خبر : عودة إلى القرار 1650 .. معتصم حمادة

السبت 24 أبريل 2010 08:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
عودة إلى القرار 1650 .. معتصم حمادة



التداعيات اليومية لمفاعيل القرار الإسرائيلي 1650، القاضي بتنظيم تهجير جماعي لحوالي 70 ألف فلسطيني في الضفة والقدس، تدعي إسرائيل أنهم «مقيمون غير شرعيين»... تقودنا إلى سلسلة من الملاحظات والتأملات والخلاصات السياسية، وإلى التوقف أمام ممارسات فلسطينية، جاء القرار المذكور ليثبت سذاجتها، وليثبت في السياق نفسه، هشاشتها السياسية وعقمها في إنتاج بديل للبرنامج الوطني الفلسطيني. فالذين يعولون على وثيقة «جنيف ـ البحر الميت» أساساً لبناء سلام عادل «بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، مدعوون إلى مراجعة هذه «الوثيقة»، وخاصة ما جاء فيها عن المعابر الحدودية لـ«الدولة» الفلسطينية التي تدعو لها هذه الوثيقة.«الوثيقة» تقدم نفسها باعتبارها «بروفة» للحل الدائم بين الجانبين، وتقرر أن تخضع المعابر الفلسطينية (البرية والجوية وغيرها) لرقابة أجنبية، إلى جانب الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وثمة قراءات استندت إلى وثيقة «جنيف ـ البحر الميت»، دعت إلى تطبيق هذا البند من الورقة، دون إحراج للجانب الفلسطيني. فاقترحت أن يكون الحضور الأجنبي على المعابر الفلسطينية مقتصرا على قوات مشتركة من الناتو، وأن لا يكون إسرائيلياً أو أمريكياً فالوجود الإسرائيلي سيعطي لخصوم الطرف الفلسطيني الذريعة للقول بأن الاحتلال مازال قائماً. كما أن الوجود الأميركي قد يورط واشنطن في مستنقع سياسي وأمني جديد، إلى جانب مستنقعاتها الأخرى في الشرق الأوسط. الوجود الأطلسي يقتصر على قوات أوروبية، تبقى تحت السيطرة الأميركية بفعل موقع واشنطن في قيادة الأطلسي. وحيث يتواجد الأميركيون يتواجد الإسرائيليون، خاصة وأن الأمر يتعلق بما يسمى «أمن إسرائيل» الذي لا تتوقف واشنطن عن تأكيد ضمانها له، وضمان تفوق إسرائيل على العرب مجتمعين (يضاف لهم إيران على ضوء التطورات الأخيرة). الهدف من الوجود الأطلسي على المعابر الفلسطينية هو التأكد من التزام الجانب الفلسطيني بمنع «تدفق فلسطينيي الشتات» إلى داخل « مناطق الدولة». و«الوثيقة» تحدد للجانب الفلسطيني (الذي سيصبح دولة!) أعداد فلسطينيي الشتات الذين يمكن استيعابهم سنوياً، وكل من يتجاوز هذا العدد يعتبر متسللاً أو مقيماً غير شرعي، يفترض إلقاء القبض عليه وإبعاده من حيث أتى. أي أن هذه «الدولة» لن تكون دولة لكل الفلسطينيين، وأن حدود قبولها الفلسطينيين مواطنين لديها، مرسوم من قبل الجانب الإسرائيلي من زاويتين. الأولى حتى لا تقبل حالات ذات تاريخ يشكل خطراً على الأمن الإسرائيلي. (حالات مارست «الإرهاب»!) الثانية حتى تستقبل «الدولة» وفق قدرتها على الاستيعاب وتوفير السكن وفرص العمل ومقاعد المدرسة، وأسرة المستشفى للقادمين الجدد. وترى «الوثيقة» أن تجاوز قدرة «الدولة» على الاستيعاب من شأنه أن يحول مناطق «الدولة» إلى بؤر توتر اقتصادي واجتماعي وأمني، ستكون له تداعياته السلبية على أمن إسرائيل،خاصة إذا ما استغلت «الجماعات الإرهابية» الفلسطينية هذه التوترات ودفعت بها لتنفجر ضد إسرائيل وفي داخلها.  ***   يرتبط بما جاء في وثيقة «جنيف ـ البحر الميت» حديث رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض عن تحضير البنية التحتية لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، كحل لقضيتهم في إطار التنازل المكشوف والمعلن عن حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.نحن لا نمانع من حيث المبدأ أن ينتقل لاجئ فلسطيني من الشتات للسكن في مناطق الدولة الفلسطينية بعد قيامها، وأن يحمل جنسيتها، شرط ألا يأتي هذا في سياق تنازل المفاوض الفلسطيني عن حق العودة، وأن يأتي هذا الانتقال شكلاً من أشكال تغيير مكان السكن ليس إلا، تماما، في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة. دون أن يعني هذا قبوله بالتوطين حلا لقضيته الوطنية، ودون أن يعني أن هذا الانتقال للسكن أو حمله للجنسية الجديدة قد أسقط عنه صفته القانونية (والسياسية) كلاجئ فلسطيني، أو أسقط حقه في العودة إلى دياره وممتلكاته في مناطق 48، أو أنه تخلى عن هذا الحق، أو أنه فوض آخرين للتخلي عن هذا الحق، كما أن هناك دولا تستقبل لاجئين فلسطينيين. لكن الفارق بين دول المهجر، التي تستقبل هؤلاء اللاجئين وتمنحهم جنسيتها، وبين «الدولة» التي يتحدث فياض، تحت إشراف الرباعية وخطة خارطة الطريق، عن بنيتها التحتية، أن الدول الأوروبية هي دول ذات سيادة على أراضيها، وعلى معابرها، وأنها ذات صلاحيات كاملة في قبول من تشاء، ومنح من تشاء جنسيتها، دون أن يرسم لها طرف آخر حدود هذه الصلاحيات، ودون أن يلزمها اتفاق ما بعدد بعينه لاستقباله على أرضها لا يحق لها أن تتجاوزه. فالقضية ليست قضية بنية تحتية (على أهميتها) بل هي قضية «سيادة». ويدرك الجميع أن السيادة في ظل المطروح في هآرتس مسألة غائبة، خاصة أن سقف هذا المشروع، كما هو معترف به، هو خطة خارطة الطريق التي نزعت عن الدولة سيادتها، وألغت القدس عاصمة لها، وأسقطت حق اللاجئين في العودة إلى مناطق 48.***وفي تقليب لأوراق التاريخ، يمكن لنا أن نتوقف أمام وقائع غيتو وارسو والسياسات النازية التي اتبعت ضده بما في ذلك اقتحامه في 19/4/1943 لإخراج اليهود منه, ونقلهم إلى أماكن أخرى, بعدما اعتبرتهم قوات النازي مقيمين غير شرعيين.تروي أوراق التاريخ وقائع تشبه إلى حد ما وقائع الأرض الفلسطينية المحتلة فالفلسطينيون يتعرضون على يد سلطات الاحتلال لسياسات التمييز العنصري, تماماً كما تعرض يهود بولندا لسياسة التمييز العنصري على يد النازي الألماني بما في  ذلك إلزامهم حمل إشارات معينة تعلن أنهم يهود. وتروي هذه الأوراق أن النازي وهو يقتحم الغيتو في اليوم المذكور، تعرض لمقاومة مسلحة دامت حوالي 3 أسابيع, استطاع بعدها أن يكسر شوكة هذه المقاومة وأن يضرم النار في أملاك اليهود.وقائع الحاضر تؤكد أن القرار 1650يعطي سلطات الاحتلال الإسرائيلي «صلاحيات» للقيام بما قام به النازي في بولندا. وإذا كان التاريخ قد أدان النازي وأحاله إلى محكمة دولية لارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية فمن واجب الحاضر, وحقه, أيضاً, أن يحيل النازي الجديد, في الضفة إلى محكمة الجزاء الدولية لارتكاب الجرائم ذاتها.وإذا كانت أوراق التاريخ قد أعطت الحق ليهود غيتو وارسو أن يحملوا السلاح ليدافعوا عن أنفسهم وعن أملاكهم، فإن الحاضر يعطي الفلسطينيين في الضفة الحق ليحملوا السلاح، هم أيضاً، ليدافعوا عن أنفسهم ضد سياسات هي بمثابة جرائم حرب. مع فارق أن الفلسطيني وهو يدافع عن أرضه فإنه يدافع عن مكان يعتبره وطنه النهائي, بينما كان اليهودي في وارسو يدافع عن أملاكه وعينه على فلسطين ليغزوها باعتبارها أرض الميعاد حسب الخرافات الصهيونية.الجندي الإسرائيلي, في القرار 1650, ارتدى بذة النازي وخوذته وتقمص عقليته العنصرية التي لا ترى غضاضة في اجتياح كل ما هو إنساني .أما الفلسطيني, فلا يحتاج لا لتجربة غيتو وارسو أو غيرها من الغيتوات, ليؤكد حقه في الدفاع عن نفسه, وعن أرضه, وعن حقه في الإقامة فوق ثراها, وتحت سمائها, وأن من ينوي اقتلاعه منها هو دخيل, جاء مغتصباً وعليه أن يغادرها طريداً... فالسيادة على أرض فلسطين هي للفلسطينيين, أولاً, وأخيراً.