اعتداء التفجير يكشف درجة الاحتقان..صادق الشافعي

السبت 17 مارس 2018 12:34 م / بتوقيت القدس +2GMT




قبل انتهاء التحقيق وتوجيه اتهام رسمي الى الفاعل أو الفاعلين فإنه لا يجوز بحال إطلاق التهم جزافاً شرقاً وغرباً حسب المزاج واتجاه الشكوك او حسب المواقف المسبقة، او ربما في محاولة للتأثير على مجرى التحقيق أو بهدف تعبئة جماهيرية باتجاه معين.
كل هذا وغيره لا يجوز ولا يمكن ان يقود الى الحقيقة ولا الى المتهم الحقيقي ويقود فقط الى تعظيم البلبلة الجماهيرية. المطلوب هو الانتظار حتى تصل التحقيقات الى نتائج محددة أو الى مؤشرات تمتلك درجة عالية من المصداقية والاحتمالية الوازنة .
المطلوب أو الصحيح ان يتم التحقيق في الاعتداء بالمنطق الوطني وان  يتولى مسؤوليته الأمن الوطني الفلسطيني الواحد. ولا يجب ان يتم بمنطق التعاون بين جهازي أمن الأول هو( أمن السلطة او أمن رام الله كما يحلو للبعض تسميته) والآخر «أمن غزة» أو «أمن حماس».
حركة حماس بالذات تقع عليها مسؤولية خاصة في تسهيل إجراءات التحقيق وتكاملها، فقط من باب أنها سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة طوال السنوات العشر الماضية والمتحكمة بكل أموره والمسيطرة على كل الأجهزة فيه.
اهم ما يقدمه حادث الاعتداء إضافة الى كل ما كتب عنه وعن معانيه وخلفياته ومدلولاته، أنه يؤشر ويكشف درجة الاحتقان شديدة الخطورة التي أوصلنا لها الانقسام المدمر والتي تعبر عن نفسها بهذا العمل الدموي، خصوصاً اذا أظهرت التحقيقات وجود صلة ما بين المنفذين وأي من التنظيمات المعروفة بغض النظر عن درجتها ومستواها وحتى  لو لم تتعدَّ مستوى التعاطف والتأييد ودون الوصول الى الانتماء التنظيمي، وحتى  لو تأكد ما هو متوقع  ومرجو أنه لم يكن وراءها قرار تنظيمي من أي من التنظيمات المعروفة، ولا حتى إيحاء.
إظهار التحقيقات لمثل هذه الصلة كما هي موصوفة، قد يقدم مدخلاً لتفسير كيفية الحصول على المتفجرات التي استُعملت في الاعتداء، وكيفية اكتساب الخبرة في زرع المتفجرات وتفخيخها، ثم تفجيرها عن بعد.
في الوصول إلى درجة الاحتقان المذكورة لا يمكن تجاهل أو إنكار دور حملات التحريض شديدة الحدة، شديدة التطرف، طويلة المدى والتواصل، وشديدة القسوة والابتعاد عن الموضوعية وعن الضرورات الوطنية في العديد من الحالات. ولا يمكن تجاهل أو إنكار حالة الأزمة العامة التي يعيشها سكان القطاع بشكل عام والمستمرة منذ سنوات دونما علامات فرج او آمال بالانحسار.
 ولا يمكن إنكار او تجاهل تفريخ الانقسام لأزمات تفصيلية تطال قطاعات محددة من الناس مثل أزمة الموظفين العموميين وغيرها. وهي أزمات بقدر ما تطالهم وعائلاتهم في عيشهم وقوت يومهم، فإنها تطال كراماتهم ونضالية البعض منهم وتحولهم الى مادة للتوظيف التنظيمي،  وحسابات الدور والسلطة أيضاً. 
وبالتأكيد فان الانقسام واستطالته كل هذه السنين وتعمقه وتغوله وامتداده الى كل الاجهزة والدوائر والمؤسسات والى حياة الناس، يشكل اولاً وأساساً الخلفية والاساس والسبب الرئيس لحالة الاحتقان المذكورة، خصوصاً وان كل محاولات ومساعي الخروج منه تصل في النهاية الى طريق مسدود.
 نحمد الله ونشكر الأقدار، أن اعتداء التفجير لم ينجح. ونهنئ بالسلامة والنجاة رئيس الوزراء ومدير المخابرات العامة وكل من كان في الموكب من أعضاء وأمن وحراسات، ونهنئ معهم، وربما قبلهم، الوطن والمواطنين. فلو قُدر لاعتداء التفجير ان ينجح وأوقع ضحايا بمستوى المذكورين فإن الاحتقان كان سيأخذ شكل مزيد من الانقسام/ الانشقاق/ الانفصال الوطني بين الضفة والقطاع لا يعلم إلا الله مداه وحدوده وحدود التدمير الذي كان سيلحقه بوحدة الشعب والمجتمع، وبوحدة الوطن ايضاً.
هل هي صدفة محضة، ام هي مجرد غباء من المخططين والمنفذين، اختيار هذا التوقيت لاعتداء التفجير، أم أنه يجب البحث عن أصابع دولة الاحتلال وراء هذا التوقيت.
فالاعتداء حصل قبل يوم من المؤتمر الذي عقد في واشنطن تحت عنوان تمويهي هو تقديم الدعم والمساندة الإنسانيين لقطاع غزة للخروج من أزماته الخدمية والحياتية. بينما الهدف هو محاولة ( بغض النظر عن امكانية ودرجة تجاوب الأطراف الأخرى المشاركة معها) للتأسيس لواحد من البدائل المطروحة في مشروع صفقة عصر الرئيس الاميركي ترامب. وهو إقامة «الدولة الفلسطينية» في غزة فقط، وربما بضم اجزاء محدودة من الضفة، وايضاً محاولة والسعي لتوسيعها باراض تُقتطع من سيناء المصرية.
والبديل المذكور يعني ضرورة  فصل القطاع عن الضفة والتجاهل التام للسلطة الوطنية الفلسطينية والقفز فوق دورها ومطالبها ومشروعها.
الأمور لا تحتاج الى الشرح ولا إلى التمني أو الوعظ، فهي تشرح نفسها بنفسها. 
وحسب الشاعر الأبنودي «الحل مش من برّه... الحل من جوّه».