معركة الصورة: غزة انتصرت على إسرائيل ..بقلم: يوآف ليمور

السبت 17 نوفمبر 2018 09:33 م / بتوقيت القدس +2GMT
معركة الصورة: غزة انتصرت على إسرائيل ..بقلم: يوآف ليمور



كان هذا أسبوعا مجنونا حتى بتعابير الاخبار التاريخية لاسرائيل. اسبوع بدأ مع هدوء في غزة، استمر في عملية كان بينها وبين الخلل الاستراتيجي خطوة واحدة، وتدحرج الى تبادل للضربات توقف خطفاً لصالح هدوء متجدد، وادى الى استقالة وزير الدفاع، وربما الى تقديم موعد الانتخابات للكنيست.

الرابح الأساس من هذا الاسبوع هو بلا شك "حماس". فبخلاف الاحساس الغريزي لكل اسرائيلي، فقد تلقت "حماس" ضربات اكثر مما أوقعت من ضربات. وكما هو الحال، من الافضل للمرء ان يكون في غلاف غزة المتعرضة للاعتداء من أن يكون في غزة المتعرضة للقصف. ولكن منحت جولة القتال المنظمة اسبوعا من المجد هو الابرز مما كان لها منذ زمن بعيد. من المشكوك فيه أن يكون هذا، من حيث الوضع الاقتصادي في غزة، يعطيها هواء للتنفس، ولكن في الشرق الاوسط فان للصورة ايضا اهمية. وفي المعركة على الصورة انتصرت "حماس". وليس صدفة ان نشرت "حماس" في وسائل اعلامها شعارا بالعبرية جاء فيه "الكورنت انتصر على الكابنيت".

إن الانجاز الأكثر اهمية لـ"حماس" هو استقالة ليبرمان. فالمدة الزمنية القصيرة بين وقف القتال ومغادرته وزارة الدفاع لم تترك مجالا للشك حول الصلة بين الفعل (وفي هذه الحالة غياب الفعل) وبين النتيجة. على اي حال فان ليبرمان نفسه ربط استقالته بالسياسة في القطاع، السياسة التي كان شريكا فيها حتى وقت فريب.

ليس واضحا متى انقلب ليبرمان. فهل حصل هذا بسبب استطلاعات قرأها أم ان ليبرمانه انقلب عليه. استمرت الفوضى في غزة سبعة اشهر ونصف الاشهر. وفي معظم الوقت كان وزير الدفاع هو المحامي الاكبر للسياسة الاسرائيلية العاقلة والمعتدلة. فقد شرح لكل سامعيه لماذا يحظر الجنون والانجرار الى معركة لن تعطي شيئا ولماذا يجب الحفاظ على جنوب هادئ لتركيز الاهتمام على الشمال.

في الاسابيع الاخيرة غير وزير الدفاع المنصرف نبرته. فلم يبدأ فقط في تأييد رد اكثر حدة بل سوّق اراءه بوحشية. فالمعارك مع نفتالي بينيت على من هو اقوى حيال "حماس" كانت دليلا واحدا فقط على التغيير. كما أن بياناته عن أنه لم يؤيد القرارات التي اتخذت في "الكابنيت" أوضحت أنه اصبح مناكفا لرئيس الوزراء ولسياسة الحكومة.

وزير الدفاع لا يمكنه ان يوجد في مثل هذه الوضعية لزمن طويل. فالكل حوله مدربون على شم الدماء. العسكريون فهموا بانه لم يعد ذا صلة، وعملوا مع رئيس الوزراء. الوزراء شعروا بانه هش، وهاجموه في وسائل الاعلام. اما هو فشعر بانه يفقد السيطرة بسرعة، ومثلما في الكازينو قرر الانسحاب منعا للخسائر.

من المشكوك فيه ان يكون ليبرمان فهم حجم الهدية التي منحها لـ"حماس". "حزب الله" بعث الى بيته وزير دفاع ورئيس اركان في حرب لبنان الثانية. ولكن هذا حصل بعد 35 يوما من القتال و144 قتيلا. وما حصل ليس فورا. اما هذه المرة فقد حصل هذا بعد اقل من يومين وقتيلين، واحد هو ضابط في عملية بادر اليها الجيش، والثاني فلسطيني قتل بصاروخ في عسقلان.

في النهاية، المال يتكلم
العملية التي قتل فيها المقدم "م" كانت الانجاز الثاني لـ"حماس"، هذا الاسبوع. كان يمكن لهذا ان يكون أسوأ بكثير. مع عدد اعلى من القتلى او المخطوفين، منع بفضل يقظة القوة التي انقذت نفسها بجسارة استثنائية – ولا يزال، فانها عملية سرية انكشفت، وفي نهايتها سقط قتيل وجريح، لا يمكن ان تعتبر نجاحا. صحيح ان "حماس" فقدت قائد كتيبة وضابطين آخرين، ولكنها أوقعت بالجيش الاسرائيلي إخفاقا لاذعا، وتلقت بالاساس الشرعية لـ"العربدة"؛ لان اسرائيل هي التي خرقت الهدوء الذي تحقق قبل يومين فقط بكد شديد.

حقيقة أن "حماس" اختارت "العربدة" جزئيا فقط تشهد بانها لا تريد حربا شاملة. صحيح انها أطلقت النار بجنون من ناحية الكمية – نحو 500 صاروخ في يومين – ولكنها حرصت على الا تخرج عن حدود الغلاف. وحتى الصاروخ على باص الجنود (انجاز آخر لـ"حماس") كان محسوبا جدا. فتحليل الحدث في الجيش يفيد بان المنظمة اختارت عن قصد اطلاق صاروخ "الكورنيت" بعد ان نزل الجنود منه وامتنعت عن اطلاق مزيد من الصواريخ على مركبات أخرى في القافلة، وذلك بهدف نقل رسالة دون الحاق عدد كبير من الاصابات يؤدي الى رد إسرائيلي قاسٍ.

بالمقابل هاجم الجيش الاسرائيلي نحو 150 هدفا في القطاع، بينها أربعة اهداف نوعية بالنسبة لـ"حماس" (بما في ذلك تدمير ارشيفات تجمعت فيها معلومات استخبارية وعملياتية كثيرة). صحيح أن الجيش امتنع عن قتل الكثير من الفلسطينيين كي لا يعطي مبررا لــ"حماس" لتوسيع القتال، ولكن الضرر الذي لحق بالمنظمة اكبر بكثير من الـ 15 مليون دولار التي حصلت عليها قبل بضعة ايام من ذلك فقط لصالح احياء نسيج الحياة في غزة. 
موضوع المال أقلق "حماس" كثيرا. ففي نظر الكثير من الفلسطينيين، اعتبرت وكأن المال اشتري بسعر بخس. صور الحقائب وفيها المال النقدي التي وصلت من قطر لعبت دور النجم في وسائل الاعلام العربية. وكانت الرسالة ان اليهود يتحكمون بالمنظمة بوساطة المال العربي. وجاء القتال ليسمح لقيادة "حماس" بشطب هذه المشاعر واستعادتها بعض المجد لمقاتلي التحرير. ولكن درءاً للخطأ فان هذا لن يستمر طويلا. ففي الشهر القادم سيتعين عليهم في غزة أن يدفعوا الرواتب.

العودة الى اختبار الجدار
الابطال الحقيقيون هم سكان الجنوب. فقد كانت لهم 14 سنة من اللظى حتى حملة "الجرف الصامد"، التي حققت لهم 44 شهرا من الهدوء المبارك الذي سمح لهم بالازدهار والتفتح. كان يكفي ان نرى زخم البناء في سديروت او الطلب المتزايد على السكن في الكيبوتسات كي نفهم بان شيئا جيدا يحصل في الغلاف.

كل هذا تشوش في نهاية آذار عندما بدأت المظاهرات الاسبوعية ومعها البالونات والحرائق وجولات القتال التي أعادت الصافرات. وعادت الحياة في الغلاف الى ان تكون متلظية، وان لم يكن كل شيء محروقا ولكن من الصعب تربية الاطفال وخوض حياة عادية عندما لا تكون لديك اي فكرة عندما يحصل هذا مرة اخرى.

أدارت اسرائيل حيال كل هذا سياسة محسوبة. وسيقول المعارضون سياسة مترددة. وكان الفهم ان خيرا لن يأتي من حملة اخرى من غزة، ستنتهي في افضل الاحوال مثل سابقتها بتعادل حامض وفي اسوأ الاحوال بشكل أسوأ. وحتى الوزراء الذين تحدثوا في وسائل الاعلام عن الحسم لم يؤيدوا ذلك في المداولات الداخلية، لمعرفتهم ثمن العملية الواسعة في القطاع. واتفق الوزراء على ان الوضع القائم هو أهون الشرور: إدارة محسوبة للنزاعات.

هناك منطق في خط عمل كهذا؛ إذا كان يترافق مع تفكير استراتيجي واسع. وكانت الفكرة هي الدخول الى خطوة واسعة تؤدي الى عملية اعادة تأهيل عميقة للقطاع يرافقها الهدوء. يمكن عمل ذلك مع "حماس"، مع أبو مازن، مع المصريين والعالم، او بتداخل من عدة اطراف. اما حكومة اسرائيل فاختارت ألا تفعل، وفضلت ادارة أزمة متواصلة لعلمها بانها ستواصل انشغالها باطفاء الحرائق التي تتسع في كل مرة.

ولا يزال التحدي اليوم (أمس الجمعة). "حماس" لن توقف المتظاهرين والجيش لن يقتل الكثير منهم خشية أن تستأنف النار.

عن "إسرائيل اليوم"