المرأة الياسمين بين الشد واللين.. محمود عبد المجيد عساف

الإثنين 23 أبريل 2018 04:45 م / بتوقيت القدس +2GMT
المرأة الياسمين بين الشد واللين.. محمود عبد المجيد عساف



ترعبني فكرة أن تكون المرأة شيء غير الياسمين، فلولا تلك الياسمين لبقي غيرها يعاني ويلات اليتم المكسور، ولبقي داخل معزوفة الحزن المكتوم.

بعيداً عن ما تذهب إليه عقول الكثير من حيث البنية التكوينية والجسدية لهذا النوع من النساء، وبعيداً من توقعاتي بآراء القراء حول أني أكتب عما أحب أن أراه في المرأة، تبقى المرأة الياسمين لا تشبه قواعد النساء، ولا  تفهم سوى مفردات الاستثناء، ولا تجيد تمثيل أدوار الضحايا والفاشلات.

كتب العالم الألماني (يوهانز كيبلر) قصة رحلته إل القمر، ووصف القمر بلذته، وكيف انعتق هو من الأرض وجذبه القمر إليه، وكأنه يروي حكايته مع المرأة الياسمين التي كان لها حضور الأمراء فاختلست قلبه ولم يعرف وجهها، تلك التي تتقن تضيق العيون في الحزن وتوسيع الصدر ليسع فتحة الشمس .

ولست هنا بصدد وصف الياسمين أو ذكر محاسنه، أو البحث عن الحالات التي تكون فيها المرأة ياسميناً، لكني بصدد الحديث عن مكنون تلك التي تتقن الصبر أكثر من الرقص على الجراح، وتحب لأجل الحب وليس لمقابل حتى وإن كان المقابل مشروعاً، تلك التي وصفتها العجائز بـــــ(الذهب العتيق).

ولأن الياسمين لا يجيد ارتداء الأقنعة، ولأن القهوة لا تجيد العبث بالأفئدة، وبعد سنين من الإفراط في الكتابة وقناعة كاملة بتقلب أحوال المرأة أياً كان تصنيفها، إلا أني أرى أن هناك نوعاً مخالفاً لكل التوقعات، نوعاً لا يعرف التفكير في وجود من يحب، نوعاً لا يتعايش مع التقصير بانتقام، ولا يحزن المشاعر لما يسمى وقتها، بغض النظر عن جمالها وأنوثتها وقدرتها على التمييز بين الذكور والرجال، وروحها الطفولية وعقلها الناضج.. فما هي إلا أنثى لا أكثر ولا أقل.

ستقول إحداهن وهي تقرأ .. نظرتك أنانية!!  وستتساءل.. أنا كذلك، ماذا مقابل كل ما ذكرت؟

أعتذر منك سيدتي، كونك سألتي نفسك هذا السؤال فأنت لست ياسميناً، ولأن نظرتي أنانية فأنت كذلك لأنك تريدين رجلاً من النور والإيمان، فالياسمين لا يقايض على قلبه ولا يساوم على عبيره، ولا يعرف المقابل، ولا يعامل بالند، ولا ير في محاولات التقرب منه اغتيالاً .

أعلم ما قد يدور في رأس البعض الآن، والسؤال الذي يمارس التقلب.. هل من منصف؟؟ هل هناك من يستحق؟! فأجيب للمرة الثانية، وليس دعوة للتسليم أو الاستسلام، الياسمين لا يسأل عن التعادل، ولا يسور الكبرياء لا يلفظ القلب ، ولا يمارس دور التضحية .

ستقول إحداهن.. سيستغل بعض الناس هذا الجمال ويعتبرونه ضعفاً، فيزدادون طمعاً، وهذه أوافقها الرأي وأقول لها: لا تكوني ياسميناً إلا لمن يستحق، إلا لمن يرى فيك الدنيا ونصف الدين.

أعود لتلك الياسمين التي لا تقبل الدخول في دوامة الاكتئاب والتفكير العميق في زمن الغدر، ولا تقطع الطريق على من يحبها بحجة الظروف، وتلك التي ترحم خدشات الزمن وتعود لما كانت تفوح عطراً بلا من  أو غرور،  تعود أنثى من الورد والريح..

أعلم جيداً أن المرأة كائن  متناقض بشكل عام، تريد ولا تريد تحب ولا تحب.. تعيش صراعاً بين العقل والعاطفة لكنها لا تصدر كلمات اللامبالاة، ولا تمثل الصمود في لحظة الاحتياج، نقية كالثلج واضحة كالشمس ولا تعرف المراوغة، لا تلصق التهم بغيرها، لا تقارن نفسها إلا بنفسها، ولا تضع معيار السعادة إلا من خلالها، تحب ما يحب من تحب ولا تنكر العشير ولو كان ذكرى، حت وإن فارقت، فالفراق عندها أخلاق، لا تشعر من خلاله بهزيمة.

قد أكون بالغت في أمنياتي بوجودها- المرأة الياسمين- بيننا، لكني أجزم أنه لو كانت أعمار بنض من حولها مؤهلاً ليعيش عشرة آلاف عام لما تمنوا غيرها.. المرأة الياسمين، الحياة لها، والوطن ينام في يديها يسع الغرباء، صورة من بدائع شتى.. تتنفس معها السكينة الصعداء .

تلك الملهمة التي لولاها لفقدنا نصفنا الثالث .