فضيحة أميركا: الكفاح السلمي المطلوب.. أشرف العجرمي

الأربعاء 20 ديسمبر 2017 09:31 ص / بتوقيت القدس +2GMT
فضيحة أميركا: الكفاح السلمي المطلوب.. أشرف العجرمي



الرفض الأميركي، الذي ترجم باستخدام حق النقض (الفيتو)، لمشروع القرار الذي قدمته مصر في مجلس الأمن والذي يتحدث أساساً عن رفض أي قرار أو عمل يهدف إلى تغيير الطابع أو الوضع أو التكوين الديموغرافي للقدس هو باطل ولاغٍ ولا قيمة قانونية له. طبعاً المقصود بذلك قرار الرئيس دونالد ترامب وما تقوم به إسرائيل منذ احتلالها للمدينة المقدسة وضمها إليها في عام 1967، يعبر عن مأزق الولايات المتحدة وعزلتها الدولية الكبيرة، خاصة وأن سائر أعضاء مجلس الأمن البالغ عددهم أربعة عشر عضواً من أصل خمسة عشر صوتوا لصالح القرار. فواشنطن بهذا الموقف تقف على طرف نقيض من العالم أجمع. ولا شك هي في وضع تحسد عليه لأنها لم تستطع أن تجند معها أي دولة أخرى.
هذا ( الفيتو) لا يقلل من أهمية الإنجاز الفلسطيني بالحصول على دعم المجتمع الدولي في مختلف أرجاء العالم، وهو وإن كان خطوة أميركية خاطئة ومستهجنة كونها تعبر عن انحياز أميركا لإسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني وعلى الأرض الفلسطينية المحتلة وعلى المدينة المقدسة التي تشهد حملة تهويد مكثفة جداً في عهد حكومة بنيامين نتنياهو فإنما يمثل حافزاً للفلسطينيين للمضي قدماً في طرق أبواب المنظمة الدولية لتكريس الاعتراف بالحق الفلسطيني، والتأكيد على الفصل التام بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران من العام 1967، ولا شك أن قرار القيادة الفلسطينية الانضمام إلى المنظمات الدولية التي لم ننضم إليها هو خطوة بالاتجاه الصحيح ولكنها غير كافية وحدها.
ما حدث في مجلس الأمن وقبله في قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها يظهر الحاجة إلى حماية حقوق الشعب الفلسطيني في أرض وطنه، وحماية حل الدولتين الذي يتآكل بفعل السياسة الاستيطانية التهويدية الإسرائيلية المدعومة من واشنطن. وفي هذا السياق يحتل موضوع الاعتراف بدولة فلسطين في حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية أهمية استثنائية، كونه يبطل القرار الأميركي غير القانوني والذي يخالف قرارات الشرعية الدولية، ويبطل كذلك الإجراءات الإسرائيلية.
الاعتراف الدولي الواسع الذي من المفروض أن يصل إلى ما يشبه الإجماع الأممي يحتاج إلى مجموعة من العوامل المساعدة، أولها استمرار الحركة الشعبية السلمية وغير العنيفة في الأراضي الفلسطينية للتعبير عن رفض قرار ترامب والتمسك بالحقوق الفلسطينية والمطالبة بإنهاء الاحتلال، وطالما بقيت حركة الشارع حية طالما شعر العالم بإلحاحية التوصل إلى تسوية عادلة للصراع على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة منذ عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. والعامل الثاني هو الموقف العربي الداعم، فتوحُّد العالم العربي خلف مطالب الشعب الفلسطيني له أهمية كبيرة في حشد الموقف الدولي، بدءاً من موقف منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي ومنظمة عدم الانحياز والمجموعات الدولية المختلفة بما فيها الاتحاد الأوروبي.
قد لا نصل إلى اعتراف أوروبي كامل بدولة فلسطين على غرار ما قامت به دولة السويد لأن بعض الدول الأوروبية لا تزال تأتمر بأمر الولايات المتحدة وبعضها صديق قريب لإسرائيل، ولكن هذا لا يمنع من تشجيع مجموعة من الدول الأوروبية متجانسة في موقفها وتدرك أهمية هذه الخطوة على تشكيل نواة تأخذ مبادرة الاعتراف بدولة فلسطين وتلتحق بموقف السويد دون انتظار حصول إجماع أوروبي يبدو صعباً في هذه المرحلة. وقيام دول أوروبية وازنة بالاعتراف بدولة فلسطين سيكون له تأثير مهم على حسم خيارات التسوية السياسية.
لا شك أن استخدام الإدارة الأميركية حق النقض ضد مشروع القرار المتوازن والمعتدل والمنصف يؤكد الحقيقة التي تثبتها التجارب الماضية، وهي أن واشنطن لا يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً أو موضوعياً أو محايداً ولو بصورة نسبية بما يؤهلها للعب دور في تقريب وجهات نظر طرفي الصراع وانجاز التسوية المنشودة، ومع ذلك لا يمكن اعتبار الولايات المتحدة خارج اللعبة لأن إسرائيل لا يمكن أن تقبل أي حل لا تكون أميركا طرفاً فيه. ولهذا فالمطلوب البحث عن صيغة تنهي تفرد الولايات المتحدة برعاية العملية السياسية أو لعب دور الوسيط الوحيد فيها. ولعل الصيغة الدولية التي تم فيها حل مسألة الملف النووي الإيراني خمسة زائد واحد أو أي صيغة أخرى مشابهة يكون فيها مجلس الأمن وأية أطراف دولية الراعي للعملية السياسية هي مناسبة جداً لحل الصراع وتحقيق السلام، لأنها بكل تأكيد ستستند إلى المرجعيات الدولية من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة في التأسيس لتسوية عادلة ومقبولة. 
ولعل الاعتراف الدولي يحقق خطوة مهمة تساعد أي إطار دولي يمكن أن ينبثق عن المؤسسات الدولية المختلفة في التقدم على طريق الحل، إذ ستكون على طاولة المفاوضات دولتان معترف بهما على حدود 1967، حتى لو كانت إحداهما وهي الدولة الفلسطينية لا تزال تحت الاحتلال، وهنا يتحقق التوازن النسبي المفقود في المفاوضات السابقة، هذا عدا عن وجود أطراف دولية عديدة تحتكم إلى القانون والشرعية الدولية.
مرة أخرى لا بد من التأكيد على الطابع السلمي للنضال الفلسطيني في هذه المرحلة، فهذه هي نصيحة كل أصدقاء الشعب الفلسطيني الذين هم حريصون على تحقيق العدالة. والذهاب الآن للكفاح المسلح كما تنادي بذلك بعض الجهات الداخلية أو الخارجية يمثل وصفة للتدمير الذاتي ويعيد تكرار تجربة الانتفاضة الثانية ولكن بصورة أسوأ. وما حصل برغم كل شيء هو في صالح القضية الفلسطينية وأعادها إلى مركز الاهتمام الدولي كقضية مركزية ملحة وعلينا أن نستغل هذا الزخم ونتقدم في مشروع الدولة المستقلة.