إضاءات حول المصالحة.. سليم ماضي

الخميس 05 أكتوبر 2017 11:51 ص / بتوقيت القدس +2GMT
إضاءات حول المصالحة.. سليم ماضي



تعتبر مصر العروبة بقلبها الكبير راعية الأمة العربية جمعاء، وهي أيضاً حاضنة القضية الفلسطينية وعمقها وسندها الاستراتيجي، كيف لا وهي من قدمت خيرة أبنائها خير جند الأرض قرباناً لثرى فلسطين الاسلام والعروبة، وهي لن تتوانى لحظة في الوقوف إلى جانب القضية وعايشتها بكل مفاصلها وتطوراتها التاريخية، وها هي تثبت مرة أخرى وقوفها بالعمل الجاد والحثيث لإنهاء الانقسام البغيظ، لتعود للقضية الفلسطينية روحها، هذه المصالحة أعادة الأمور لنصابها الحقيقي بعد أن تاهت البوصلة كثيراً، وذهبت الأطراف المختلفة بعيداً وتجول ملف المصالحة في عدة عواصم ثم أخيراً عاد لرشده الى العاصمة الأم القاهرة، هذا التيه الذي خلق حالة من القطيعة النسبية والفتور بين الأطراف من جهة والقاهرة صاحبة القلب والعقل الكبير من جهة أخرى، جعل العودة إلى الصواب يعود على الجميع بالكثير من المكاسب ضمن المصالحة، أهم هذه المكاسب تحسن العلاقات والثقة بين حماس والقاهرة من جهة، ومن جهة اخرى اعادة العلاقات الحميمة بين السلطة والقاهرة بعد فترة تخللتها الفتور بسبب احتواء القاهرة لمحمد دحلان خصم الرئيس أبو مازن والضغط باتجاه حل مشاكل فتح الداخلية، الأمر الذي قوبل بالرفض الشديد من قبل الرئيس محمود عباس واعتبر في حينه تدخل في الشأن الفتحاوي الداخلي.

لكن الأمر اليوم مختلف تماماً فيما يخص ملف المصالحة، فمن خلال لقاءات الرئيس مع اعلاميين مصريين أعتبر الرئيس بأن مصر تشكل دولة استثنائية فيما يخص التدخل في الشأن الفلسطيني ويسمح لها ما لا يسمح لغيرها بسبب الجغرافيا السياسية واعتبار القضية الفلسطينية جزء من الأمن القومي المصري، لذلك يعي الرئيس جيداً مدى أهمية مصر الاستراتيجية للقضية الفلسطينية ولا يريد القطيعة معها في هذه الفترة الحرجة.

ومما لا شك فيه أن الرئيس أبو مازن يتمتع بحنكة ودهاء سياسي ولا يجهل أن الممارسة السياسية تتطلب المكر والخداع، لكنه واضح ومباشر في كثير من الأحيان في وجهة نظره إزاء بعض القضايا وهذا ما يضعه دائماً محط نقد واستغراب من قبل البعض، خاصة الوضوح والصراحة التي تحدث فيها مع الإعلاميين المصريين عمرو أديب ولميس الحديدي على هامش المصالحة الفلسطينية. إن أهالي غزة يبنون آمالهم على سيادة الرئيس كأب حنون للشعب الفلسطيني ولنجاح المصالحة وزيارة الحكومة لغزة وأن أي مماطلة أو تسويف أو تأخير في معالجة القضايا الإنسانية المتفاقمة التي بحاجة لإنقاذ فوري سوف يقلب الأمور على عقبيها وسيجعل الناس تنسى 11 عام من الظلام والقهر والظلم وتحمل المسؤولية لحكومة الوفاق الوطني.  

إن حسنت النوايا عند حماس بحسب تصريحات قائدها السنوار ستكون قد رمت الكرة في ملعب الرئيس أبو مازن حيث من الواضح أن حماس ستبدي مرونة متناهية لإنجاح المصالحة، وفي حسبة الربح والخسارة وبعد الرابح الأكبر والأهم وهي القضية الفلسطينية ستكون حماس ضمن الرابحين في حال اتمام المصالحة؛ لأن غزة تشكل عليها عبء كبير وفي حال تخليها عن الحكم سينتقل هذا العبء للسلطة التي يبني الشعب الفلسطيني آماله عليها، وهو ما سينعكس أما بالسلب أو الايجاب على السلطة حسب تحقيق هذه الآمال، لذلك لن تضعف حماس كما يتخيل للبعض بل ستكون كل طاقاتها مركزة على الحركة التي ستستعيد عافيتها بسرعة كبيرة إذا استمر نتنياهو في تعنته ولم تحقق ما يسمى "بالصفقة الكبرى" التي يسوق لها ترامب والأنظمة العربية المعتدلة في تلبية الحقوق الوطنية الفلسطينية، واذا نجحت حماس في عقد صفقة تبادل أسرى جدد أفرجت خلالها عن مئات الأسرى والقيادات الفلسطينية.

في النهاية أؤكد بأن الرابح الأكبر جراء المصالحة هو الشعب الفلسطيني في غزة الذي دفع ثمن الانقسام المرير الكثير من الآلام والمعاناة من فقر وموت أطفال حرقاً بالشموع وموت مرضى وقتل جيل بأكمله والالاف من أشكال المعاناة التي لا يمكن حصرها، لذلك نريد أن نطمئن الجميع وخصوصاً المتخوفين والمشككين بأن قطار المصالحة لن يوقفه أحد بإذن الله، وإن الحديث عن سحب سلاح المقاومة من قبل الرئيس ما هو إلا للاستهلاك الاعلامي فالرئيس يعلم أن حماس لا يمكن أن تسلم سلاحها الذي يعتبر سر قوتها وسر بقائها واستمراريتها فهو (كجرة الاكسجين بالنسبة لمريض التنفس) وسلاح حماس يحقق مشروعها (مشروع المقاومة)، وهناك اتفاق في القاهرة على عدم مناقشة هذا الملف إلا في حال وجود حل سياسي يحقق الثوابت الوطنية بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

إن أكثر ما نخشاه هوه مرحلة ما بعد المصالحة، لذلك يجب على جميع الأطراف وضع استراتيجية وطنية تحدد معالم الطريق للمرحلة القادمة في مباحثات القاهرة  المقبلة.