الملك وعباس: البديل الأردني...خالد عياصرة

الثلاثاء 19 مارس 2019 12:58 م / بتوقيت القدس +2GMT
الملك وعباس: البديل الأردني...خالد عياصرة



في الأسبوع الماضي، التقى الملك عبد الله الثاني عدداً من رؤساء وأعضاء لجان الكونغرس الأمريكي، بشقيه الشيوخ والنواب.
البعض يدعي أن ذلك يعود الى الضغوطات الواقعة على الأردن جراء قرب الإعلان عن صفقة القرن، يراها العديد من المراقبين المناوئين لها سيكناً حاداً لقتل وتصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء وجودها، وهذا يتطلب التضحية بالدولة الأردنية، فيما يعتبرها اتباعها ضرورة حتمية لانتشال الاردن من المأزق الذي وقع فيه.
الذي يدقق في طبيعة اللقاءات يستشف تخوفاً أردنياً، تحاول القيادة تداركه قبل أن تقع الفأس بالرأس، الأمر لا علاقة له بالأوضاع الاقتصادية الكارثية المُصطنعة و الفوضى والإرتباك  الحكومي، هذه المشاكل كلها يمكن حلها والاتفاق حولها داخلياً إن توفرت الإرادة السياسية للمرجعيات العليا.
لقاءات الصف الثاني في أميركا، بعيداً عن البيت الأبيض تعني أن القيادة الأردنية تتواصل وتبحث مع مطبخ القرار الأمريكي، لتخفيف الآثار المترتبة على الصفقة، أكان في حال الموافقة عليها أم في حال رفضها، وكأن الملك يستبقُ الأحداث قبل أن تُصيب الأردن بمقتل.
 كل هذا يجري أمام  الملك، يراه ويسمعه، في حواراته ولقاءاته وجولاته، الصفقة قاب قوسين أو أدنى، الشروط مازالت خاضعة للنقاش، والنتائج لا أحد يملك ترف معرفتها.
لكن يبقى الهدف الأساس والأهم من اللقاءات الخارجية، مرتبط داخلياً بتقدير الموقف بناء على المصلحة الوطنية التي يمثلها الشعب، وضرورة الحفاظ على كيانه وهويته ضد مشاريع وأدوات التصفية، وإفشال إعادة ترسيم الجغرافيا والديمغرافيا لصالح اسرائيل و يهوديتها.
عباس مصلحتي أولاً
مقابل ذلك، يجلس السيد محمود عباس وطاقمه في مقاطعة رام الله، بنعيم وهناء، دون اكتراث لما يجري لما يدور في الاقليم، مع انهم اصحاب القضية الأساسية والمركزية الأولى.
الفعل الذي يمثله عباس وزمرته، ليس بجديد، فقد تكرر سابقاً، إن في مفاوضات اوسلو أو في مدريد، فالاردن بالنسبة لهم هدف مستقبلي يمكن اللجوء إليه كبديل للخروج من متاهات القضية، وبهذا هم لا يختلفون في فعلهم عن طريقة تفكير الليكود الإسرائيلي الذي لا يرى الأردن كدولة، بقدر ما يراها بديلاً لفلسطين.
فيما مضى فشلنا أردنياً في إدارة مفاوضات و معاهدة السلام – وادي عربة – سقط الجميع في الفخ الإنتصار الوهمي، الذي منح إسرائيل المزيد من شروط البقاء وأسبابه، من قاد المفاوضات آنذاك افتقد لفنون التفاوض، الى جانب ثقتنا العمياء بشركاء لا يتوانون عن التضحية بالأردن خدمة لمصالحهم، المفاوض الفلسطيني هرول للارتماء والارتهان للقرار الإسرائيلي الأمريكي، دون اعتبار للوفد المشترك بين الأردن ومنظمة التحرير، الأخيرة كانت تلعب على الاتجاهين وفتحت قناة خلفية من وراء ظهر الدولة الأردنية، فاجأت الملك الراحل الحسين آنذاك .
بديل فلسطيني
تحركات القيادة الأردنية اليوم تشي أن الفعل بذاته ليس إلا شراءً لبطاقات زمنية قبل وقوع الكارثة، لا يملك فيها الاردن قوة البقاء، بعدما سلبت العديد من أوراق قوته على يد الأشقاء والحلفاء، خصوصاً ما تعلق بالدعم الأساسي والأهم المتصل بالقيادات الفلسطينية، التي أدارت ظهرها له، مع أن الفعل الذي تمثله القيادة الفلسطينية يعني خسارة للطرفين، أردنياً وفلسطينياً.
هذا يقود الى التفكير في البديل الشرعي لمصالح الدولة الأردنية فلسطينياً تاكيداً لمصالحه، واعادة التكيُف معه لضمان بقاء القضية الفلسطينية، القصد هنا تشييد جسور التواصل مع الداخل الفلسطيني، كخيار أردني بديل يمكن الرهان عليه داخلياً، للوقوف بوجه التنازلات التي يقودها عباس وزمرته.
أسئلة الشعب
بين هذا وذلك، من المؤسف أن تجد أطياف عديدة من الشعب الأردني – لا يوجد معارضة أردنية – تناصب الدولة العداء احياناً، والمناكفة في حين آخر، بحثاً عن شروط أفضل للحياة، لكنهم لا يكترثون لما يجري خارجياً للدولة.
اخص بالذكر هنا النخب الأردنية المنفصلة عن الهم الشعبي، والفاقدة لشرعية الإجابات عن الأسئلة التي تجول دون أن تثار شعبياً. سيما وأن القيادة مازالت الى اليوم تتحفظ على الحقيقة وتمنع ظهورها، دون إبداء أسباب الموجبة لذلك!
لم نرى من يدعو إلى إطلاق مشروعات لتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة الشرور القادمة و مشاريعها، الأحاديث الى الآن مازالت فردية خجولة، ترتكز على شيطنة الملك والدولة الاردنية، ترى أن المشروع ليس إلا صفقة مثالية للنظام تعيد انعاشه، مقابل صفعة قوية للشعب. فهل تملك الدولة القدرة على إجابة أسئلة الشعب  ؟
هنا يحق للمواطن الأردني السؤال عن المشاريع التثقيفية التوعوية، عن غياب المدارس والجامعات والمؤسسات، عن صمت القبور الذي يخيم على تحركات الدولة، لإظهار الحقيقة شعبياً، انطلاقاً من المصلحة العامة.
الاختلاف والصراع مع الحكومة بل والنظام ضرورة للشعب الأردني حتى – يطمئن البعض-  لكنها لابد أن تتحول وتوجه الى وسيلة لتمكين وتمتين الداخل للوقوف بوجه مخططات الخارج، الجميع في مركب واحد، متكاتفاً لا مناكفاًً، وطنياً لا معارضاً، أردنياً وفق منظور جمعي تشاركي شمولي، لا فردي عشوائي عدمي، لا يقدم بديلاً دفاعياً لحماية ما تبقى من مستقبل !
وعليه، مطلوب من الجميع إعادة تفكير و ترتيب وتكوين الكوادر الأردنية داخلياً وخارجياً، تفاوض وتناقش الجميع انطلاقاً من الداخل وصولاً الى الإقليم والعالم، مع الاستعانة بالخبراء من أصحاب الاختصاص – المكدسين – في الجامعات الأردنية، إضافة الى إعادة تفعيل دور المؤسسات التعليمية وتوجيهها صوب تثقيف المجتمع وتحذيره مما هو قادم، وتبيان خطورتها، وكيفية التعامل مع الصفقة أن أضحت واقعاً.
وقبل كل هذا إعادة البحث عن جناح فلسطيني ينسق تحركاته مع الدولة الأردنية ومؤسساتها، مع الابتعاد عن تكرار ما حصل من مشاهد عام 1991 في أوسلو ولاحقاً مدريد، من خيانات وتنازلات وتشوهات، مازلنا نشهد نتائجها إلى اليوم.
كاتب اردني
kayasrh@gmail.com