تركت رنا نوّاس وظيفتها المرموقة في عالم الأعمال قبل عامين تقريبا، من أجل التفرغ لانتاج المدونات الصوتية عبر الانترنت في دبي، لتصبح أكثر مقدمات البودكاست شعبية في الشرق الاوسط.
ويسلط بودكاست (عندما تفوز النساء)، الضوء على قصص نجاح سيدات من مختلف أنحاء العالم والمنطقة العربية. وتقول شركة "آبل" أنه الأول في المنطقة من حيث عدد المستمعين.
وبدأت ملفّات البثّ الرقمي الصوتي (بودكاست) تلقى رواجا في الإمارات والمنطقة العربية.
وتسمح تقنية البودكاست التي ازدهرت بدفع من رواج الهواتف الذكية، للمستمعين بالوصول إلى المحتوى الإذاعي عبر تحميلها على أجهزتهم.
وتقول نوّاس وهي بريطانية من أصول لبنانية وفلسطينية (40 عاما) لوكالة فرانس برس: "فوجئت كيف تقبّلت المنطقة البودكاست. من الواضح أن هناك تعطشا لهذا المحتوى، وتلهّفا لوجود قدوات نسائية".
وينتشر جمهور بودكاست "عندما تفوز النساء" في 144 دولة، وتتركّز غالبية المستمعين في السعودية، بحسب نوّاس التي كانت تتولى في السابق منصب نائب رئيس في إحدى الشركات.
وستبدأ مجموعة "طيران الإمارات" العملاقة في شهر أيار الحالي ببث البودكاست على كل الرحلات.
وتقول نوّاس عن شعبية مدوّنتها وخصوصا في السعودية: "هذا أمر أذهلني وفاجأني، لأن الجميع يقولون إن (السعوديين) يتابعون فقط الفيديوهات باللغة العربية (على الانترنت).
سعدت بأن غالبية عملية التحميل (على الهاتف) هي في السعودية"، مع أن البرنامج باللغة الإنكليزية.
ويمول إنتاج هذا البودكاست ذاتيا بشكل كامل حتى الآن، إلا أن السيدة الأنيقة ذات الشعر القصير تؤكّد "آمل أنه في غضون عامين، عندما يكون لدي التأثير الذي أرغب به، أكون مستعدة لجلب المستثمرين أو المعلنين أو الداعمين".
وهي تتلقّى رسائل من كل أنحاء العالم حول ما تبثه يوميا عبر وسائل التواصل الاجتماعي "لينكد إن" و"إنستغرام".
وترى نواس أن البودكاست سينتشر أكثر في المنطقة والعالم لأن "الناس لن يصبحوا أقل انشغالا، بل سنصبح أكثر انشغالا. نريد طرقا لمتابعة المحتوى كنشاط مواز. والبودكاست طريقة رائعة لتنمية ذاتك عند القيام بأمور اخرى" مثل التنقّل أو الطبخ أو غيره.
وحقّق بودكاست "دكان شو" الذي يقدّمه الشاب السوداني عمر توم (30 عاما) مع اثنين مع أصدقائه، شعبية بالغة أيضا في الإمارات والسعودية والمنطقة، وكذلك في مناطق أخرى من العالم.
وقد باشر هذا البودكاست في 2016، وهو أيضا يبث باللغة الإنكليزية من دبي.
وتستند فكرة البودكاست إلى جلوس ثلاثة أصدقاء مع ضيف لتجاذب أطراف الحديث من فكرة "الدكان" أو المحل التجاري المنتشرة في العالم العربي وعدة مناطق اخرى.
ويتم تسجيل البودكاست في استديو تابع لشركة "دكان ميديا" التي قام بتأسيسها مع أصدقائه للانتاج في دبي.
ويقول توم الذي نشأ في دبي أن البودكاست ناجح لأنه "يتحدث عن هوية لم يتم تناولها لفترة طويلة للغاية. وهي عبارة عن أبناء الثقافة الثالثة أو الشتات".
و"الثقافة الثالثة" مصطلح يطلق على الذين نشأوا في ثقافة مختلفة عن ثقافة الأبوين.
وتابع توم "عندما بدأت، أردت أن أحارب عددا من الصور النمطية، أحدها عن السودانيين، وهي نقص التمثيل في الإعلام".
وأضاف الشاب الذي كان يرتدي قميصا كتب عليه بالعربية "صنع في السودان" أن السودانيين لا يتم تصويرهم "بشكل جيد في وسائل الإعلام العالمية والغربية. (...) كيف نعالج ذلك؟ الطريقة الوحيدة لمعالجة ذلك هي التحدث بلغة يفهمها الجميع والتي هي الإنكليزية".
وهناك عدد متزايد من الشبان العرب الذين يفضّلون الاستماع إلى ملفات البث الصوتي عبر الانترنت بدل الإذاعات التقليدية.
ويؤكد رامي باعصيري (26 عاما) الذي يعمل في مجال الشركات الناشئة و يستمع دوما إلى ملفات البث الصوتي "هناك الكثير من أوقات الفراغ في يومي. في المواصلات إلى العمل أو أثناء القيادة أو في النادي الرياضي أو في مراكز التسوق أو حتى في المطار. وأحب استغلال هذا الوقت".
وتابع "أعتبر أن البودكاست إذاعة عند الطلب. في الراديو الأمر يعتمد على الحظ وهو عشوائي للغاية. والبودكاست يسمح لي بالتحكم بالراديو عبر اختيار ما أرغب بالاستماع إليه".
من جهتها، تعتبر ريم حميد (36 عاما) التي تشارك في تقديم "دكان شو"، إن "البودكاست هنا ليبقي في العالم العربي".
ترى حميد وهي كندية من أصول عراقية وفيلبينية "لدينا في العالم العربي تقليد مذهل في سماع الإذاعة إذا فكّرنا بعمق الراديو وتاريخه في العالم العربي، فإن البودكاست هو امتداد رقمي طبيعي لذلك".
ويبدو أنّ مستقبل البودكاست زاهر في العالم العربي، مع ظهور منصّات في السعودية وسلطنة عمان والكويت والأردن ولبنان.
وفي الأردن، تقوم منصة "صوت" التي انطلقت مطلع العام 2017، بإنتاج وتقديم برامج صوتية حسب الطلب، منها الاجتماعية والسياسية والموسيقية وغيرها.
وحصل بودكاست "كيرنينغ كالتشرز" المتخصّص في إنتاج مدونات صوتية من ثقافات ودول مختلفة في العالم العربي، على تمويل أولي الشهر الماضي، ليصبح أول منصة تحصل على تمويل في المنطقة.
وقالت الرئيسة التنفيذية والشريكة المؤسسة للبودكاست هبة فيشر عبر البريد الإلكتروني لوكالة فرانس برس أن "التمويل الأولي مؤشر قوي لصناعة البودكاست في الشرق الأوسط".
ورأت ان هذا الأمر يعني ان المدونات الصوتية "تؤحذ بجدية وأن قيمتها لدى المستمعين والمستخدمين واضحة. البودكاست هو مستقبل الإعلام".