العرب وجامعتهم... سورية وحلفاؤها..عريب الرنتاوي

السبت 12 يناير 2019 03:58 م / بتوقيت القدس +2GMT
العرب وجامعتهم... سورية وحلفاؤها..عريب الرنتاوي



ستعود سورية لجامعة الدول العربية، وسيعود العرب إلى سورية... المسألة مسألة وقت لا أكثر، هذا ما تشي به مختلف تطورات الإقليم، وما تشف عنه جملة التحركات والاتصالات بين عواصم المنطقة ذات الصلة، ما ظهر منها وما خفي.
ما جرى في القاهرة، الأحد الماضي، خلال اجتماع المندوبين الدائمين، وما سيجري فيها، الأربعاء المقبل، لا يقدمان ولا يؤخران. حالة التردد والمراوحة في مواقف بعض العواصم العربية، هي انعكاس لحالة التردد والارتباك التي تخيّم على صناعة القرار الأميركي في عهد الرئيس ترامب. ترامب الذي طلب انسحاباً سريعاً ومبكراً من سورية، عاد ومنح فرصة أكبر لتنفيذ قراره؛ استجابة لضغوط "الدولة العميقة" بواشنطن من جهة، وإفساحاً في المجال أمام حلفاء واشنطن، وبالأخص إسرائيل، لإعادة تقدير الموقف وتقرير شكل الاستجابة الفضلى للقرار الأميركي من جهة ثانية.
وكان لافتاً، أن اثنين من كبار أركان إدارة ترامب، أخذا يجوبان المنطقة طولاً وعرضاً، بعد قرار الرئيس. جون بولتون تعهد بالحلفاء غير العرب: تركيا وإسرائيل، ومايك بومبيو أخذ على اتفاقه أمر التنسيق مع مجموعة دول (6 + 2) والتي تضم، إلى جانب دول الخليج الست، كلاً من الأردن والمغرب، وسط أنباء متطايرة عن محاولة لإقناع تركيا بعدم "الانقضاض" على وحدات الحماية وقوات سورية الديمقراطية، وطمأنة إسرائيل إلى استمرار الالتزام الأميركي بمحاربة إيران في كل مكان، تحديداً في سورية، وبشتى الطرق الممكنة والمتاحة، قبل القرار وبعده. أما مع الجانب العربي، فإن البحث لن يستثني إمكانية العودة للفكرة القديمة: إرسال قوات عربية إلى شمال شرقي سورية لتحلّ محلّ القوات الأميركية المنسحبة، باعتبارها أول مهمة وتكليف لما أسمته واشنطن "الناتو العربي".
واشنطن المنسحبة ميدانياً من سورية (أرض الموت والرمال) كما وصفها ترامب شخصياً، تاركاً الحرية لإيران وروسيا أن تفعلا فيها ما تشاءان (والقول له أيضاً)، واشنطن هذه، تحديداً "دولتها العميقة"، لا تريد للفراغ الأميركي أن يُملأ من قبل الجيش السوري، ولا من النظام في دمشق ببسط سيطرته على أكثر من ربع مساحة سورية الخاضع لحكم الأكراد وحماية "التحالف الدولي". وهي أيضاً لا تريد لتركيا أن تملأ كل هذا الفراغ، مع أنها لا تمانع، شأنها في ذلك شأن روسيا، في تمكين تركيا من الاحتفاظ بـ"حزام أمني" على طول حدودها مع سورية، فتلكم "بؤرة توتر"، وسبب في انقسام داخلي مستدام بين "ثلاثي أستانا" من جهة، وبين تركيا وسورية من جهة ثانية، وهذا أمرٌ تريده واشنطن، طالما أنه سيُبقي حاجة أنقرة إليها قائمة، وطالما أنه سيمكّنها من حماية الأكراد بعد تخفيض سقف توقعاتهم، وطالما أنه سيشكل بؤرة استنزاف مستدامة لروسيا وإيران ودورهما في سورية.
أستبعد تماماً أن تستجيب الدول العربية لطلب أميركي بإرسال قوات إلى سورية، لا أحد لديه القدرة على فعل ذلك، ولا واحدة من هذه العواصم لديها الثقة بأن قواتها هناك لن تغرق في الرمال السورية المتحركة. وحين يُخيّر كثير من العواصم العربية الكبرى بين تنامي النفوذ التركي في الشمال السوري وعودة النظام لملء الفراغ الأميركي، فإن معظمها (أقله القاهرة والرياض وأبو ظبي) سيختار دمشق، وليس أنقرة، وربما هذا ما يفسر موجة "الحجيج العربي إلى دمشق" التي تعاظمت مؤخراً.
لكن ما يجعل القرار صعباً على العواصم العربية الكبرى النافذة، أن شبح إيران يخيم فوق رؤوسها وهي تفكر بإعادة سورية إلى الجامعة والعودة إلى دمشق، ومن هنا تنطلق الحاجة لانتزاع موقف مسبق من دمشق، تتعهد فيه بتقليص النفوذ الإيراني في سورية إن تعذر إنهاؤه، وهو تعهد يصعب على دمشق أن تصدره أو أن تلزم نفسها به، وذاكرتها ما زالت حيّة وطازجة بالتصريحات والمواقف العربية التي تهدّدت الأسد بالرحيل سلماً أو الترحيل قسراً وبقوة السلاح. هنا، وهنا بالذات، يكمن سر التردد والمراوحة العربيين، ولكن إلى حين، أو إلى أجل قريب على الأرجح.