بين حق المقاومة والتحرك السياسى مسيرات العودة الفلسطينية ..بقلم - اللواء محمد إبراهيم

الجمعة 06 أبريل 2018 03:19 م / بتوقيت القدس +2GMT
بين حق المقاومة والتحرك السياسى مسيرات العودة الفلسطينية ..بقلم - اللواء محمد إبراهيم






رسالة شديدة اللهجة وعميقة المعنى، تلك التى وجهها الشعب الفلسطينى منذ أيام قليلة وتحديداً فى الثلاثين من مارسالماضى ليس إلى إسرائيل فقط، وإنما إلى المجتمع الدولى بأكمله، مفادها أن هناك شعباً محتلاً لا يزال يرنو إلى التحرروإقامة دولته المستقلة على أرضه، وأن هذا الشعب وقيادته استنفدوا كافة السبل السلمية، من أجل الوصول إلى هذا الهدف دون جدوى حتى الآن، ومن ثم فإن العالم عليه أن يتحمل مسئولية وصول الأوضاع فى هذه المنطقة إلى حالة التوتر والتردى الراهنة بل يمكن أن تتدهور الأوضاع إلى أكثر من ذلك.





لا شك أن استشهاد حوالى سبعة عشر شابا فلسطينيا وإصابةالمئات على الحدود الفلسطينية الإسرائيلية فى قطاع غزة في ذكرى يوم الأرض وفي إطار ما أطلق عليه مسيرة العودة أو يوم الأرض والعودة هو أمر يجب أن ينظر إليه العالمبنظرة مختلفة عما ذى قبل وذلك فى ضوء المحددات الخمسةالتالية:


** المحدد الأول: أن الشعب الفلسطينى لم ولن ينسى قضيتهحتى لو كانت هناك العديد من المشكلات التى يتعرض لهاداخلياً وخارجياً سواء كانت مشكلات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية أو غيرها.


** المحدد الثانى: أن هذا الشعب الصامد قادر فى أى وقت على تفجير الموقف وإعادة إحياء قضيته وأنه لن يبخل أو يتوانى عن تقديم الشهداء وأى تضحيات حتى يشعر العالم بقضيته العادلة ويسعى إلى حلها.


** المحدد الثالث: أن الشعب الفلسطينى لديه كل الحق فى استخدام مبدأ المقاومة بكافة أشكالها وهو المبدأ الذى كفلته له كافة المواثيق الدولية وأن هذه المقاومة حتى وإن خفت جذوتها فى بعض الأحيان إلا أنها لم ولن تنتهى.


** المحدد الرابع: أن أى مشروعات سياسية منقوصة أو متحيزة قد يتم طرحها من أى طرف دون أن تلبى المطالب الفلسطينية لن تحظى بقبول الشعب الفلسطينى وسيتصدى لها ويسقطها بكل الوسائل الممكنة.


** المحدد الخامس: أن المجتمع الدولى أصبح مطالباً الآن وأكثر من أى وقت مضى بأن يجد حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية وأن مسألة استمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية إلى ما لا نهاية، أمر لم يعد من الممكن السكوت عنه.


ولا شك أن هذا التحرك الفلسطينى الشعبى لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد أن أعلن العالم صمته التام وأكد عجزه أمام تشدد إسرائيل والإجراءات التى تنفذها بشكل ممنهج فى الأراضى المحتلة ولاسيما فى مدينة القدس، سواء سياسية الاستيطان التى تلتهم الأرض دون رقيب أو الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى التى تقوم بها الجماعات المتطرفة بمشاركة مسئولين إسرائيليين رسميين، بما يؤكد أن هناك موافقة حكومية على كافة هذه الإجراءات وهو أمر متوقع فى ظل حكومة نتنياهو التى تعتبر أكثر الحكومات تطرفاً فى تاريخ إسرائيل.


وبالرغم من التحرك السريع للقيادة الفلسطينية على المستويين الإقليمى والدولى والمطالبة بعقد جلسة عاجلةلمجلس الأمن لبحث هذا الموقف حتى يشعر المجتمع الدولى بحجم هذه المأساة ويتدخل بحكم مسئولياته؛ إلا أن المجلس فشل فى الوصول حتى إلى إصدار مجرد بيان يدعو إلى التحقيق فى هذه المجزرة التى ارتكبتها إسرائيل بحق مواطنين فلسطينيين عزل فى ضوء الموقف الأمريكى الرافض لصدور هذا البيان، ما يعكس حقيقة موقف الإدارة الأمريكية المتعنت والمتحيز لصالح الموقف الإسرائيلى ولا أدرى متى ستكون تلك الإدارة منصفة وهى تتعامل مع هذه القضية القائمة منذ أكثر من نصف قرن.


وفى نفس الوقت يظل السؤال المطروح الذى يفرض نفسه بقوة على كل من يتابع هذه التطورات، ماذا يتوقع العالم من شعب يناضل من أجل الحصول على حقوقه المشروعة ووصلت جهوده إلى طريق مسدود نظراً لموقف الحكومة الإسرائيلية التى أسقطت عملية السلام ومبدأ حل الدولتينمن أجندتها السياسية, وكذلك قيام الإدارة الأمريكية بإعلان اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إلى القدس, بالإضافة إلى عدم إعطاء المجتمع الدولى أى اهتمام للتوجهات السياسية السلمية للقيادة الفلسطينية، التى كان آخرها التجاهل التام لخطاب الرئيس أبو مازن فى مجلسالأمن فى العشرين من فبراير الماضى، الذى طرح خلاله خطةسلام متكاملة تعامل معها العالم للأسف وكأنها لم تكن.


ومن ناحية أخرى، فقد تعاملت إسرائيل مع هذه المسيرات السلمية بقدر كبير من التصدى العسكرى العنيف لها دون أن تلقى بالاً لنتائج وتداعيات إطلاقها الرصاص الحى على المواطنين ولم تعر أى اهتمام لتصاعد أعداد الشهداء والمصابين, ومن الواضح أن إسرائيل هدفت من ذلك إلى بث رسالة مفادها أنها لن تتهاون مع أى تحركات تتم على حدودها مع قطاع غزة وأنها ستستخدم فى مواجهتها كل الوسائل العسكرية من أجل منع عملية تكرارها مرة أخرى, كما يتضح أن إسرائيل تمارس هذه السياسة العدوانية وهى على قناعة كاملة بأن هناك دعماً أمريكياً لها سيحول دون اتخاذ أى إجراءات مضادة لها فى كافة المحافل الدولية. 


وفى الوقت نفسه، وفى ظل تقاعس المجتمع الدولى عن التدخل فقد يتجه الفلسطينيون إلى تصعيد إجراءاتهم خلال المرحلة القادمة فى ظل وجود أحداث أخرى مقبلة “١٧ إبريل ذكرى يوم الأسير – ١٥ مايو ذكرى قيام دولة إسرائيل وتوجه واشنطن لبدء إجراءات نقل سفارتها إلى القدس فى هذا التوقيت” الأمر الذى يفرض على المجتمع الدولى سرعة التحرك لاحتواء احتمالات تدهور الموقف وعدم إمكانية السيطرة عليه رغم وجود دعوات فلسطينية وعربية مختلفة لترشيد مثل هذه المسيرات وعدم إتاحة المجال أمام إسرائيل للتصدى لها بكل عنف وقوة. 


ولا شك أن استمرار هذا الوضع سيؤدى إلى مزيد من التوتر فى هذه المنطقة بما قد يؤدى إلى تدهور غير محسوب خاصة مع التهديدات الإسرائيلية بتصعيد عملياتها وضرب قطاع غزة بما سيستتبعه بالتالى ردود فعل من جانب كافة التنظيمات الفلسطينية فى غزة أو فى الضفة الغربية أو مناطق أخرى, وبالتالى من الضرورى أن يتم التدخل العاجل من الأطراف المعنية لاحتواء الموقف أولاً ثم التحرك السياسى فى أعقابهدوء الموقف مباشرة, وفى هذا المجال أرى أهمية أن يتمهذا التحرك على المستويات الثلاثة التالية:


على المستوى الفلسطينى 


استمرار التحرك الفلسطينى على المستويين الإقليمى والدولى من أجل تجميع أى ضغوط على إسرائيل لإدانتها قدر المستطاع على ما ارتكبته من اعتداءات فى يوم الأرض وهذا التحرك هو أضعف الإيمان رغم أهميته المعنوية.


اتخاذ التنظيمات الفلسطينية فى قطاع غزة كافة التدابير الوقائية لعدم سقوط شهداء بالشكل الذى حدث مؤخراً، حيث يجب أن تتسم كافة هذه المسيرات بالسلمية التامة والسيطرة القيادية على تحركاتها مع عدم الاقتراب من أى خطوط تماس قد تؤدى إلى تكرار نفس الموقف بالإضافة إلى ضرورة ألا تخضع هذه المسيرات إلى أجندات أى تنظيم أو فصيل.


** العودة مرة أخرى وفور تحسن الأوضاع إلى الاجتماعات بين حركتى فتح وحماس برعاية مصرية من أجل تحقيق المصالحة وبمشاركة الفصائل الفلسطينية كلما كان ذلك ممكناً ومفيداً.


على المستوى العربى


تحرك الدول العربية – أو بعضها - مع كافة الأطراف المعنية بما فى ذلك إسرائيل نفسها لوقف عدوانها على الفلسطينيين العزل وضمان عدم تكرار هذه المجازر فى حالة قيام مسيرات سلمية فى المناطق الفلسطينية, مع أهمية توصيل رسالة إلى إسرائيل مفادها أن استمرار رفضها عملية السلام ومنح الفلسطينيين حقوقهم لن يؤدى إلا إلى تهديد حقيقى لأمن إسرائيل بل ويؤثر على استقرار المنطقة كلها. 


ضرورة أن تسعى القمة العربية المقبلة فى الرياض للتعامل بشكل مختلف وأكثر جدية ووضوحاً تجاه القضية الفلسطينية فى المرحلة القادمة بعيداً عن عبارات الشجب والإدانة والمطالبات المجردة وأهم عناصر هذا التعامل تتمثلفى إحياء المبادرة العربية للسلام بآليات تنفيذية والعمل على تسويقها فى فترة زمنية قصيرة، بالإضافة إلى إعلان الرفض العربى القاطع لأى خطط سلام لا تلبى المطالب الفلسطينية والعربية مهما كانت طبيعة الطرف الذى سيطرح هذه الخطة.


على المستوى الدولى 


استمرار التحرك الأوربى والروسى لمواجهة الموقف الإسرائيلى بالرغم من الموقف الأمريكى الرافض لإدانة إسرائيل.


الضغط الدولى على إسرائيل كلما كان الأمر ممكناً لضمان عدم قيامها بهذه الاعتداءات على المسيرات الفلسطينية السلمية مرة أخرى.


التحرك الجاد لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية فى أقرب فرصة ممكنة على أسس متفق عليها، وهو الأمر الأكثر أهمية فى رأيى حتى نبدأ فى تغيير المعادلة الراهنة منخلال مفاوضات سلام حقيقية.


** رفض الجانب الأوربى أى مشروعات سياسية مطروحة لا يقبلها الجانبان الفلسطينى والعربى والتجاوب مع الدول العربية إذا ما اتجهت إلى إعادة تنشيط المبادرة العربية للسلام.