاً تفاوضياً عبر الرهان عل الخيار الأمريكي مرة وعبر التعلق في بعض بيانات دبلوماسية اعلامية صادرة عن اللجنة الرباعية مرة اخرى .احسن شعبنا بمعظم فاعلياته وقواه السياسية والاجتماعية صناعاً برفض المفاوضات المباشرة في ظل غياب المرجعية القانونية  والدولية وفي ظل استمرار الاستيطان حيث استطاع مؤخراً اقناع القيادة الفلسطينية بضرورة تبنى هذا الموقف ، وأحسن صنعاً معلمنا وقائدنا الذي نستلهم منه الدروس والعبر د. حيدر عبد الشافي الذي اكد منذ اكثر من 19 عاماً أن لا جدوى للمفاوضات مع استمرار الاستيطان وقد اصبح موقفه يشكل اجماعاً وطنياً وشعبياً واضحاً ، وقد كان حقاً يملك رؤية ثاقبة وذات بصيرة.