التقاعد المبكر وتداعياته.. سليم ماضي

الخميس 23 نوفمبر 2017 09:52 ص / بتوقيت القدس +2GMT
التقاعد المبكر وتداعياته.. سليم ماضي



 يتمتع معظم موظفي العالم سواء في الدول الديمقراطية أو الدول النامية بالأمان الوظيفي، وتقوم فكرة الأمان الوظيفي على رفع درجة الطمأنينة لدى الموظف على مستقبله الوظيفي، وإنهاء جميع صور القلق على ذلك المستقبل وكشف ضبابيته، والأمان الوظيفي هو أساس الابداع والنجاح والاستمرارية لكل الموظفين، وبالتالي يشكل البيئة الصحية الصالحة للعمل وبيئة خصبة للإنتاجية والابتكار والولاء مما يترتب عليه تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي آمنوا بها وضحوا بأنفسهم وأعمارهم من أجلها.

وفي الحالة الفلسطينية التي تعتبر فريدة من نوعها، حيث أدت حالة الانقسام السياسي إلى وجود حكومتين لكل منها موظفيها، وأصبح موظفي السلطة الشرعية في قطاع غزة خارج نطاق عملهم طوال فترة الانقسام وذلك بقرار رئاسي، وقد دفعوا خلال فترة الانقسام استحقاقات كثيرة، فكانوا ضحية مرحلة الانقسام، ورغم ذلك صمدوا وصبروا، وكانوا يدركون بأن لهم أهداف ورسالة نبيلة لا بد من تحقيقها يوماً ما، ولم يكونوا يعلموا أنهم سيكونون ضحية المصالحة، وأن أمالهم وطموحاتهم سوف تتبخر مستقبلاً. ولا يمكن أن نغفل أو ننكر أن المصلحة العامة مقدمة على الخاصة؛ فعند النظر بمنظور وطني واسع فإن التقاعد المبكر هو إجراء صحي من أجل فسح المجال للدخول في استحقاقات ما بعد المصالحة؛ من دمج للموظفين واستيعاب أفواج الخريجين والبطالة الذين صمدوا كثيراً خلال فترة الانقسام. لكن الشيء المؤلم على النفس هو الطريقة والأسلوب والآلية المتبعة إلى جانب الحقوق والمحفزات والامتيازات التي فقدت.

كان من الأجدر بالقيادة السياسية للسلطة اتباع اسلوب حضاري في تقاعد موظفيها من خلال توجيه رسالة شكر وعرفان بالدور الوطني والأخلاقي والوظيفي الذي أدوه طوال خدمتهم العسكرية والتزامهم بقرارات قيادتهم. كما كان من الواجب على السلطة وهي تفرض التقاعد المبكر الاجباري أن تعطي المتقاعدين حقوقهم أسوة بمن سبقوهم: (راتب مئة بالمئة- من أمضى ثلثي المدة اعطائه الرتبة المستحقة- اعطائهم فرق الرتبة على الأشهر السابقة لمن له استحقاق- اعطائهم امتيازات كما فعل الرئيس أبو عمار رحمه الله 300 شيكل- اعطائهم حوافز نهاية الخدمة- اعطائهم الخصومات 30%)، إضافة إلى أن التقاعد كان يجب ألا يتجاوز سن الخمسون عاماً الا اختيارياً. فإذا كان أحد أهداف التقاعد هو تعديل السلم الوظيفي المقلوب، فلماذا إذاً يتم فرض التقاعد على شباب أعمارهم 35 عام وهم من الرتب الدنيا "صف ضباط"؟.

إن التقاعد بهذه الآلية وهذا الأسلوب سوف يكون له تداعيات وانعكاسات جمة أنية واستراتيجية على جيع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتنظيمية: تداعيات اقتصادية واجتماعية إن المطلع على الأحوال الاجتماعية والمعيشية للمجتمع الفلسطيني يدرك تماماً أن أصعب مرحلة عمرية يمر بها الانسان الفلسطيني من سن 40- 50 عام تقريباً حيث يكون أسرة ويصبح أبنائه في هذه المرحلة شباب في الجامعات والمدارس وأيضاً في سن الزواج، والجميع يعلم أن توسيع وتطوير الأسرة يتطلب مصاريف وفيرة، وهو لا شك أن الموظف هو المعيل الوحيد للأسرة، في ظل حالة البطالة المفروضة على أبناء الموظف بحكم انتمائه السياسي؛ لذلك تجد ان غالبية موظفي غزة غارقين بالتزامات بنكية وغيرها من المؤسسات "كفاتن وغيرها"، وذلك نظراً لغلاء المعيشة وازدياد أعباء الحياة.

وهو ما سيجعل هؤلاء الموظفين غير قادرين على تسديد فواتير متطلباتهم من شيكات وديون مستحقة، الأمر الذي سيدفعهم للسجن وسيجدو أنفسهم مع فئة المجرمين والنصابين رغم أنوفهم. اضافة إلى نشوب مشاكل اجتماعية واقتصادية كثيرة لا يمكن سردها هنا. تداعيات سياسية وتنظيمية لا شك أن احالة آلاف الموظفين على التقاعد بهذه الطريقة سيؤثر حتماً على توجهاتهم واختياراتهم في الانتخابات القادمة لأعضاء المجلس التشريعي والوطني والانتخابات الرئاسية المتفق على إجراءها في اتفاق القاهرة 2011 بين الفصائل الفلسطينية.

وهو ما سينعكس سلباً على شعبية حركة فتح التي ينتمي إليها معظم الموظفين. اننا لا نغفل الأعداد الكبيرة التي خرجت بالأمس القريب احتفاءً بذكرى الشهيد القائد أبو عمار رحمه الله، لكن هذه الجماهير التي تترقب تغيير أوضاعها؛ ستجدها تبخرت في حال عدم وجود قيادة قوية قادرة على استيعابهم وفق خطط وبرامج لاحتواء هذه الجماهير ضمن السلم الوظيفي وتوفير فرص عمل وفتح آفاق مستقبلية وفتح أبواب التجارة الداخلية والخارجية وفتح المعابر الاقتصادية سيجعل هذه الجماهير تفقد الثقة بما تؤمن به وسيجعلها تبحث عن طرق أخرى.

ومن الممكن أن تدفع تلك الأوضاع بعض الشباب إلى تبني الفكر المتشدد والمنحرف وهو ما حذر منه الكثير من الباحثين. وهنا نذكر بأن غالبية موظفي السلطة المتقاعدين هم أصحاب تاريخ نضالي طويل وهم من قادوا انتفاضتي 1987- 2000، وهم من أسسوا السلطة ودافعوا عن أهدافها وحملوا رسالتها؛ فهل يعقل أن يخرجوا من وظائفهم دون أن يتوفر لهم رواتب وامتيازات نهاية الخدمة كي يستطيعوا أن يعيشوا من خلاله مع أسرهم حياة كريمة.

وفي الختام كلنا أمل وثقة بقيادتنا الحكيمة أن تعيد النظر في حيثيات قانون التقاعد المبكر من أجل تمكين صمود المواطن لمواجهة أعباء المرحلة والعبور نحو مستقبل آمن. ومن هنا نؤكد التفاف الشعب حول قيادتنا لمواجهة أي عقبات من شأنها أن تعيق خطوات انهاء الانقسام وطي هذه الصفحة بلا رجعة لأنها شكلت صفحة سوداء في تاريخ شعبنا المناضل.

كما نؤكد وقوفنا خلف قيادتنا الحكيمة ضد جميع المؤامرات الاقليمية والدولية التي تحاك بهدف القفز والقضاء على القضية الفلسطينية فيما يسمى "صفقة القرن"، ونؤكد وقوفنا خلف قيادتنا أيضاً تجاه أي خطوات سياسية تعيد لنا الحقوق الوطنية الفلسطينية بإقامة الدولة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين، والافراج عن الأسرى، وحدود آمنة على كل أراضي الدولة الفلسطينية بما فيها نهر الأردن، وتحقيق المصير.