فلسطين في النص زياد ..خدّاش

الثلاثاء 05 ديسمبر 2017 12:39 م / بتوقيت القدس +2GMT



خلف معنى الخارطة تكمن الخصوصية الأدبية والسياسية، فقد اتخذت فلسطين خصوصيتها من النصوص التي أنتجتها والنصوص التي أنتجت فيها، ثمة مواقع جغرافية في العالم ذات قداسة وجمال وسحر يفوق معنى فلسطين وقداستها، وهناك معارك ومحارق في التاريخ بعضها ثبت كحالة خاصة، وآخر سقط من التاريخ، والأخريات تم تحريفها وتشويهها.
أمّا فلسطين فبقيت حالة خاصة ناقصة باكتمالها ومكتملة بنقصها، فحكاية فلسطين، كما قال درويش، هي حكاية طروادة التي لم تروَ، هنا تكمن الحالة وهنا تكمن الخصوصية. 
في نظرة عجلى تظهر فلسطين النصية في كلام ناسها ورواياتهم الشفوية، التي تحولت إلى أبجديات الحديث اليومي كحكايات الأجداد التي تحكى على ضوء المواقد وأغراض يومية مثل المفاتيح وشهادات الأرض وأوراق النقد وأوراق شخصية تجاوزت معناها العادي لتدخل في مشهد التاريخ من بوابة التوثيق، وذلك كنوع من هوس الهوية من جهة، وكحاجة لسد النقص في الأرشيف واستعماره، حيث لفلسطين أرشفيها هو أرشيف استعمارها، فهي جزء من الأرشيف العثماني والبريطاني والإسرائيلي، ولكي تستقل فلسطين تحتاج إلى أرشيفها وتحتاج لنصها، وهنا تكمن الحاجة للأرشيف، وتكمن تاريخية الكتابة.
ضمن هذا الإطار ولدت الرواية كنص يجمع التاريخ، كوصف لحياة الناس من جهة، وكصورة لوعي فردي يبحث عن الخلاص بكل ما فيه من عمق وجودي، فكانت النصوص تعكس سيرة الناس وسيرة وعيهم الجميل، في أدب غسان كنفاني، نصوص تقرأ الفلسطيني الذي يرتحل عبر الشمس ويموت ثمناً لرحلة خاطئة، رحلة يستعيدها جبرا إبراهيم جبرا كرحلة في العشق والسفر والحب والعبث وسفر الشعر وسفر الفن الجميل، فلسطين نفسها كانت نصاً ولد ونما تحت مطارق المحتلين، فثمة نصوص لدرويش وحبيبي والقاسم ولدت في عتمة الزنزانة والنفي والاعتقال وتحت ضغط الإلغاء القومي ضمن حالة إرهاب دولة عنيف فجاءت فلسطين عنيفة، وفلسطين متنكرة مثل شخصية سعيد أبي النحس المتشائل، تلك الحالة المتشائلة التي شكّلت عباءة لنص رسم ميلاد خارطة أخرى، هي فلسطين المقاومة مع أدباء وفناني بيروت في مرحلة الرصاص، وفلسطين التي ترسم نصها في نصوص تعيد إنتاجها، فلسطين الشهيدة فلسطين الأرض والمخيم، فلسطين غير المكتملة لم تنطق كلمتها بعد، لأنها نص دائم الحضور، ودائم الاخضرار، هي كالحياة، تدوم ما دامت خضراء، فلسطين شجرة تمثل النصوص أوراقها المتجددة.