حركة «حماس» ولحظة التأسيس وسنوات الانقسام ..عبير بشير

السبت 12 أغسطس 2017 10:11 ص / بتوقيت القدس +2GMT



مرة ثانية وثالثة ورابعة .... إنها لحظة التأسيس التي تفسر لنا كل ما جرى ويجري من صراع على السلطة بين الفلسطينيين، ومن عدم القدرة على كسر هذه الحلقة المفرغة للانقسام البغيض والمشين الذي طوى عقده الأول حتى في ظل «إنجاز القدس» والموقف المتقدم جداً والصلب للرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية من هبة القدس، وفورة المبادرات التنظيمية والنخبوية، وتعالي الأصوات الشعبية المنددة باستمرار الانقسام بين جناحي الوطن كونه أحد أهم أسباب الضعف الفلسطيني السياسي الذي يستغله الاحتلال الإسرائيلي على الحلبة الدولية وداخلياً في التغول الاستيطاني والتهويدي للأراضي الفلسطينية المحتلة.
حركة حماس تأسست كمشروع بديل لمنظمة التحرير وحركة فتح ... بديل أيديولوجي وسياسي وثقافي واجتماعي، ونظرت إلى نفسها بأنها حركة ربانية ونخبة مصطفاة ومن أصحاب الأيادي المتوضئة في مقابل العلمانيين والفاسقين والفاسدين.
ثم جاء انتقال حماس المفاجئ من هامش الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلى المركز عقب فوزها في انتخابات 2006، ليشكل ذلك نقطة تحول بالغة الأثر في مسيرة الحركة، ولتبدأ حماس مشروع دويلتها في غزة حجراً فوق حجر.
خالد مشعل وفي لحظات مغادرته لرئاسة المكتب السياسي لحماس أقر بأن حركته “أخطأت عندما استسهلت حكم قطاع غزة بمفردها عقب الانقسام، وظنت بأن زمن فتح مضى وحل زمن حماس، وفتح أخطأت عندما أرادت إقصاءنا» ولعلنا نجد في كلام د. أحمد يوسف– المحسوب على حركة حماس- ما يؤكد فوقية حماس، فقد قال الرجل بأن مداخلة الأخ خالد مشعل في مؤتمر التحولات في الحركات الإسلامية، كانت أشبه بخبطة على الرأس للكثير من شباب حركة حماس، حيث إن كلمة «أخطأنا» ليست في العادة ضمن مفردات خطابهم السياسي أو الحركي، إذ إن التربية الدينية ثم الحزبية قد منحتهم الثقة بأنهم منزَّهون عن الخطأ، وقياداتهم هم «ربَّانيون»، والآخرون هم العاقون ومن ضلوا السبيل!!.
فيما يرى القيادي في حماس غازي حمد بأن العلاقة بين حماس وقطاع غزة أشبه بالتوأمة، أو أشبه بالمتلازمة التي لا فكاك منها، فهي علاقة نشأة وقيادة ثم علاقة حكم وسلطان، حيث أصبحت غزة بعد الانقسام مركز قوة حماس ونفوذها التي تقابل به وتقارع سلطة ونفوذ رام الله!!!. ويضيف حمد بأن حركته أقنعت نفسها وكوادرها بأن غزة قد (تحررت) رغم إحاطة الاحتلال بها براً وبحراً وجواً.
ولقد أطلقت حماس شعارات كثيرة عززت هذا الارتباط وخلقت إحساسا كبيرا بالتعاظم- والكلام لحمد- مثل :»غزة العزة ..غزة تنتصر ..غزة تقاوم، غزة تدافع عن شرف الأمة» وأصبح اسم غزة يتردد كثيرا في الخطابات-أكثر من القدس والمسجد الأقصى-. وأدى ذلك إلى طغيان (غزة وسلاحها ومقاومتها) في ثقافة وفكر الحركة، وحجب عنها رؤية الأفق الأوسع خارج نطاق هذه البقعة الجغرافية الصغيرة. وبالعودة إلى حديث مشعل من على منصة الجزيرة القطرية الذي يمكن أن يكون بطاقة ممغنطة تخولنا الدخول إلى عالم حركة حماس بعد فوزها في انتخابات 2006 وكيف كانت تفكر وما هي رهاناتها وطبيعة التراموميتر السياسي الذي كانت تستعمله لقياس الأمور وما يجري من حولها، ولماذا تصرفت بكل هذا القدر من الاستعلاء والاستكبار على شركاء الوطن ومن حملوا راية الكفاح والنضال الوطني لعقود، ولماذا استعجلت في اصدار بيانات نعي حركة فتح، ومَن أغواهم وقال لهم إن زمن فتح قد مضى، وانه حل زمن حماس !!! 
وهذا يقودنا للسؤال الأكثر أهمية وهو هل كان الانقسام الفلسطيني الذي يدخل عقده الثاني مصادفة تاريخية، ونجم عن سوء تقدير للأمور وفائض قوة ومراهقة سياسية وجهل بوقائع التاريخ والجغرافيا وحقائق السياسة والوضع الفلسطيني المعقد جدا؟ أم هناك من زين لحركة حماس وسهل لها قرار الاستيلاء على قطاع غزة بقوة السلاح وطرد مؤسسات السلطة منها !! وهل يكفي تفسير خالد مشعل- للإجابة عن تلك الأسئلة- الذي قال إن الإسلاميين عموما ومنهم حماس وقعوا في خطأين خلال وقت الثورات وأوقات الصعود، الأول عندما بالغوا في تقدير الموقف وقلة الخبرة وغياب المعلومة الدقيقة – حول حجمهم الحقيقي وقوة الخصوم، صعوبات الحكم وتحديات السلطة ومتطلبات العمل السياسي وتعقيدات الظروف الاقتصادية، وسيكولوجية المجتمعات التي يحكمونها وتوقعاتها- ومن المؤكد أن مشعل كان أيضا يقصد ضمنيا علاقة حماس مع الملفات الإقليمية والعربية، حيث إن غياب المعلومات الدقيقة وقلة الخبرة أدى إلى تسهيل عملية خداع حماس بالنسبة لموقفها من الأزمة السورية، ومصر بعد ثورة 30 يونيو. والثاني والحديث لمشعل «الخلل والنقص في التعامل مع شركاء الوطن، واعتماد نظرية البديل خاطئة. وعلى كل حال نجد أن علينا أن نضيف على مداخلة خالد مشعل، بأن حركة حماس غابت عنها وهي مزهوة وثملة بنصر 2006 بديهيات العمل السياسي وحقائق النظام السياسي الفلسطيني، ومضت في معركتها السياسية المركبة مع السلطة وحركة فتح دون أن تتوقف ولو قليلا أمام حقيقة أن النظام الفلسطيني هو نظام رئاسي وليس برلمانيا، وأن صلاحيات وسلطة الرئيس أكبر بكثير من صلاحيات وسلطة رئيس الحكومة، وأن الحكومة التي ورثتها حماس عن حركة فتح هي الابنة الشرعية لاتفاقية أوسلو التي من أهم بنودها الاعتراف بإسرائيل، وأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات وليست الحكومة الفلسطينية !! وعندما أجبر حسني مبارك على التنحي تحت وقع التظاهرات الشعبية، كانت حماس في ذروة فرحها، وصدحت مآذن قطاع غزة بالتكبير والتهليل على هذا النصر الإلهي، وجالت السيارات الحمساوية القطاع وهي تهتف عبر مكبرات الصوت – سقط فرعون وهامان– فيما خيم الصمت الحزين على رام الله وحركة فتح اللتين انتابهما شعور باليتم لفقدانهما حليفهما الاستراتيجي. غير أنه في منتصف2013، اهتزت القاهرة والمنطقة بسقوط الإخوان السريع والمدوي، ووجدت حماس نفسها تتجرع من كأس اليتم مرة أخرى إلى درجة أن قائد حماس إسماعيل هنية قال في اجتماع مغلق لهيئات الحركة: اننا نشعر بأننا نقف على أقدام خشبية، وإننا نعيش خطرا وجوديا. فيما بدت حركة فتح منتشية بهذه النهاية المبكرة لحكم الإخوان المسلمين ومتشفية بحركة حماس.
الآن وفي عملية لتبادل الأدوار- وإن كان بصورة أقل- تجلس حماس في مقعد مريح على وقع تفاهماتها الجديدة مع القاهرة وفريق النائب محمد دحلان، في حين تجلس السلطة الفلسطينية في مقعد أقل ما يقال عنه إنه غير مريح في إطار العلاقة الناشئة والصاعدة بين حماس غزة والقاهرة.
وإن كنا وما زلنا نعتقد بأن مصر هي دولة عابرة للتنظيمات والأحزاب والأشخاص، وأنها تتصرف وفق اعتبارات وطنية وقومية بحتة، وإن ما جرى هو مقاربة مصرية من جهة تتعلق بالخاصرة الأمنية الرخوة في سيناء، واستدارة آنية تلبية لحيثيات مرحلة ما من جهة أخرى. ويبدو بأن حركة حماس التي تريد من الرئيس محمود عباس أن يلغي إجراءاته غير المسبوقة بحق قطاع غزة أولا، ومن ثم تجميد عمل اللجنة الإدارية، واشترطت على الرئيس أبو مازن لتمكين حكومة الوفاق من العمل في غزة أن تقوم السلطة الفلسطينية بالاعتراف بـ 42 ألف موظف تابعين لها كما هم وبمناصبهم ومسمياتهم الحالية-. لم يعد الأمر فقط بالنسبة لحماس يعبر عن رغبتها بالتقاسم الوظيفي مع حركة فتح، كممر إجباري لإنهاء الانقسام مع بقاء سيطرتها على غزة وإعطاء ذلك غطاء شرعيا مهمته التمويل والإنفاق. بل إن هناك شبه انقلاب في الموقف الحمساوي بعد تفاهماتها مع القاهرة والنائب دحلان، وما يمثله من وعود بفتح معبر رفح، وحل أزمات القطاع من كهرباء وماء وبطالة وضخ الأموال في شرايين غزة مع تقاسم وظيفي مع دحلان لإدارة قطاع غزة- خارج الأمن والعسكر- وهذا بالنسبة لحماس غزة أقل تكلفة بكثير من الناحية الفصائلية المصلحية البحتة وليست الاستراتيجية من فاتورة الإذعان إلى الشرعية الفلسطينية واشتراطات أبو مازن والتي أقساها وأمرها على حماس قبولها بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.