معادلة جديدة في سورية..حسين حجازي

السبت 22 سبتمبر 2018 12:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
معادلة جديدة في سورية..حسين حجازي



في كل مرة اذاً، على ما تقول الحكمة الشعبية في الأمثال "سوف لن تسلم الجرة"، والمعنى أنه ورغم ان عدد الغارات الإسرائيلية بالطيران، والقصف على أهداف في سورية التي بلغت الى الآن نحو مئتي غارة، بحسب اعتراف إسرائيلي قبل أيام لا يخلو من التبجح والغرور بل والوقاحة، فانه أسقطت في مرة سابقة من هذه الغارات التي حولت السماء السورية الى ما يشبه مساحة سائبة، واحدة من طائرات اف16، التي تسمى العاصفة. أما في المرة الثانية وهذه هي لحظة الحقيقة المنتظرة، فإن مواصلة هذه اللعبة الحمقاء سوف تؤدي الى مأساة إسقاط طائرة النقل الروسية "اليوشن 20" وقتل خمسة عشر من الضباط الروس كانوا على متنها. وحملت روسيا إسرائيل المسؤولية المباشرة عما حدث او الذي اعتبر خطأ مأساوياً.
والذي حدث ان الرئيس الروسي المنتصر في سورية على لعبة الأمم القذرة، وفي ذروة إدراكه الآن هذا الشعور الذي عجز عن تحقيقه أي من قياصرة روسيا السابقين، ان الخطأ الإستراتيجي او المأساوي والذي دفعت روسيا بسببه قبل أيام ثمناً باهظاً، انما يتمثل أولاً وأخيراً بنتيجة خيانته المستترة التي قام بها بوتين الذكي نفسه، عندما غض النظر بل وأعطى ما يشبه الضوء الأخضر او الرخصة لإسرائيل المتطرفة ان تواصل هذه الغارات تحت سمعه وبصره ضد حليفه الإيراني وأيضا النظام السوري. لأن مصلحة روسيا بعيدة المدى هي إضعاف النفوذ الإيراني وكمنافس له في السيطرة على سورية. وكانت الضربات الإسرائيلية شبه اليومية لمواقع عسكرية ولوجستية إيرانية بل وسورية تحقق هدف استنزاف قوة إيران.
ولكن اذ وسعت إسرائيل من دائرة استهدافاتها في الجغرافيا السورية حتى اللاذقية على الساحل السوري الشمالي، أي قريباً من القواعد الروسية بعد يوم واحد من الضربة الذكية التي قام بها بوتين، هذه المرة بالاتفاق مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في التوصل الى حل خلاق يبعد شبح الخيار العسكري لحل مشكلة ادلب، أي آخر معقل لوجود المعارضات المسلحة للنظام السوري. 
فقد تبين الآن وبعد الحادث المأساوي بتحطيم الطائرة الروسية، ان نتنياهو لا يمكن ان يكون حليفاً استراتيجياً لروسيا، وان مرجع الرجل ومربط خيله هو أميركا وليس روسيا. والذي حدث في إدلب كان بمثابة ضربة تحت الحزام من بوتين وأردوغان لإدارة ترامب وبعض الغرب ودول الإقليم عموما، الذين كانوا ينتظرون ان يحدث الصدام الدامي في إدلب، وبدؤوا إعلامياً في شحذ السكاكين للتدخل العسكري المكشوف هذه المرة ضد روسيا، على أمل إبقاء الاستنزاف الداخلي في سورية وإدامة الحراب التي أوشكت على نهايتها، وهو انتهى بالفعل مع الاتفاق الروسي التركي. وكان استمرار القصف الإسرائيلي هو لعب بالنار لضرب هذا الاستقرار او السلام الذي حققته روسيا وتركيا أخيراً في سورية.
ولم ترد روسيا بشكل مباشر ودراماتيكي على ما اعتبرته استفزازاً إسرائيلياً وانتهاكاً للسيادة السورية، بالإعلان عن تزويد سورية بالمنظومة الدفاعية المتطورة اس 300 على سبيل المثال، التي طالما اجلت ذلك لرفض ومعارضة إسرائيل. ولكن معظم المراقبين لاحظوا في الفترة الأخيرة من تصدي الدفاعات الجوية السورية التي استطاعت إسقاط عدد من الصواريخ الأميركية والطائرة الحربية الإسرائيلية وحتى طائرة اليوشن الروسية الأخيرة، ان روسيا على ما يبدو زودت سورية سراً بدفاعات اكثر تطوراً مما كانت تملكها وان كانت اقل مستوى في نوعيتها، الامر الذي انعكس في جرأة سورية بالتصدي للغارات الإسرائيلية وتحول الطيران الإسرائيلي الى المناورة بالقصف على الأهداف في الأراضي السورية من البحر والسماء اللبنانية. ما يعني الآن احتمال ان تزود الجيش السوري ربما سراً وفي وقت لاحق مضادات أكثر نوعية وتطوراً للتمييز بين الطائرات الأجنبية.
بَيد ان روسيا التي لم تُخفِ غضبها قامت مباشرةً وفي أول رد فعل مباشر او ميداني لها، باستعراض عضلاتها كقوة عظمى امام القاصي والداني في البحر المتوسط، بالإعلان عن اعتبار المثلث الجوي والبحر الممتد من ساحل جزيرة قبرص حتى الساحل السوري واللبناني منطقة عمليات عسكرية، ومناورات بحرية وجوية روسية مغلقة لمدة أسبوع قادم. ويمكن اعتبار ذلك انه يعكس تصميم القيادة الروسية في موقف لا يخلو من الذكاء والتحدي على تقييد حرية إسرائيل من الآن وصاعداً في استباحة الأجواء والمجال الجوي السوري واللبناني، وحتى تهديد حقول الغاز التي تسيطر عليها إسرائيل في هذا المثلث الذي أعلنت روسيا إغلاقه. ولا يقلل من هذا الافتراض ان الإجراء الروسي دافعه محاولة البحث عن بقايا حطام طائرة اليوشن 20، التي يقال إنها مزودة بأجهزة تجسس حساسة وتخشى روسيا ان تقع في ايدي الأميركيين.
لكن في غضون هذه الأزمة التي ما زالت تتفاعل، كان لافتاً تأكيد الإسرائيليين مواصلة قصف الأهداف الإيرانية في سورية، ولكن مع الحفاظ في المستقبل على التنسيق المسبق مع روسيا. رغم ان البعض في إسرائيل يدرك هذه المرة ان أزمة إسقاط الطائرة الروسية لن تمر بسهولة في انعكاسها على العلاقة بين روسيا وإسرائيل. وان ما يحدث الآن ان روسيا قد تكون بصدد رسم خطوط جديدة أمام إسرائيل وتحد من قدرتها السابقة على المناورة، وحرية القصف على اية مواقع تشاء. 
وفي هذا الصدد لا يستبعد هذا البعض الإسرائيلي ان يكون الروس قد بالغوا في افتعال هذه الأزمة لكي يقلموا او يحدوا من التدخل الإسرائيلي في الأجواء السورية، بعد أن أوشكت اللعبة على الانتهاء. ومما يعزز هذه الفرضية الإجراء الروسي في إطار ردود الفعل الأخرى على ما جرى، وهذا الإجراء يقتضي إقامة رادارات وأجهزة استشعار إلكترونية اكثر تطوراً بالقرب من الجولان، ومن شأنها كشف الأجواء الإسرائيلية بصورة مبكرة تمكن روسيا من الحصول على إنذار مبكر، في حال قيام طيرانها بالتحرك تجاه الأجواء السورية، دون ترك نفسها تحت رحمة إبلاغ إسرائيل لروسيا بهذا التحرك قبل دقيقة واحدة كما حدث في أزمة إسقاط طائرة اليوشن.
فعلام اذاً تستند إسرائيل في تأكيدها مواصلة حرية العمل ضد ما تدعيه في سورية من استهداف للتوسع الإيراني، ومد إيران بالأسلحة المتطورة او الإستراتيجية لحزب الله؟ وبالتالي فإنها تملك هذا الحق بحجة حقها في الدفاع عن النفس؟، والجواب واضح تستند على قدرتها المشاغبة على روسيا في إطار تحقيق هدفها الإستراتيجي من كل ذلك ولكن غير المعلن، وهو الحصول على حقها من الكعكة السورية أي اعتراف روسيا والجميع ولكن روسيا أولاً، بشرعية ضمها للجولان.
والواقع ان فصلاً في الصراع على سورية قد انطوى مع فشل عملية قتل الدولة السورية، وفصل جديد يبدأ الآن. واذ تقلص عدد اللاعبين او الفاعلين في هذه الأزمة عند هذه العتبة الجديدة الى أربعة، والمقصود باللاعبين الإقليميين والدوليين هم روسيا وايران وتركيا وإسرائيل، فإن معادلة الصراع التي نشهد بدايتها الآن هي في كيفية تقاسم الجوائز او المكافآت بين هؤلاء الأربعة، بعد ان بدا واضحاً ان تكثيف الغارات الإسرائيلية في غضون السنة الأخيرة على سورية بالتزامن مع هذا التحول في اللعبة، انما كان يستهدف حجز إسرائيل مقعداً لنفسها في القاطرة وكسب الاعتراف من قبل اللاعبين الثلاثة الآخرين بأحقيتها في الحصول على المكافأة أسوةً بتركيا وإيران، وذلك من المقاول او القيصر أي روسيا صاحبة النفوذ والسيطرة الأقوى.
لكن الخطأ الإستراتيجي الثالث في هذه الدراما ربما يكمن في سوء التقدير الإسرائيلي، فإذا كان ممكناً التفاهم مع تركيا حول مطالبها التي تنحصر في إبعاد الأكراد عن حدودها شمال سورية، واذا كان ممكناً أيضاً الموافقة الضمنية على حفاظ إيران بتحالفها الإقليمي مع النظام السوري وحتى الاعتراف الضمني بنفوذها الإقليمي، الذي تسعى اليه إيران لحماية نفسها وقوتها في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية. فإن روسيا كما أميركا نفسها لا يمكنهما الموافقة على إعطاء الجولان لإسرائيل، وهو ما صرح به مؤخراً حتى جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد والذي يعد من المتطرفين والأكثر تصلباً، ولهذا السبب سوف تسعى روسيا الى تحجيم قدرة إسرائيل على مواصلة الشغب عليها في سورية.