إسرائيل وردع الجزيرة...اسماعيل مهرة

السبت 19 أغسطس 2017 07:17 م / بتوقيت القدس +2GMT
إسرائيل وردع الجزيرة...اسماعيل مهرة



اطلس للدراسات

منذ ان عملت قناة الجزيرة على تغطية الصراع، سواء من داخل الأراضي الفلسطينية أو من داخل دولة الاحتلال؛ التزمت إلى حد بعيد بقواعد المهنية ومراعاة معايير الصحافة الدولية، من حيث نقل الأحداث وتوصيفها وإعداد التقارير، وراعت إلى حد ما منح ممثلي الاحتلال من رسميين وإعلاميين مساحة على شاشتها.

وبحكم ان الفلسطيني هو الضحية التي تتعرض للتنكيل والقتل العدوان ومصادرة أرضه والتعدي على أبسط حقوقه بشكل يومي، والإسرائيلي هو المحتل المعتدي والقاتل؛ فكان من الطبيعي ان تعكس تقارير الجزيرة وأخبارها هذه المعادلة، كما بعض مثيلاتها من القنوات الإخبارية العالمية كالسي. ان. ان والبي. بي. سي، مع الأخذ بعين الاعتبار ان القضية الفلسطينية هي قضية العرب، وجمهور الجزيرة الناطقة بالعربية هو الجمهور العربي؛ الأمر الذي يفرض نفسه على ضرورة تميز الجزيرة عن غيرها في تغطية الصراع، سواء من حيث المساحة والأولوية أو من حيث المضمون.

دولة الاحتلال عبرت دومًا عن عدم ارتياحها وضيقها وغضبها من أي تغطية إعلامية تكشف بعضًا من جرائم الاحتلال، وشاهدنا وسمعنا الكثير من الاحتجاجات ضد البي. بي. سي وضد السي. ان. ان، حتى ان نتنياهو شخصيًا هاجم بعض برامج وتقارير البي. بي. سي، واعتبرها جزءًا من الحملة اللاسامية الدولية ضد اليهود، والمقنعة بالحقوق السياسية والانسانية للفلسطينيين، كذلك قناة الجزيرة كانت الأكثر تعرضًا للهجوم والاتهام الإسرائيلي من بين كل القنوات الإخبارية الأخرى، نظرًا لدور الجزيرة وحجم تغطيتها للأحداث.

الاحتلال - الذي حظى على مدار سنوات احتلاله بإعلام إسرائيلي متعاطف، وبنظام رقابة أمني كبير يتصدى ويمنع أي نشر يمس أو ينتقد رواية الاحتلال، فنكل وقتل بحرية ودون حسيب أو رقيب - شعر بضيق كبير من تغطية الجزيرة، لكنه، وهو المدعي بأنه دولة ديموقراطية، لا يمكنه ان يمنع الجزيرة من العمل طالما تلتزم هي بالمعايير والشروط الدولية والإسرائيلية، هذا فضلًا عن أنها تقدم له خدمة عرض روايته على المشاهد العربي، كما ان الجزيرة لن تسبب للاحتلال ضررًا كبيرًا فهي في النهاية موجهة للعالم العربي ولا تأثير لها على الرأي العام الغربي.

لكن دولة الاحتلال التي تنحو نحو اليمين الفاشي، باتت تضيق ذرعًا بالإعلام الإسرائيلي وتعتبره أداة من أدوات الانقلاب على حكم اليمين، فما بالنا بإعلام ينظر إليه منذ البداية على أنه معادٍ! وليس هذا فحسب؛ بل ان العديد من الدول العربية تنظر للجزيرة على أنها مؤيدة وداعمة للجماعات الاسلامية، وتطالب بإغلاقها كجزء من حملتها على ما تمسية بـ "النشاط الإرهابي".

إسرائيل - التي أعلنت وعلى لسان وزير الإعلام الدرزي الليكودي المتطرف أيوب قرا عن توجهها لإغلاق مكتب الجزيرة في إسرائيل وسحب ترخيصها - عبرت عن توجه الجهة الأكثر تطرفًا في الحكومة، لكن التوجه المركزي والرسالة الأهم هي من نوع التحذير والردع والارهاب، وترجم ذلك عبر سحب ترخيص مراسل الجزيرة إلياس كرام، بتهمة تعاطفه مع المقاومة.

مدير مكنب الجزيرة وليد العمري ظهر على شاشات التلفزة الإسرائيلية ومحطات الإذاعات وكتب في "هآرتس" مدافعًا عن مهنية الجزيرة، ومذكرًا الإسرائيليين بأنها الفضائية العربية الأولى التي منحت المسؤولين الإسرائيليين القدرة على مخاطبة الرأي العام العربي وأنها أنهت عزلة إسرائيل. والحقيقة ان مضمون خطاب العمري يعكس حجم المخاوف لديهم، فجاء ضعيفًا ومستجديًا إلى حد ما، بدلًا من ان يؤكد على اتهام الاحتلال بملاحقة الصحافة الموضوعية ليخفي جرائمه.

الغريب ان الإعلاميين الإسرائيليين يوافقون الحكومة على نظرتها للجزيرة، لكنهم يرفضون سحب ترخيصها حتى لا يتساوون مع الدول العربية، فإسرائيل بالنسبة لهم دولة ديموقراطية ولا يمكنها ان تتصرف مثل بقية الدول العربية.