خبر : الثامن من آذار ونساء توحدهن الآلام ..بقلم : هداية شمعون

الأربعاء 10 مارس 2010 11:35 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الثامن من آذار ونساء توحدهن الآلام ..بقلم : هداية شمعون



الميراث دائرة العنف الأكثر قسوة إحداهن المتسبب في حرمانها من حقها في الميراث أخاها المستشار القانوني، وأخرى إمام أحد المساجد، وأخرى أخاها مدير مؤسسة أهلية، وأخرى أخاها الحاصل على شهادة الدكتوراة، وأخرى وأخرى، إن أغلب المتسببين بحرمان النساء من الميراث هم الأخوة يليهم في المرتبة الآباء، إن حرمان المرأة من الميراث هو أمر لا يتعلق بالمستوى الاجتماعي أو التعليمي أو الثقافي أو حتى درجة التدين فالأمر متعلق بثروة يجب أن يحوزها القوي وتحرم منه الفئات الضعيفة، فالموروث الثقافي والاجتماعي يسيطر فيه الرجال كمركز قوة على ثروات عائلاتهم ولا يقبلون بمقاسمة الإناث خاصة المتزوجات منهن، ويزداد الأمر صعوبة حين يكون الميراث أراض وأملاك عينية، إن عشرات القصص التي ترويها نساء حرمن من ميراثهن كفيلة بدق ناقوس العنف المتلاحم على أنفاس النساء، فالقبول الاجتماعي لحرمانهن من الميراث يساهم بشكل رئيسي في تكريس وإعادة إنتاج ثقافة العنف المتعمدة تجاه النساء، والتغاضي بعمد عن حقهن الإنساني والشرعي في ميراث عائلاتهن، إن السيطرة والرغبة في الاستحواذ على ثروات العائلة هي أمر بات تقليدا ذكوريا فالقلة من يعطون النساء حقهن الذي شرعه الله، فتجد أن محاولة الحفاظ على هذه الثروات قد يدفع بزيادة دائرة العنف لأعلى مستوى، وحالات القتل التي شهدناها عادت لبعض الحالات لموضوع الميراث ومحاولة السيطرة عليه، بل وقتل النساء في سبيل الحصول على هذا الميراث وقتل سمعتها وسيرتها باتهامات باطلة لا أساس لها من الصحة، وهنالك مستوى العنف الجسدي، وأقساها العنف النفسي ونبذها من العائلة والتخلي عنها وهو الأمر الذي يقهر الكثير من النساء ويجبرهن على العودة لظل الرجال في عائلاتهن ليكونوا مصدر حماية لهن رغم أنهم هم المتسببين في هذا العنف تجاههن، ويبدو أن الذكور يفهمون جيدا طبيعة المجتمع وعلاقات القوة فيه، ويدركون أن النساء هن الحلقة الأضعف في المجتمع وتركهن دون حماية هو أمر لا تطيقه النساء لذلك وجدنا في دراسة بحثية حول حرمان النساء من الميراث أن السبب الرئيسي في عدم مطالبة النساء لميراثهن هو خوفهن من التسبب بمشاكل عائلية وقطيعة لا قبل لهن بها."بثينة" أجبرها شقيقها الطبيب على التوقيع على ورقة تنازل عن حقها في ميراث والدها لكي يسمح لها بالزواج، وحين رفضت التوقيع حرمها من الزواج، ويمارس عليها ضغوطا لإجبارها على التنازل عن ميراثها ولازالت بعد مرور ثمانية أعوام على موت الوالد لم تتزوج ولم تأخذ حقها في ميراثها." نهلة" سيدة متزوجة ووضعها الاقتصادي غاية في السوء أجبرها إخوتها على التوقيع -على مبايعة للتنازل عن حقها- في الأراضي والميراث الخاص بوالدهم، زوجها يعنفها ويحرق ملابسها ويطردها من البيت ليجبرها هو الآخر على المطالبة بحقها من إخوتها، فوجدت نفسها بين طمع كلا الطرفين وهي الضحية، فلا هي تملك القوة لتطالب بحقها لأن الإخوة أيضا هددوها بالقطيعة إن هي طالبت بحقها بل واجبروها على التنازل بورق رسمي، ولا هي قادرة على التعايش مع زوجها الذي لازال متطلعا لميراثها.أما أم محمد فلازالت قصتها ومعاناتها تنطق بظلم العم وأبناء العم الذين بدلا أن يكونوا دعما وسندا وحماية كانوا سبب معاناتها وأخواتها فقد ترك لهن الأب وهن 6 أخوات، أرض وبيت من جهده الخاص وجهدهن حيث أنهن تركن التعليم ليساعدنه وعملن كلهن ليبقى لهن بيت يضمهن، وما أن توفى الأب حتى طمع العم وأبناؤه بالأرض والبيت وقاموا بضربهن بالسكاكين وحاولوا منعهن من الشكوى للشرطة إلا أنهن تمكن من تسجيل واقعة الاعتداء، غير أن المعاناة لازالت مستمرة في ظل تعنت العم وأبناؤه وتعديه بين الوقت والآخر عليهن لإجبارهن على التنازل عن الأرض التي لا حق لهم فيها.!! فأي ظلم هذا الذي ينطق بافتراء صاحبه..منذ 45 سنة وهي لازالت تطالب بحقها وحق أمها من أخوالها ما يزيد على 100 دونم - ورثة العائلة- لم تنل أم أحمد شيء منها وماتت الأم وهي مقهورة للظلم الذي لحق بها، ولازالت الابنة الكبيرة تطالب، وترسل جاهات وتحاول أن تحصل على شيء من ميراثها إلا أن الأخوال وأبناءهم قاطعوها وحرموها وأخواتها الثلاث من أي شيء، وهي الآن جليسة باب البيت ترفع يديها للسماء، ولا تطلب إلا الستر لأبنائها الفقراء ولسانها لا يكف عن الدعاء عليهم وعدم مسامحتهم.أما سميرة التي اضطرت لرفع قضية على إخوتها للمطالبة بحقها- 2دونم ونصف - بعد أن أجبرها الحال المادي واستشهد ابنها في الحرب وإصابة الآخر وحاجته لعملية جراحية، ورغم أنها لم تكف عن محاولات التصالح والجهود السلمية من مخاتير وشرطة ومحامين إلا أن إخوانها لم يرف لهم جفن بل قاطعوها ولم يعطوها حقها، هي لازالت ممزقة بين تجبر الإخوة وتخاذل الأقارب والصمت المجتمعي وإجراءات القانون التي تحتاج لسنوات أخرى على ما يبدو لتأخذ حقها وتعيش يوما هانئا.!.كثيرة هي قصص النساء وموجعة حد الموت وأبشعها هبة التي تعرضت للخطف على يد إخوتها من أبيها بل وتهجم في المرة الثالثة أحدهم عليها وضربها بساطور على رأسها في بيت أمها وأشاع بين الناس أنها قضية شرف وهو يغسل العار..!! لكن الله كتب لها الحياة ووقف معها أهل الخير ولازالت على قيد الحياة لتشهد على الظلم والقسوة لسلب النساء  حقوقهن في الميراث، وشاهدا على طمع وجشع أهل القربى وبحثهم عن الثروة على جثت النساء وكرامتهن وعلى كل الروابط المجتمعية، وكأن المرأة هي وحدها المطالبة بالحفاظ على هذه الروابط بينما هم المعصومون من الخطألقد رصد مركز شؤون المرأة 100 حالة لنساء حرمن من ميراثهن، في محافظات قطاع غزة ولازالت معاناتهن على اشتعالها، يأتي آذار ويذهب، ويأتي آذار آخر... والثقافة الذكورية والتمييز بين الإناث والذكور يعيد إنتاج نفسه ولاتزال النساء يتعرضن للعديد من أشكال العنف والاضطهاد فقد تبين من خلال دراسة حديثة لبرنامج الأبحاث والمعلومات في مركز شؤون المرأة – غزة  أن 23.8% من إجمالي المشاركات في الدراسة حرمن من ميراثهن، في حين أشارت 76.2% من النساء أنها لم تتعرض للحرمان من الميراث. وفي ذات الدراسة تم التوجه لعينة ممثلة 370 امرأة أكدت 42% منهن على أن الخوف من خسارة العلاقة مع الأهل كانت السبب الرئيسي الذي منعهن من التوجه لأي مساندة للحصول على حقها في الميراث، و26% منهن اعتبرن أن المطالبة بالميراث يدخلهن في دائرة العيب والخجل مما سيقوله عنها النساء بالمفهوم " راح رفعت قضية ع أهلها بالمحاكم"  وأكدت عينة الدراسة على آثار الحرمان من الميراث حيث جاء الشعور بالقهر والظلم والاضطهاد في المرتبة الأولى بنسبة 62.2%، والعداوة والبغضاء بين الإخوة والعائلة بنسبة 49.5%، وتزعزع العلاقات الأسرية وتفككها 44.3%، يترك موضوع الميراث تأثيرا على المرأة نفسيا وجسديا بنسبة 31.6%، كما كانت درجة الخوف لحديث النساء عن معاناتهن عالية بنسبة 44%، و 14.3% منهن درجة الخوف لديهن متوسطة.إن كشف المسكوت عنه هو أمر ملح لكافة المساندين/ات لقضايا المرأة ولعل آذار القادم يمنح النساء شيئا من حقوقهن، فرغم أن الصورة سوداوية إلا أن العمل الجاد والتشبيك الحقيقي بين المؤسسات النسوية والحقوقية والمؤمنة بحقوق المرأة كفيل بخلق حالة من الحراك المجتمعي، فلا يجب القبول بالصمت المجتمعي وتعزيزه بصمتنا نحن النساء أيضا سواء كن متضررات ومحرومات أو كن قيادات وناشطات، فما ضاع حق وراءه مطالب.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(*) كاتبة وإعلامية- منسقة برنامج الأبحاث والمعلومات في مركز شؤون المرأة