وماذا بعد..؟ طلال عوكل

الخميس 02 مايو 2019 11:38 ص / بتوقيت القدس +2GMT
وماذا بعد..؟ طلال عوكل



يدرك الفلسطينيون، كل الفلسطينيين، أن الإجرام الإسرائيلي، ومخططات الاحتلال لا تميز بين تجمع فلسطيني وآخر، او بين فصيل وآخر، ذلك ان المخططات الاحتلالية تستهدف كل الأرض، وكل الحقوق، وكل الشعب الفلسطيني بمختلف فئاته وانتماءاته. حتى العملاء الذين تجندهم إسرائيل، ضد أهليهم، فإنها تتعامل معهم، كأدوات مؤقتة، ينتهي وجودهم، وحياتهم بمجرد ان تنتهي وظيفتهم، فالفلسطيني الجيد بالنسبة للإسرائيليين هو الفلسطيني الميت.
المشهد السياسي الفلسطيني، اذ يؤكد هذه الحقائق، التي تكرسها التجربة العملية مع الاحتلال، وخلال سنوات وعقود طويلة من الصراع، لا تكفي على ما يبدو لتغيير الحسابات الفصائلية المنقسمة. إن تجاهل أهمية وأولوية الوحدة الوطنية، هو خدمة مجانية للاحتلال وسياساته ومخططاته التصفوية، سواء كان ذلك بحسن نية او بسوء نية.
في غزة، ذهبت التفاهمات التي توسط لإبرامها الوفد الأمني المصري، مدعوماً بجهد من الأمم المتحدة، وبدور غير مباشر لقطر، اذ لم يبق من تلك التفاهمات سوى تحسن جدول الكهرباء، وليس الى الحد الذي يعالج هذه الأزمة على نحو شامل ومستقر.
كان غريباً، ان تشمل تلك التفاهمات طيفاً واسعاً من القضايا والإجراءات، التي أصر الطرف الفلسطيني على تحقيقها، وحصل على موافقة من قبل نتنياهو، وبدا حينها ان الطرف الفلسطيني قد استطاع ان يفرض على رئيس حكومة الاحتلال ما أراده، فيما بدا الإسرائيلي وكأنه مضطر للاستجابة من موقع الضعف. غير ان حجم الموافقات الإسرائيلية، التي تضمنتها التفاهمات، كانت تلقي بعلامة استفهام كبيرة، حول مدى ثبات الموقف الإسرائيلي عليها، التزامه بتنفيذها. خدعة أخرى، من جيب الحاوي الإسرائيلي، تنطلي على الطرف الفلسطيني الذي صدق ان إسرائيل مستعدة للالتزام بتلك التفاهمات، وكأن الفلسطينيين لم يتعلموا دروس التاريخ البعيد والقريب. إسرائيل ليست معروفة على انها دولة معاهدات، والتزام، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالصراع الصهيوني الفلسطيني والعربي.
نتنياهو كان مضطراً قبل الانتخابات، لأن يتوصل الى تهدئة مع قطاع غزة، حتى لا يؤدي التصعيد، الى التأثير في حظوظه الانتخابية، حين كان يخوض صراعاً مريراً، مع بيني غانتس، وكانت استطلاعات الرأي تعطي الأفضلية لغانتس وكتلته الانتخابية.
ماطل نتنياهو، في التنفيذ، فألقى ببعض الإشارات التي تبدو إيجابية وترك الباقي للأيام والأسابيع والأشهر القادمة، وكان الكل يعرف ان رئيس حكومة الاحتلال سرعان ما أن يتراجع عن الخطوات المحدودة، التي سمح بتنفيذها على قلتها، ومحدودية تأثيرها على حياة سكان القطاع.
الآن نتنياهو متحرر من الضغوط، فلقد فاز في الانتخابات، وها هو يعيد صياغة تحالفه السابق مع أطراف اليمين المتطرف، لا يؤخره في تحقيق ذلك، سوى التعامل مع عمليات الابتزاز، التي يديرها بعض حلفائه.
فصائل المقامة التزمت كل الوقت، وحتى الآن، لكن نتنياهو تذرع بالتجارب الصاروخية التي أجرتها حركة حماس، وسقطت كلها في البحر، لكي يقرر إعادة مساحة الصيد البحري الى ما كانت عليه بحدود ستة أميال فقط.
عودة الى نقطة الصفر، عملياً، فيما يغيب الحراك المصري والأممي الذي ساهم في التوصل الى تلك التفاهمات، كان على الفلسطينيين ان يدركوا بأن إسرائيل لا تستجيب لضمانات ووساطات، ولا تخضع الا لمصالحها، ولذلك فانهم عالقون، لا تقبل الفصائل عودة الأمور الى نقطة البداية، وليست في وارد تصعيد واسع ونوعي ضد الاحتلال، وكل ما لديها لا يتجاوز حدود العودة لاستخدام الوسائل الخشنة، التي توقفت لبعض الوقت.
الآن إسرائيل، لا تبحث عن تهدئة مكلفة بالنسبة لها، وستكون عودة الفلسطينيين الى استخدام الوسائل الخشنة، ذريعة لتصعيد إسرائيلي، تعكسه عديد التصريحات التي اطلقها مسؤولون إسرائيليون في الفترة الأخيرة.
على المقلب الآخر من المشهد، تتعرض السلطة الوطنية لضغوط متزايدة، من باب الحاجة للمال، جزء من هذه الضغوط تمارسها الدول العربية، التي تضع الفلسطينيين أمام خيارات صعبة.
ثمة قرارات صدرت عن القمة العربية، تعكس التزام الجامعة العربية بتأمين شبكة امان مالي للسلطة بمقدار مائة مليون دولار شهرياً.
لو ان الأمور طبيعية، لكان يكفي ان يقدم الفلسطينيون للجامعة العربية طلباً بتفعيل هذا القرار، لكن ولأن الأمور ليست طبيعية، فقد طلب الفلسطينيون اجتماعاً على مستوى الوزراء، لكن النتيجة مرة أُخرى، تعكس تباطؤ العرب، وترددهم، وربما الامتناع عن تنفيذ ذلك القرار، ان لم يكن من كل الدول المعنية، فمن بعضها على الأقل.
العرب يدركون طبيعة وأبعاد الأزمة التي تعاني منها السلطة، ويدركون أسبابها الحقيقية، ولم يكونوا بحاجة لعرض تفصيلي من الرئيس محمود عباس، حتى يدركوا مسؤولياتهم إزاء مواجهة تلك الأزمة، ولكن هذا هو الحال الذي يؤشر الى صدع كبير في الموقف العربي، إزاء واحدة من اخطر المراحل التي يمر فيها الصراع الفلسطيني والعربي مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
يضطر الفلسطينيون، لبحث عن مقرضين دوليين، لتعويض القصور العربي، ولكن السؤال هو لماذا يفرح الفلسطينيون على مصائب بعضهم البعض، ولماذا يستمر تجاهل خطورة الضغوط التي تقع السلطة الوطنية تحت طائلتها؟ مرة بعد المليون، لا يمكن لهؤلاء أو أولئك ان ينجحوا في تجاوز أزماتهم دون الذهاب الى المصالحة واستعادة الوحدة. خسارة الزمن، لا تقدر بثمن، ولقد حان الوقت للعودة عن الحسابات والمراهنات الفصائلية، البعيدة عن الإجماع الوطني الشامل.