عهد محمد بن سلمان وكارثية المشهد ... اسماعيل مهرة

الثلاثاء 21 نوفمبر 2017 12:39 م / بتوقيت القدس +2GMT
عهد محمد بن سلمان وكارثية المشهد ... اسماعيل مهرة



يبدو ان عهد الملك سلمان وابنه محمد - الذي في طريقة لينصب ملكًا - بات يُعرف بالعهد الأكثر ثورية، بالمعنى الانقلابي التغييري العميق على المستوى السياسي والاجتماعي، وعلى مستوى نظام الحكم والصراع في المنطقة.

منذ ان جاء الملك سلمان للحكم، في أعقاب وفاة شقيقه الملك عبدالله، شهدت السعودية الكثير من التغيرات التي تشبه إلى حد بعيد الانقلاب على الماضي القريب، وعلى أهم ما اتصفت به سياستها الخارجية من هدوء وعمق؛ فدخلت حربًا بشعة في اليمن أطلقت عليها "عاصفة الحزم"، وباعت نفسها لترامب، وتقود بخطى ثابتة ومتسرعة انفتاحًا على إسرائيل، متجاهلة كل الضوابط والمحاذير ومستخفة بمشاعر العرب وقافزة عن التابوهات العربية، قادت ما يشبه الحرب الدبلوماسية والاقتصادية على قطر، وأطلقت حملة استثنائية وغير مسبوقة لما أسمته بمحاربة الفساد، حيث طالت الاعتقالات والتوقيف عددًا كبيرًا من المتنفذين داخل العائلة المالكة، وأخيرًا مسرحية استقالة الحريري التي أعلنها أو أجبر عليها من الرياض، والأخطر في تصريح استقالة الحريري هو مبررات استقالته التي يبدو أنها كتبت داخل مكاتب وزارة الخارجية السعودية، حيث حملت ذات المفاهيم وذات المفردات التي تتهم وتدين حزب الله وإيران وتهددهم بقطع اليد. هذا فضلًا عن الإعلانات الثورية لولي العهد محمد بن سلمان أو كما يطلق عليه "ام. بي. اس" في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، في محاولة لكسب الشباب واكتساب الشعبية وتشجيع المستثمرين.

سياقات التغيير التي يقودها ولي العهد وسرعة تواترها تثير الاستغراب والكثير من القلق والاستنكار، لا سيما وأن الحكم على نجاعة تفكيره وقدراته القيادية باتت محل استفهام كبير، إن لم نقل ان الحكم بالفشل والتقدير بأنها ستجلب نتائج كارثية على كل المنطقة بات تقديرًا راجحًا، لا سيما في ضوء نتائج تجاربه السابقة في اليمن وضد قطر، والتجارب الأسبق للسعودية في العراق وسوريا.

الفرق بين تجارب السعودية الكارثية السابقة في العراق وسوريا أنها كانت أشبه بإشعال النار في بعض بيوت الحارة، لكن التغييرات التي يقودها بن سلمان هي إشعال النيران في البيت وفي كل الحارة بهدف تعزيز دعائم حكمه، فهو مستعد لأن يحرق كل شيء بثمن شراء حكمه، مستعد لبيع نفسه وبلاده بثمن بخس لإسرائيل وأمريكا مقابل حمايته، وهو لا يدرك ان عدو العرب الحقيقي سيظل عدوًا له وعدوًا لكل ما هو عربي باعتبار ان كل ما هو عربي يحمل تناقضًا مستقبليًا كامنًا وذا طبيعة وجودية مع عدوه.

المملكة العربية السعودية تحت ولاية بن سلمان تتجاوز كل الخطوط الحمراء بسرعة فائقة، وتنزلق بالعرب نحو المزيد من التدهور وإشعال الحروب العبثية، وهو أمر لا يمكن تجاهله والسكوت عنه، خصوصًا أنه يحمل إشارات قوية تؤكد سياقاته المرتبطة بخلق تحالفات ذات طبيعة ودور وظيفي مع إسرائيل، ويحمل ما يشبه التصريح العلني بالتخلي عن القضية الفلسطينية أو بممارسة الضغوط لفرض المزيد من التراجع أو في أحسن الأحوال استبدال الأولويات العربية بالحرب ضد إيران وحزب الله، وبناء التحالفات وعلاقات التعاون بما يخدم هذه الأولوية.

إسرائيل - من جهتها - مارست منذ زمن طويل ضغوطًا كبيرة لإخراج العلاقات مع بعض الدول العربية إلى النور، لكنها كانت دومًا تصطدم بالموقف العربي الذي يطالبها أولًا بإنجاح المفاوضات مع الفلسطينيين كشرط مسبق لأي تطبيع في العلاقات، لكن نتنياهو وحكومته اليوم يرحبون بهذا التسارع الكبير في انقلاب بعض السياسات العربية تجاهها، حتى ان بعض المعلقين الإسرائيليين اعتبروا تل أبيب ليست جاهزة لهذا التقارب الذي تبديه السعودية.

والحقيقة التي لا يدركها "ام. بي. اس" ولا يدركها مستشارو البلاط الملكي ان تل أبيب المعاصرة بزعامة نتنياهو، تل أبيب التي ترى نفسها تجلس في قمة العالم وتمتلك من النفوذ والصناعات والمال؛ لم يعد يغريها لا البترول العربي ولا السوق العربية ولا الأيدي العاملة العربية، أي ان ما نقل على لسان الجبير "ان التكنولوجيا الإسرائيلية مع الإمكانيات الاقتصادية لدى دول الخليج، بالإضافة إلى القوى البشرية العربية، ستؤدي إلى انطلاقة كبرى تذهب بالشرق الأوسط نحو الازدهار والاستقرار والسلام" لم يعد يعني لتل أبيب الكثير، وأن ما يهمها فعلًا هو فرض سياستها وهيمنتها ونفوذها على العرب باعتبارها الدولة الإقليمية الأقوى صاحبة السطوة والجبروت بدون أي منازع، وليس على العرب إلا ان يدوروا في فلكها طائعين صاغرين، لتكون هي - وهي وحدها - سيدة الشرق الأوسط، والعرب ليسوا إلا أدوات في حروبها ضد كل من سينافس مملكتها.