هل سيؤدي تصاعد الأحداث في الضفة إلى انتفاضة ثالثة؟

السبت 02 فبراير 2019 03:13 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل سيؤدي تصاعد الأحداث في الضفة إلى انتفاضة ثالثة؟



رام الله /سما/

هذه الورقة من إعداد آلاء حمامرة ورائف عمر، ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "تعزيز المشاركة السياسية للشباب الفلسطيني"، الذي ينفذه مركز مسارات بالشراكة مع مؤسسة آكشن إيد - فلسطين.

مقدمة

شكل اغتيال أشرف نعالوة، منفذ عملية "بركان"، وصالح البرغوثي، منفذ عملية "عوفرا"، في يوم واحد من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ضربة موجعة للفلسطينيين. وفي صباح اليوم التالي لاغتيالهما، الموافق 13/12/2018، نفذت عملية جديدة أدت إلى مقتل اثنين من جنود الاحتلال وإصابة آخرين، وعلى إثرها جرت عملية مطاردة لمنفذ العملية، واقتحم قوات الاحتلال مدينة رام الله وفرض حصارًا عليها.[1]

في ظل هذه الأجواء، عاد الجدل حول إذا كان تصاعد المواجهات مع قوات الاحتلال في الضفة الغربية يشكل انتفاضة فعلية، أم محطة جديدة ضمن موجات انتفاضية متلاحقة، أم مقدمات لتطور الأوضاع باتجاه اندلاع انتفاضة ثالثة؟[2]

إن دراسة الظروف التي أدت إلى اندلاع الانتفاضتين: الأولى في العام 1987، والثانية في العام   2000، ومقارنتها بالوضع الحالي لا ترجح اندلاع انتفاضة ثالثة، أو أن يأخذ الفعل الانتفاضي بالضرورة شكل تلكما الانتفاضتين، ذلك نتيجة للعديد من العوامل، وأهمها: التقسيم الجغرافي والديمغرافي الذي فرضته سلطات الاحتلال على الشعب الفلسطيني، والانقسام السياسي، وضعف ثقة الشعب بالأحزاب السياسية، إضافة إلى عدم وجود قرار سياسي وطني بتفجير انتفاضة وتوفير متطلباتها، وحرص السلطة على عدم انتقال أشكال المقاومة الشعبية الراهنة إلى مستوى الانتفاضة، والتزامها بالتنسيق الأمني، فضلًا عن غياب الحاضنة العربية في ظل مسارعة دول عربية مركزية إلى التطبيع مع إسرائيل.

تجدد الحديث عن انتفاضة ثالثة

برز الحديث عن احتمالية وقوع انتفاضة ثالثة منذ العام 2014، عندما شهدت الأراضي  الفلسطينية ما عرف بـ"هبة السكاكين"، حيث نفّذ شباب فلسطينيون عمليات طعن ودهس وإطلاق نار ذاتية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه.

حدثت "انتفاضة السكاكين" في ظل فشل عملية المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود، والحروب الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة، وردًا على السياسات الإسرائيلية الاستيطانية والتوسعية في الضفة الغربية، بما فيها القدس، ومحاولة تقسيم المسجد الأقصى، وزيادة اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، مثل إحراق عائلة الدوابشة وإحراق الطفل محمد أبو خضير.[3]

كان دافع هذه العمليات ذاتيًّا وليس منظمًا، واقتصرت على الضفة، بما فيها القدس، ولم تبادر الفصائل إلى تطويرها إلى انتفاضة شعبية ضد الاحتلال. أما السلطة الفلسطينية فكانت معنية بمنع تفاقم الأمور والخروج عن سيطرتها. فعلى سبيل المثال منع رجال الأمن الفلسطيني المتظاهرين من الوصول إلى حاجز "بيت إيل" شمال البيرة من دون توضيح للأسباب[4]، وبهذا بقي المظهر الرئيسي للعمل ذاتيًا، يقوم به شاب منفرد أو أكثر من دون تنسيق أو انتساب حزبي، في إشارة واضحة إلى انعدام ثقة هؤلاء الشباب بالبنية السياسية القائمة على الأحزاب السياسية التقليدية والسلطة وخياراتها السياسية، بدليل لجوئهم إلى العمل من خارجها.

اندلعت "هبة القدس"، بتاريخ 14/7/2017، ردًا على قرار سلطات الاحتلال وضع بوابات إلكترونية على مداخل المسجد الأقصى، وفي إطار مواجهة السياسات الإسرائيلية التي تستهدف مدينة القدس. وشهدت مدن الضفة أحداثًا متفرقة لم ترق إلى مستوى المشاركة الفعلية، وانتهت الهبة بعد تراجع سلطات الاحتلال عن قرارها بإزالة البوابات من مداخل المسجد الأقصى في أواخر تموز 2017.

تجددت التظاهرات الاحتجاجية في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، بتاريخ 6/12/2017. وتصاعدت المواجهات مع قوات الاحتلال يوم افتتاح السفارة الأميركية بالقدس بتاريخ 14/5/2018، إلا أن هذه المواجهات كانت أشبه برد فعل آني على نقل السفارة، ولم تلبث أن انتهت.

في نهاية آذار 2018، انطلقت مسيرات العودة بزخم في قطاع غزة، ونجحت في تسليط الضوء على الحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، إلى جانب الإدانة الدولية الواسعة لجرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق المتظاهرين السلميين العزل على السياج العازل. ولكن هذه المسيرات لم تمتد إلى مدن الضفة وتجمعات اللجوء الفلسطيني في الخارج، التي اقتصر دورها على تنظيم مظاهرات وفعاليات تضامنية محدودة.

يشير تقرير للجيش الاحتلال عن العمليات المسلحة في الضفة الغربية خلال العام 2017، إلى مقتل 20 إسرائيليًا خلال 99 عملية مسلحة، مقابل مقتل 17 إسرائيليًا خلال 269 عملية نفذت في العام 2016. وذكر نداف أرجمان، رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، في تقريره أمام لجنة الشؤون الخارجية التابعة للكنيست، "أن "الشاباك" أحبط 400 هجمة خلال العام 2017، بما في ذلك 13 "هجومًا انتحاريًا"، و8 عمليات خطف"، إضافة إلى إحباط 110 هجمة فردية محتملة، واعتقال 3613 فلسطينيًا.[5]

وأشار مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، الذي رصد  بالأرقام عدد أعمال المقاومة وأعداد القتلى الإسرائيليين خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2018، إلى ارتفاع ملحوظ في عمليات المقاومة بالضفة الغربية، حيث نفذ أكثر من 4367 عملية، أوقعت 11 قتيلًا إسرائيليًا، وأصابت 159 آخرين، بمعدل (4) عمليات إطلاق نار كل شهر، و(3.3) عملية طعن ومحاولة طعن، و(1.5) عملية دهس ومحاولة دهس، و(5.3) عملية زرع عبوة ناسفة، و(26.2) عملية إلقاء زجاجات حارقة.[6]

إن ما حصل بعد عملية "عوفرا" من تصعيد وإغلاق مدينة رام الله وحصارها، وأعمال المستوطنين العدوانية تجاه الفلسطينيين، ليست معزولة عمّا سبقها من إجراءات وسياسات وقوانين عنصرية تستهدف تمرير المخطط الإسرائيلي الذي يقوم على تصفية الحقوق الفلسطينية، عبر تهويد القدس، والتوسع الاستيطاني، وضم معظم أراضي الضفة، وتكريس فصل القطاع.

لذلك، من المرجح أن يواصل الفلسطينيون تحديهم لهذه الإجراءات، والتصدي للتحديات الكبرى التي تواجه قضيتهم وحقوقهم الوطنية بكافة الوسائل، وهذا يطرح احتمال تصاعد المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا أن العمليات الأخيرة تعكس تطورًا جديدًا يتمثل في كون المنفذين منتمين لتنظيم، ولديهم خبرات في العمل السري المنظم، وهناك خلايا وتدريب جيد وسلاح متطور، وتخطيط ورصد، وتهيئة الظروف للاختباء عند عائلات، مثل أشرف نعالوة وعاصم البرغوثي، وهذا مختلف عن حالات سابقة، وربما يستفاد من دروسها، مثل حالتي باسل الأعرج وأحمد جرار.

مواقف الأطراف ذات الصلة

موقف السلطة الفلسطينية

لم يتعد موقف السلطة حدود الشجب والاستنكار للإجراءات الإسرائيلية، فأثناء حصار مدينة رام الله واقتحامها، اختفت الأجهزة الأمنية والمسؤولين الفلسطينيون. وتعقيبًا على الأحداث الجارية، قالت الرئاسة الفلسطينية:" إن سياستنا الدائمة هي رفض العنف والاقتحامات وإرهاب المستوطنين، وضرورة وقف التحريض، وعدم خلق أجواء تساهم بتوتير الوضع[7]".

يشير ذلك إلى أن السلطة غير معنية بتصاعد الأحداث، وتسعى إلى منع انفجار الأوضاع في الضفة على شكل مواجهة شعبية واسعة مع قوات الاحتلال، وذلك استمرارًا لأسلوب تعاطيها مع الأحداث السابقة، من "انتفاضة السكاكين" و"هبة القدس"، ومسيرات العودة.

تضع السلطة اليوم استمرارية وجودها كأولوية وهدف بحد ذاته، وهي ليست معنية بتفاقم الأمور وخروجها عن السيطرة، في إطار التزامها بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، واستمرار مراهنتها على العودة إلى المفاوضات الثنائية، وفق ما صرح به، رياض المالكي، وزير الخارجية الفلسطيني.[8]

موقف حركة حماس

نعت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشهيدين نعالوة والبرغوثي، وأعلنت أنهما ينتميان للحركة، وقالت: "على العدو ألا يحلم بالأمن والأمان والاستقرار؛ فجمر الضفة تحت الرماد سيحرق المحتل ويذيقه بأس رجالها الأحرار من حيث لا يحتسب العدو ولا يتوقع."[9]

وعلى الرغم من تهديدها بنقل المقاومة إلى الضفة، إلا أن جهود الحركة تركزت، كأولوية، على استمرار مسار التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي، تمهيدًا للتوصل إلى هدنة ترفع الحصار عن القطاع. وهذا ينطوي على تناقض بين أقوالها وسلوكها الميداني في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية، ويشير إلى أن لجوء الحركة للتصعيد في الضفة سيظل محكوما بهذا الاعتبار، ويضعف، بالتالي، من دورها وتأثيرها، ويحد من فرص قيام انتفاضة ثالثة.

الموقف الإسرائيلي

تمثل الرد الإسرائيلي المباشر على الهجمات الأخيرة بسلسلة من العقوبات ضد الفلسطينيين، أقرها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، تضمنت هدم منازل منفذي العمليات خلال 48 ساعة، وسحب تصاريح العمل من أفراد عائلاتهم، وحملة اعتقالات طالت كوادر من "حماس"، وزيادة الحواجز العسكرية، وفرض الحصار على مدينة رام الله[10]، إلى جانب إعلان نتنياهو عن بناء 1450 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة "عوفرا" كرد على العملية.

كما اشتمل الرد الإسرائيلي على تطور جديد تمثل بعمليات الدهم اليومية للمناطق الخاضعة للسلطة، وبخاصة رام الله والبيرة، في رسالة تهدف إلى ترسيخ دور السلطة كبلدية كبرى تدير حكمًا ذاتيًا فقط، وترويض الذهنية الشعبية لتقبل وجود الاحتلال في قلب مناطق (أ)، أي التسليم بالدور الأمني المباشر لقوات الاحتلال في مناطق السلطة.

لم يترتب على هذه الإجراءات مواجهة واسعة مع الفلسطينيين في الضفة، وهذا مؤشر مشجع لحكومة نتنياهو على المضي في سياساتها الاستيطانية التوسعية في الضفة، والمحافظة على الوضع الراهن.

عقبات تحول دون تفجر انتفاضة ثالثة

يعيش الفلسطينيون في الضفة والقطاع ظروفًا سياسية واقتصادية صعبة، نتيجة للسياسات والإجراءات الإسرائيلية التي تقوم على حصار قطاع غزة وتكريس انفصاله، وتهويد القدس، والتوسع الاستيطاني الذي ينهش الضفة والقدس، وحصر الفلسطينيين في معازل سكانية مفصولة عن بعضها البعض، والملاحقة والاعتقال للنشطاء الفلسطينيين، وهدم المنازل بحجة عدم الترخيص، واعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى، في ظل تعثر المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة، واستمرار وتعمق التبعية الاقتصادية للاحتلال، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في غرة وتراجعها في الضفة، إلى جانب المخاطر والتحديات التي تفرضها سياسات إدارة ترامب بشأن القدس واللاجئين، وتراجع الدعم العربي للحقوق الوطنية الفلسطينية، واتجاه العديد من النظم العربية نحو تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، وغيرها من العوامل التي من شأنها أن توفر بيئة موضوعية مواتية لتفجر انتفاضة ثالثة في الأراضي المحتلة العام 1967.

ولكن، هناك العديد من العوامل التي تعيق اندلاع الانتفاضة في الظروف الراهنة، ومنها:

التقسيم الجغرافي

سعت سلطات الاحتلال إلى تقسيم أراضي 1967 إلى مناطق جغرافية منعزلة عن بعضها البعض، وهي القدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة. والأهم من ذلك، أن التقسيم الجغرافي والفصل الديمغرافي أخضع التجمعات الفلسطينية لظروف وأوضاع  مختلفة، وأصبح لكل تجمع، بمرور الوقت، أولويات مختلفة، وهذا جعل من إمكانية توحدهم على أساس برنامج وقضايا عمل مشترك أمرًا صعبًا في ظل حالة الانقسام وغياب المؤسسات التمثيلية الجامعة، وبدا كأن كل تجمع مطالب أساسًا بالتصدي للقضايا والتحديات المباشرة التي يواجهها، في حين أصبح دور التجمعات الأخرى أقرب للدور الإسنادي، لا دور المشارك. وقد تجلى ذلك في العديد من الأحداث، منها "هبة القدس"ومسيرات العودة في غزة. 

حتى نهاية العام 2016، بلغ عدد العمال الفلسطينيين من الضفة في سوق العمل الإسرائيلي حوالي 121 ألف عامل[11]، إلى جانب 156 ألف موظف مدني وعسكري في الضفة والقطاع غزة لدى السلطة[12]، التي تلتزم بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، وتحرص على منع تصاعد الأحداث في مناطقها.

أما في غزة، التي تسيطر عليها "حماس" بشكل منفرد منذ العام 2007، فالأولوية لرفع الحصار ومنع انفجار الأوضاع في وجه سلطة "حماس". وأما في القدس الشرقية، فيواجه الفلسطينيون مخطط التهويد، وإلغاء الهوية الوطنية الفلسطينية، و"أسرلة" المناهج التعليمية، والسيطرة على المسجد الأقصى، والتوسع الاستيطاني، وغيرها من الإجراءات.

الانقسام الفلسطيني

أدى الانقسام الفلسطيني إلى سيطرة "حماس" الانفرادية على قطاع غزة، بعد أحداث حزيران 2007، في مقابل سيطرة "فتح" على الضفة الغربية. وساهم التقسيم الجغرافي، إلى جانب سياسات الطرفين، في تعميق الانفصال بين الضفة والقطاع.

إزاء فشل الخيارات السياسية للطرفين، خيار المفاوضات الذي وصل إلى طريق مسدود، وخيار المقاومة الذي اختزل بالهدنة كوسيلة لرفع الحصار عن غزة وتثبيت سلطة "حماس" المنفردة، تحول الصراع على السلطة إلى صراع على الشرعية والتمثيل، في ظل ضعف وعدم فاعلية قوى المعارضة الأخرى، وغياب برنامج مقاومة شامل لمواجهة المشروع الاستعماري الإسرائيلي.

يضاف إلى ما سبق، تردي العلاقات الوطنية، مع تزايد التفرد في صناعة القرار بعد إعادة تشكيل المجلسين الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية للمنظمة بما يخدم التفرد، وتحويلها إلى طرف في الصراع الداخلي، مما أضعف شرعيتها، وعمّق الخلافات بين فصائل المنظمة ذاتها.  

وهذا بدوره يضعف فرص قيام انتفاضة ثالثة، بسبب استمرار الصراع على السلطة والتمثيل، وعدم توصل الطرفين إلى صيغة لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية على أساس برنامج مواجهة شاملة مع المشروع الاستعماري الإسرائيلي، بما في ذلك انتفاضة ثالثة.

الوضع العربي

تعيش المنطقة العربية أزمات داخلية وصراعات إقليمية، أدت إلى تراجع مكانة القضية الفلسطينية في أجندة هذه الدول، التي اتجه العديد منها  إلى لتطبيع مع إسرائيل، وتجاوز بذلك بنود المبادرة العربية التي تشترط لإقامة علاقات مع إسرائيل موافقتها على قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، وحل متفق عليه لقضية اللاجئين.

وفي ظل هذه الظروفـ تعمل حكومة نتنياهو على تحقيق مكاسب جديدة في مجال التطبيع مع الدول العربية، من دون أن تكون مضطرة لتقديم أي تنازلات تؤدي إلى تسوية الصراع العربي الإسرائيلي على قاعدة قرارات الشرعية الدولية، وفي مقابل ذلك، يدرك الفلسطينيون بأن الحالة العربية الراهنة لا توفر بيئة داعمة لقيام انتفاضة ثالثة.

الخاتمة

إن الظروف التي حدثت فيها الانتفاضتان الأولى والثانية كانت مختلفة عن الأوضاع التي يعيشها الفلسطينيون اليوم، حيث التوزع الجغرافي، والانقسام السياسي الداخلي، والصراع على السلطة والتمثيل، وغياب المؤسسات التمثيلية الجامعة، وعدم التوافق على برنامج موحد وشامل للمقاومة.

كذلك فإن البيئة الإقليمية والدولية تغيرت، وتبلور اتجاه دولي مؤثر أصبح ينظر لأي شكل من أشكال المقاومة العنيفة والمشروعة للاحتلال "إرهابًا". وهذه عوامل لا تدعم قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

ومن جهة أخرى، هناك العديد من العوامل التي تدفع الشعب الفلسطيني نحو تفجير انتفاضة، وفي مقدمتها فشل خيارات قطبي السلطة ووصولها إلى طريق مسدود، وتصاعد المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وانتقاله إلى مرحلة فرض التصور الإسرائيلي لحل الصراع من طرف واحد، وتصفية القضية والحقوق الفلسطينية من خلال تكريس فصل قطاع غزة، وعزل التجمعات السكانية في الضفة، وضم معظم أجزائها، وتكريس وجود السلطة كسلطة حكم ذاتي لإدارة شؤون التجمعات السكانية الفلسطينية وحفظ الأمن، وبالتالي منع فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على 1967، أو عودة اللاجئين الفلسطينيين.

ولكن، ليس بالضرورة أن تأخذ الانتفاضة الثالثة شكل الانتفاضتين الأولى والثانية، فقد نكون أمام تحول في نسق المقاومة الشعبية يأخذ شكل الهبات أو الموجات الانتفاضية المتلاحقة.

في كل الأحوال، فإن فرص اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة يعتمد، إلى حد كبير، على العامل الذاتي الفلسطيني، وحدود قدرته على توفير شروط انطلاقها، وهذا يستدعي: أولًا، استعادة الوحدة الوطنية على أسس الشراكة الوطنية الكاملة، وإعادة بناء منظمة التحرير كإطار وطني جامع؛ وثانيًا، التوافق على برنامج مقاومة شامل تنخرط فيه تجمعات الشعب الفلسطيني كافة، ويعمل على تغيير ميزان القوى واستعادة الدعم العربي والدولي للقضية الفلسطينية، ولحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال.

الهوامش

[1] الضفة الغربية: مقتل جنديين إسرائيليين برصاص مسلح فلسطيني، BBC عربي، 13/12/2018. bbc.in/2sXEgKf

[2] هل الضفة على موعد مع انتفاضة ثالثة بعد خطاب هنية؟، موقع صحيفة الحدث الفلسطينية، 17/12/2018.  bit.ly/2CXf6zW

[3] ما الذي يدفع الفلسطينيين للانتفاض، الجزيرة نت، 22/10/2015.bit.ly/2DMC5zf

[4] منع المتظاهرين من الوصول إلى المدخل الشمالي لمدينة البيرة، وكالة معًا الإخبارية، 25/12/2018. bit.ly/2DN0tAV

 [5]الجيش الإسرائيلي يلخص العمليات المسلحة الفلسطينية للعام 2017، موقع i24، 7/1/2018. bit.ly/2Bbs0KA

[6] العام 2018 شهد ارتفاعًا ملحوظًا في عمليات المقاومة بالضفة، المركز الفلسطيني للإعلام، 31/10/2018. bit.ly/2GeNWrp

[7] الرئاسة: المناخ الذي خلقته سياسة الاقتحامات وغياب أفق السلام أدى إلى مسلسل العنف، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، 13/12/2018.bit.ly/2MGtG3e

[8] المالكي: دولة فلسطين ملتزمة بحل الدولتين والمفاوضات المباشرة، وكالة وفا، 1/11/2018. bit.ly/2WzlB4L

[9] القسام ينعي الشهيدين البرغوثي ونعالوة ويتوعد بالمزيد من العمليات، صحيفة القدس، 13/12/2018. bit.ly/2GaVonv

[10] نتنياهو يصادق على هدم منازل منفذي العمليات خلال 48 ساعة، صحيفة القدس، 13/12/2018. bit.ly/2WvpNTg

[11] الإحصاء الفلسطيني يعلن النتائج الأساسية لمسح القوى العاملة للربع الأول 2018، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 5/8/2018. bit.ly/2RpMfJP

[12] محسن صالح وآخرون، اليوميات الفلسطينية لعام 2017، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2018، ص 33.

Copyright © 2019 masarat, All rights reserved. 
you are receiving this email because you are opted in at Masarat website. 

Our mailing address is: 
masarat
albireh
karakrah Building
Ram Allah 98700
Palestine
Add us to your address book

Want to change how you receive these emails?
You can update your preferences or unsubscribe from this list. 
 

Masarat Center via mailchimpapp.net 

9:19 AM (5 hours ago)

to me

Arabic
English
   
Translate message
Turn off for: Arabic

هل سيؤدي تصاعد الأحداث في الضفة إلى انتفاضة ثالثة؟


هذه الورقة من إعداد آلاء حمامرة ورائف عمر، ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "تعزيز المشاركة السياسية للشباب الفلسطيني"، الذي ينفذه مركز مسارات بالشراكة مع مؤسسة آكشن إيد - فلسطين.

لقراءة الورقة من موقع مسارات الإلكتروني اضغط/ي هنـــــااا

مقدمة

شكل اغتيال أشرف نعالوة، منفذ عملية "بركان"، وصالح البرغوثي، منفذ عملية "عوفرا"، في يوم واحد من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ضربة موجعة للفلسطينيين. وفي صباح اليوم التالي لاغتيالهما، الموافق 13/12/2018، نفذت عملية جديدة أدت إلى مقتل اثنين من جنود الاحتلال وإصابة آخرين، وعلى إثرها جرت عملية مطاردة لمنفذ العملية، واقتحم قوات الاحتلال مدينة رام الله وفرض حصارًا عليها.[1]

في ظل هذه الأجواء، عاد الجدل حول إذا كان تصاعد المواجهات مع قوات الاحتلال في الضفة الغربية يشكل انتفاضة فعلية، أم محطة جديدة ضمن موجات انتفاضية متلاحقة، أم مقدمات لتطور الأوضاع باتجاه اندلاع انتفاضة ثالثة؟[2]

إن دراسة الظروف التي أدت إلى اندلاع الانتفاضتين: الأولى في العام 1987، والثانية في العام   2000، ومقارنتها بالوضع الحالي لا ترجح اندلاع انتفاضة ثالثة، أو أن يأخذ الفعل الانتفاضي بالضرورة شكل تلكما الانتفاضتين، ذلك نتيجة للعديد من العوامل، وأهمها: التقسيم الجغرافي والديمغرافي الذي فرضته سلطات الاحتلال على الشعب الفلسطيني، والانقسام السياسي، وضعف ثقة الشعب بالأحزاب السياسية، إضافة إلى عدم وجود قرار سياسي وطني بتفجير انتفاضة وتوفير متطلباتها، وحرص السلطة على عدم انتقال أشكال المقاومة الشعبية الراهنة إلى مستوى الانتفاضة، والتزامها بالتنسيق الأمني، فضلًا عن غياب الحاضنة العربية في ظل مسارعة دول عربية مركزية إلى التطبيع مع إسرائيل.

تجدد الحديث عن انتفاضة ثالثة

برز الحديث عن احتمالية وقوع انتفاضة ثالثة منذ العام 2014، عندما شهدت الأراضي  الفلسطينية ما عرف بـ"هبة السكاكين"، حيث نفّذ شباب فلسطينيون عمليات طعن ودهس وإطلاق نار ذاتية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه.

حدثت "انتفاضة السكاكين" في ظل فشل عملية المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود، والحروب الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة، وردًا على السياسات الإسرائيلية الاستيطانية والتوسعية في الضفة الغربية، بما فيها القدس، ومحاولة تقسيم المسجد الأقصى، وزيادة اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، مثل إحراق عائلة الدوابشة وإحراق الطفل محمد أبو خضير.[3]

كان دافع هذه العمليات ذاتيًّا وليس منظمًا، واقتصرت على الضفة، بما فيها القدس، ولم تبادر الفصائل إلى تطويرها إلى انتفاضة شعبية ضد الاحتلال. أما السلطة الفلسطينية فكانت معنية بمنع تفاقم الأمور والخروج عن سيطرتها. فعلى سبيل المثال منع رجال الأمن الفلسطيني المتظاهرين من الوصول إلى حاجز "بيت إيل" شمال البيرة من دون توضيح للأسباب[4]، وبهذا بقي المظهر الرئيسي للعمل ذاتيًا، يقوم به شاب منفرد أو أكثر من دون تنسيق أو انتساب حزبي، في إشارة واضحة إلى انعدام ثقة هؤلاء الشباب بالبنية السياسية القائمة على الأحزاب السياسية التقليدية والسلطة وخياراتها السياسية، بدليل لجوئهم إلى العمل من خارجها.

اندلعت "هبة القدس"، بتاريخ 14/7/2017، ردًا على قرار سلطات الاحتلال وضع بوابات إلكترونية على مداخل المسجد الأقصى، وفي إطار مواجهة السياسات الإسرائيلية التي تستهدف مدينة القدس. وشهدت مدن الضفة أحداثًا متفرقة لم ترق إلى مستوى المشاركة الفعلية، وانتهت الهبة بعد تراجع سلطات الاحتلال عن قرارها بإزالة البوابات من مداخل المسجد الأقصى في أواخر تموز 2017.

تجددت التظاهرات الاحتجاجية في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، بتاريخ 6/12/2017. وتصاعدت المواجهات مع قوات الاحتلال يوم افتتاح السفارة الأميركية بالقدس بتاريخ 14/5/2018، إلا أن هذه المواجهات كانت أشبه برد فعل آني على نقل السفارة، ولم تلبث أن انتهت.

في نهاية آذار 2018، انطلقت مسيرات العودة بزخم في قطاع غزة، ونجحت في تسليط الضوء على الحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، إلى جانب الإدانة الدولية الواسعة لجرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق المتظاهرين السلميين العزل على السياج العازل. ولكن هذه المسيرات لم تمتد إلى مدن الضفة وتجمعات اللجوء الفلسطيني في الخارج، التي اقتصر دورها على تنظيم مظاهرات وفعاليات تضامنية محدودة.

يشير تقرير للجيش الاحتلال عن العمليات المسلحة في الضفة الغربية خلال العام 2017، إلى مقتل 20 إسرائيليًا خلال 99 عملية مسلحة، مقابل مقتل 17 إسرائيليًا خلال 269 عملية نفذت في العام 2016. وذكر نداف أرجمان، رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، في تقريره أمام لجنة الشؤون الخارجية التابعة للكنيست، "أن "الشاباك" أحبط 400 هجمة خلال العام 2017، بما في ذلك 13 "هجومًا انتحاريًا"، و8 عمليات خطف"، إضافة إلى إحباط 110 هجمة فردية محتملة، واعتقال 3613 فلسطينيًا.[5]

وأشار مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، الذي رصد  بالأرقام عدد أعمال المقاومة وأعداد القتلى الإسرائيليين خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2018، إلى ارتفاع ملحوظ في عمليات المقاومة بالضفة الغربية، حيث نفذ أكثر من 4367 عملية، أوقعت 11 قتيلًا إسرائيليًا، وأصابت 159 آخرين، بمعدل (4) عمليات إطلاق نار كل شهر، و(3.3) عملية طعن ومحاولة طعن، و(1.5) عملية دهس ومحاولة دهس، و(5.3) عملية زرع عبوة ناسفة، و(26.2) عملية إلقاء زجاجات حارقة.[6]

إن ما حصل بعد عملية "عوفرا" من تصعيد وإغلاق مدينة رام الله وحصارها، وأعمال المستوطنين العدوانية تجاه الفلسطينيين، ليست معزولة عمّا سبقها من إجراءات وسياسات وقوانين عنصرية تستهدف تمرير المخطط الإسرائيلي الذي يقوم على تصفية الحقوق الفلسطينية، عبر تهويد القدس، والتوسع الاستيطاني، وضم معظم أراضي الضفة، وتكريس فصل القطاع.

لذلك، من المرجح أن يواصل الفلسطينيون تحديهم لهذه الإجراءات، والتصدي للتحديات الكبرى التي تواجه قضيتهم وحقوقهم الوطنية بكافة الوسائل، وهذا يطرح احتمال تصاعد المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا أن العمليات الأخيرة تعكس تطورًا جديدًا يتمثل في كون المنفذين منتمين لتنظيم، ولديهم خبرات في العمل السري المنظم، وهناك خلايا وتدريب جيد وسلاح متطور، وتخطيط ورصد، وتهيئة الظروف للاختباء عند عائلات، مثل أشرف نعالوة وعاصم البرغوثي، وهذا مختلف عن حالات سابقة، وربما يستفاد من دروسها، مثل حالتي باسل الأعرج وأحمد جرار.

مواقف الأطراف ذات الصلة

موقف السلطة الفلسطينية

لم يتعد موقف السلطة حدود الشجب والاستنكار للإجراءات الإسرائيلية، فأثناء حصار مدينة رام الله واقتحامها، اختفت الأجهزة الأمنية والمسؤولين الفلسطينيون. وتعقيبًا على الأحداث الجارية، قالت الرئاسة الفلسطينية:" إن سياستنا الدائمة هي رفض العنف والاقتحامات وإرهاب المستوطنين، وضرورة وقف التحريض، وعدم خلق أجواء تساهم بتوتير الوضع[7]".

يشير ذلك إلى أن السلطة غير معنية بتصاعد الأحداث، وتسعى إلى منع انفجار الأوضاع في الضفة على شكل مواجهة شعبية واسعة مع قوات الاحتلال، وذلك استمرارًا لأسلوب تعاطيها مع الأحداث السابقة، من "انتفاضة السكاكين" و"هبة القدس"، ومسيرات العودة.

تضع السلطة اليوم استمرارية وجودها كأولوية وهدف بحد ذاته، وهي ليست معنية بتفاقم الأمور وخروجها عن السيطرة، في إطار التزامها بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، واستمرار مراهنتها على العودة إلى المفاوضات الثنائية، وفق ما صرح به، رياض المالكي، وزير الخارجية الفلسطيني.[8]

موقف حركة حماس

نعت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشهيدين نعالوة والبرغوثي، وأعلنت أنهما ينتميان للحركة، وقالت: "على العدو ألا يحلم بالأمن والأمان والاستقرار؛ فجمر الضفة تحت الرماد سيحرق المحتل ويذيقه بأس رجالها الأحرار من حيث لا يحتسب العدو ولا يتوقع."[9]

وعلى الرغم من تهديدها بنقل المقاومة إلى الضفة، إلا أن جهود الحركة تركزت، كأولوية، على استمرار مسار التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي، تمهيدًا للتوصل إلى هدنة ترفع الحصار عن القطاع. وهذا ينطوي على تناقض بين أقوالها وسلوكها الميداني في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية، ويشير إلى أن لجوء الحركة للتصعيد في الضفة سيظل محكوما بهذا الاعتبار، ويضعف، بالتالي، من دورها وتأثيرها، ويحد من فرص قيام انتفاضة ثالثة.

الموقف الإسرائيلي

تمثل الرد الإسرائيلي المباشر على الهجمات الأخيرة بسلسلة من العقوبات ضد الفلسطينيين، أقرها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، تضمنت هدم منازل منفذي العمليات خلال 48 ساعة، وسحب تصاريح العمل من أفراد عائلاتهم، وحملة اعتقالات طالت كوادر من "حماس"، وزيادة الحواجز العسكرية، وفرض الحصار على مدينة رام الله[10]، إلى جانب إعلان نتنياهو عن بناء 1450 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة "عوفرا" كرد على العملية.

كما اشتمل الرد الإسرائيلي على تطور جديد تمثل بعمليات الدهم اليومية للمناطق الخاضعة للسلطة، وبخاصة رام الله والبيرة، في رسالة تهدف إلى ترسيخ دور السلطة كبلدية كبرى تدير حكمًا ذاتيًا فقط، وترويض الذهنية الشعبية لتقبل وجود الاحتلال في قلب مناطق (أ)، أي التسليم بالدور الأمني المباشر لقوات الاحتلال في مناطق السلطة.

لم يترتب على هذه الإجراءات مواجهة واسعة مع الفلسطينيين في الضفة، وهذا مؤشر مشجع لحكومة نتنياهو على المضي في سياساتها الاستيطانية التوسعية في الضفة، والمحافظة على الوضع الراهن.

عقبات تحول دون تفجر انتفاضة ثالثة

يعيش الفلسطينيون في الضفة والقطاع ظروفًا سياسية واقتصادية صعبة، نتيجة للسياسات والإجراءات الإسرائيلية التي تقوم على حصار قطاع غزة وتكريس انفصاله، وتهويد القدس، والتوسع الاستيطاني الذي ينهش الضفة والقدس، وحصر الفلسطينيين في معازل سكانية مفصولة عن بعضها البعض، والملاحقة والاعتقال للنشطاء الفلسطينيين، وهدم المنازل بحجة عدم الترخيص، واعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى، في ظل تعثر المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة، واستمرار وتعمق التبعية الاقتصادية للاحتلال، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في غرة وتراجعها في الضفة، إلى جانب المخاطر والتحديات التي تفرضها سياسات إدارة ترامب بشأن القدس واللاجئين، وتراجع الدعم العربي للحقوق الوطنية الفلسطينية، واتجاه العديد من النظم العربية نحو تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، وغيرها من العوامل التي من شأنها أن توفر بيئة موضوعية مواتية لتفجر انتفاضة ثالثة في الأراضي المحتلة العام 1967.

ولكن، هناك العديد من العوامل التي تعيق اندلاع الانتفاضة في الظروف الراهنة، ومنها:

التقسيم الجغرافي

سعت سلطات الاحتلال إلى تقسيم أراضي 1967 إلى مناطق جغرافية منعزلة عن بعضها البعض، وهي القدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة. والأهم من ذلك، أن التقسيم الجغرافي والفصل الديمغرافي أخضع التجمعات الفلسطينية لظروف وأوضاع  مختلفة، وأصبح لكل تجمع، بمرور الوقت، أولويات مختلفة، وهذا جعل من إمكانية توحدهم على أساس برنامج وقضايا عمل مشترك أمرًا صعبًا في ظل حالة الانقسام وغياب المؤسسات التمثيلية الجامعة، وبدا كأن كل تجمع مطالب أساسًا بالتصدي للقضايا والتحديات المباشرة التي يواجهها، في حين أصبح دور التجمعات الأخرى أقرب للدور الإسنادي، لا دور المشارك. وقد تجلى ذلك في العديد من الأحداث، منها "هبة القدس"ومسيرات العودة في غزة. 

حتى نهاية العام 2016، بلغ عدد العمال الفلسطينيين من الضفة في سوق العمل الإسرائيلي حوالي 121 ألف عامل[11]، إلى جانب 156 ألف موظف مدني وعسكري في الضفة والقطاع غزة لدى السلطة[12]، التي تلتزم بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، وتحرص على منع تصاعد الأحداث في مناطقها.

أما في غزة، التي تسيطر عليها "حماس" بشكل منفرد منذ العام 2007، فالأولوية لرفع الحصار ومنع انفجار الأوضاع في وجه سلطة "حماس". وأما في القدس الشرقية، فيواجه الفلسطينيون مخطط التهويد، وإلغاء الهوية الوطنية الفلسطينية، و"أسرلة" المناهج التعليمية، والسيطرة على المسجد الأقصى، والتوسع الاستيطاني، وغيرها من الإجراءات.

الانقسام الفلسطيني

أدى الانقسام الفلسطيني إلى سيطرة "حماس" الانفرادية على قطاع غزة، بعد أحداث حزيران 2007، في مقابل سيطرة "فتح" على الضفة الغربية. وساهم التقسيم الجغرافي، إلى جانب سياسات الطرفين، في تعميق الانفصال بين الضفة والقطاع.

إزاء فشل الخيارات السياسية للطرفين، خيار المفاوضات الذي وصل إلى طريق مسدود، وخيار المقاومة الذي اختزل بالهدنة كوسيلة لرفع الحصار عن غزة وتثبيت سلطة "حماس" المنفردة، تحول الصراع على السلطة إلى صراع على الشرعية والتمثيل، في ظل ضعف وعدم فاعلية قوى المعارضة الأخرى، وغياب برنامج مقاومة شامل لمواجهة المشروع الاستعماري الإسرائيلي.

يضاف إلى ما سبق، تردي العلاقات الوطنية، مع تزايد التفرد في صناعة القرار بعد إعادة تشكيل المجلسين الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية للمنظمة بما يخدم التفرد، وتحويلها إلى طرف في الصراع الداخلي، مما أضعف شرعيتها، وعمّق الخلافات بين فصائل المنظمة ذاتها.  

وهذا بدوره يضعف فرص قيام انتفاضة ثالثة، بسبب استمرار الصراع على السلطة والتمثيل، وعدم توصل الطرفين إلى صيغة لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية على أساس برنامج مواجهة شاملة مع المشروع الاستعماري الإسرائيلي، بما في ذلك انتفاضة ثالثة.

الوضع العربي

تعيش المنطقة العربية أزمات داخلية وصراعات إقليمية، أدت إلى تراجع مكانة القضية الفلسطينية في أجندة هذه الدول، التي اتجه العديد منها  إلى لتطبيع مع إسرائيل، وتجاوز بذلك بنود المبادرة العربية التي تشترط لإقامة علاقات مع إسرائيل موافقتها على قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، وحل متفق عليه لقضية اللاجئين.

وفي ظل هذه الظروفـ تعمل حكومة نتنياهو على تحقيق مكاسب جديدة في مجال التطبيع مع الدول العربية، من دون أن تكون مضطرة لتقديم أي تنازلات تؤدي إلى تسوية الصراع العربي الإسرائيلي على قاعدة قرارات الشرعية الدولية، وفي مقابل ذلك، يدرك الفلسطينيون بأن الحالة العربية الراهنة لا توفر بيئة داعمة لقيام انتفاضة ثالثة.

الخاتمة

إن الظروف التي حدثت فيها الانتفاضتان الأولى والثانية كانت مختلفة عن الأوضاع التي يعيشها الفلسطينيون اليوم، حيث التوزع الجغرافي، والانقسام السياسي الداخلي، والصراع على السلطة والتمثيل، وغياب المؤسسات التمثيلية الجامعة، وعدم التوافق على برنامج موحد وشامل للمقاومة.

كذلك فإن البيئة الإقليمية والدولية تغيرت، وتبلور اتجاه دولي مؤثر أصبح ينظر لأي شكل من أشكال المقاومة العنيفة والمشروعة للاحتلال "إرهابًا". وهذه عوامل لا تدعم قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

ومن جهة أخرى، هناك العديد من العوامل التي تدفع الشعب الفلسطيني نحو تفجير انتفاضة، وفي مقدمتها فشل خيارات قطبي السلطة ووصولها إلى طريق مسدود، وتصاعد المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وانتقاله إلى مرحلة فرض التصور الإسرائيلي لحل الصراع من طرف واحد، وتصفية القضية والحقوق الفلسطينية من خلال تكريس فصل قطاع غزة، وعزل التجمعات السكانية في الضفة، وضم معظم أجزائها، وتكريس وجود السلطة كسلطة حكم ذاتي لإدارة شؤون التجمعات السكانية الفلسطينية وحفظ الأمن، وبالتالي منع فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على 1967، أو عودة اللاجئين الفلسطينيين.

ولكن، ليس بالضرورة أن تأخذ الانتفاضة الثالثة شكل الانتفاضتين الأولى والثانية، فقد نكون أمام تحول في نسق المقاومة الشعبية يأخذ شكل الهبات أو الموجات الانتفاضية المتلاحقة.

في كل الأحوال، فإن فرص اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة يعتمد، إلى حد كبير، على العامل الذاتي الفلسطيني، وحدود قدرته على توفير شروط انطلاقها، وهذا يستدعي: أولًا، استعادة الوحدة الوطنية على أسس الشراكة الوطنية الكاملة، وإعادة بناء منظمة التحرير كإطار وطني جامع؛ وثانيًا، التوافق على برنامج مقاومة شامل تنخرط فيه تجمعات الشعب الفلسطيني كافة، ويعمل على تغيير ميزان القوى واستعادة الدعم العربي والدولي للقضية الفلسطينية، ولحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال.

الهوامش

[1] الضفة الغربية: مقتل جنديين إسرائيليين برصاص مسلح فلسطيني، BBC عربي، 13/12/2018. bbc.in/2sXEgKf

[2] هل الضفة على موعد مع انتفاضة ثالثة بعد خطاب هنية؟، موقع صحيفة الحدث الفلسطينية، 17/12/2018.  bit.ly/2CXf6zW

[3] ما الذي يدفع الفلسطينيين للانتفاض، الجزيرة نت، 22/10/2015.bit.ly/2DMC5zf

[4] منع المتظاهرين من الوصول إلى المدخل الشمالي لمدينة البيرة، وكالة معًا الإخبارية، 25/12/2018. bit.ly/2DN0tAV

 [5]الجيش الإسرائيلي يلخص العمليات المسلحة الفلسطينية للعام 2017، موقع i24، 7/1/2018. bit.ly/2Bbs0KA

[6] العام 2018 شهد ارتفاعًا ملحوظًا في عمليات المقاومة بالضفة، المركز الفلسطيني للإعلام، 31/10/2018. bit.ly/2GeNWrp

[7] الرئاسة: المناخ الذي خلقته سياسة الاقتحامات وغياب أفق السلام أدى إلى مسلسل العنف، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، 13/12/2018.bit.ly/2MGtG3e

[8] المالكي: دولة فلسطين ملتزمة بحل الدولتين والمفاوضات المباشرة، وكالة وفا، 1/11/2018. bit.ly/2WzlB4L

[9] القسام ينعي الشهيدين البرغوثي ونعالوة ويتوعد بالمزيد من العمليات، صحيفة القدس، 13/12/2018. bit.ly/2GaVonv

[10] نتنياهو يصادق على هدم منازل منفذي العمليات خلال 48 ساعة، صحيفة القدس، 13/12/2018. bit.ly/2WvpNTg

[11] الإحصاء الفلسطيني يعلن النتائج الأساسية لمسح القوى العاملة للربع الأول 2018، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 5/8/2018. bit.ly/2RpMfJP

[12] محسن صالح وآخرون، اليوميات الفلسطينية لعام 2017، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2018، ص 33.