الحكومة مقابل الحكم...رجب أبو سرية

الجمعة 05 أبريل 2019 06:14 م / بتوقيت القدس +2GMT
الحكومة مقابل الحكم...رجب أبو سرية



أيام قليلة، ويتم الإعلان عن تشكيل حكومة الدكتور محمد اشتية، وقراءتها لقسم الولاء للقانون الفلسطيني الأساسي أمام السيد الرئيس محمود عباس، ليكون بذلك الدكتور اشتية خامس شخصية تتولى منصب رئيس وزراء السلطة منذ عام 2003 وحتى الآن، بعد رئيسَي حكومة فتحاويَّين توليا المنصب في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، هما الرئيس الحالي محمود عباس والسيد أحمد قريع، وآخرَين تكنوقراط، مستقلَّين تنظيمياً عن الفصائل، هما كل من الدكتور سلام فياض والدكتور رامي الحمد الله، على التوالي.
 ومهمة هذه الحكومة ستكون مختلفة، بل إن برنامجها إنما هو برنامج (م ت ف) وليس برنامج أوسلو الذي ارتكزت عليه حكومات التكنوقراط، ولعل أول إنجاز تحقق حتى الآن، أي قبل أن تشرع الحكومة القادمة بتولي مهامها، قد تمثل في مشاركة سبعة فصائل فيها، ما يمنحها دعماً شعبياً وسياسياً واسعاً، بعد أن كانت حكومات التكنوقراط تستند إلى الدعم الشخصي للرئيس بالأساس.
في الحقيقة، إن الأسبوع الأخير في فترة المشاورات كان مهماً، ذلك أن موافقة حزب الشعب على المشاركة كانت مهمة وحاسمة، وهي وللمفارقة تعيد للأذهان صورة من الاصطفافات الداخلية، التي تذكر بما كان عليه الحال، في فترة انقسام داخلي مرت به (م ت ف) قبل نحو ثلاثة عقود، حين تشكلت جبهة الإنقاذ في سورية، من فصائل المعارضة، التي ما زالت معارضة، وتضم فصائل هامشية باستثناء الجبهتين الشعبية والديمقراطية.
وكما استندت جبهة الإنقاذ قبل عقود في خروجها عن الشرعية الفلسطينية للعامل الإقليمي الخارجي، فإن حكم حماس في غزة يستند للعامل الإقليمي أيضاً، بغض النظر إن كان قطرياً أو تركياً أو حتى إيرانياً، فيما اعتمدت (م ت ف) على العامل الداخلي وعلى الشعب الفلسطيني نفسه، لذا فقد ظلت جبهة الإنقاذ في الخارج، فيما دخلت (م ت ف) إلى داخل الوطن، بعد انتفاضة العام 1987، وهذا ما سيحدث في قادم الأيام، مع حالة الانقسام الحالي، حيث من يراهن على الخارج سيظل بالخارج وسيخرج من صفوف الشعب طال الزمان أم قصر، فيما سيبقى البرنامج الوطني وحامله (م ت ف) داخل الوطن وبين صفوف الشعب، ولعل إعلان الدكتور اشتية قبل أيام عن أن طاقمه الوزاري سيكون بين الناس، خير دليل على ما نذهب إليه.
المهم أن الحكومة القادمة هي حكومة النظام الوطني الفلسطيني، تستند لبرنامج (م ت ف) محدد المعالم والبنود، والتي أهمها الوحدة الوطنية، وإقامة الدولة الواحدة والموحدة على أرض دولة فلسطين المحتلة منذ عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك إلى القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية، بكل مكوناته القضائية والتشريعية والمدنية، فيما حكم حماس، الذي يحكم دون حكومة ما هو إلا حكم عسكري، لا وجود لنظام محدد المعالم، ولا يستند لبرنامج سياسي معلن، لذا فإن كل المخاوف بشأن أن يتقاطع مع صفقة القرن هي مخاوف محقة، كذلك لا يستند إلى نظام قضائي أو تشريعي أو حتى مدني، ولعل الدلائل على ذلك ساطعة كشمس تموز، وأقرب دليل على ما نقول به هو كيفية مواجهة حكم حماس العسكري للحراك الشعبي المدني والسلمي "بدنا نعيش" الذي قمعه بكل عنف وشدة، فيما تعاملت حكومة السلطة مع الاحتجاج على قانون الضمان الاجتماعي بشكل مدني ومحترم، وصل إلى حد تعليق العمل بالقانون المذكور.
وبالعودة إلى "موقف" الجبهتين الملتبس، من حيث هما شريكتان في (م ت ف) وبرنامجها، وفي الوقت نفسه لم توافقا على المشاركة في حكومة المنظمة، نعيد التذكير بموقفهما أيضاً من الانقسام الداخلي الذي حدث بعد الخروج من بيروت، حيث ظلتا في حالة انتظار، بين الشرعية والإنقاذ، مدة خمس سنوات، وبعد أن شكلتا التحالف الرباعي الديمقراطي حينها بينهما ومع كل من جبهتي النضال والتحرير الفلسطينية، انضمتا للشرعية بعد أن تأكد لهما بأن شرعية (م ت ف) عصية على الانكسار.
هذه المرة يمكن القول، إن الجبهتين متقاطعتان مع الشرعية سياسياً، لكنهما على أرض غزة متداخلتان مع حكم العسكر، فليس من باب الصدفة أن "فصائل غزة" الرافضة للوحدة الداخلية إنما هي فصائل مسلحة، أي ميليشيات حكم عسكري، في مكان يفترض فيه أن يدافع العسكر عن الوطن وليس عن الحكم الانقسامي أو الانقلابي، وأن المقاومة خاصة في مستواها المسلح مكانها الضفة الغربية، لذا فإنه يمكن القول أيضا إن الجبهتين بداخلهما "انقسام موقف" بين جناحيهما العسكريين، أي قوات المقاومة الوطنية وأبو علي مصطفى، وقيادتيهما السياسيتين، متباينتي الموقف، بين مَن هم خارج الوطن، من قيادة متشددة ومَن هم داخل الوطن، على تماس مع تفاصيل الهم اليومي للشعب الفلسطيني.
مجمل القول، هو أن حكومة اشتية مقابل حكم حماس توضح جوهر" الخلاف والاختلاف" بين حكومة مدنية وطنية وحدوية وحكم عسكري انقسامي وانقلابي، وحيث إن مَن هم بالخارج عادةً ما يطلقون العنان لحناجرهم، فإن مَن هم على خطوط المواجهة اليومية مع الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه أكثر واقعية وصلابة، ولعل هذا لم يغب عن وجه غزة رغم معاناتها، لذا فإن مهمة حكومة اشتية لن تكون سهلة، وهي تواجه العدو الخارجي والانقسام السياسي الداخلي معا، بما يتطلب الجمع بين الكفاح الوطني الشعبي المثابر وبين الحنكة السياسية في إدارة حرب متعددة الأشكال والوجوه والخصوم في وقت واحد، لكن من كان معه الشعب ومنطق التاريخ، فلا بد له أن ينتصر في نهاية المطاف.