محاكمة ترامب ليست بعيدة! ..محمد ياغي

الجمعة 14 يوليو 2017 09:13 ص / بتوقيت القدس +2GMT



كشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، مؤخراً، عن أن دونالد، الابن البكر للرئيس ترامب، كان التقى، في شهر حزيران من العام المنصرم، وأثناء حملة والده الانتخابية، محامية روسية على علاقة مباشرة بالحكومة الروسية. وكان هدف الاجتماع الحصول منها على معلومات قد تلحق ضرراً بفرص هيلاري كلينتون في الفوز برئاسة البيت الأبيض. 
اللقاء تم بصحبة جاريد كوشنر، زوج ابنة الرئيس ترامب، وبول مانافورت، رئيس حملة ترامب الانتخابية في حينه. دونالد، ادعى بداية أن اللقاء لم يكن له علاقة بالانتخابات الأميركية، ثم تراجع عن ذلك بعد أن أخبرته الصحيفة بأن الرسائل المتبادلة (مجموعة من الإيميلات) بينه وبين الجهة التي نظمت اللقاء، سيتم نشرها. المراسلات تفيد بأن تلك الجهة وهي شخصية بريطانية على علاقة عمل بوالده، أخبرته مباشرة بأن المعلومات التي ستقدمها المحامية له، قادمة مباشرة من الحكومة الروسية، وهي تتعلق بهيلاري كلينتون، وهدفها دعم فرص والده بالفوز بالانتخابات.
هذه أول مرة يتم الكشف فيها صراحة عن علاقة ترامب ورجال حملته الانتخابية وتحديداً الدائرة الأكثر قرباً منه بالحكومة الروسية. 
في السابق، أكدت الجهات الأمنية الأميركية جميعها (17 جهازاً أمنياً) في مقدمتها (CIA، FBI، NSA) أن الحكومة الروسية حاولت التأثير علي نتائج الانتخابات من خلال اختراق حاسوب اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي عشية عقد الحزب مؤتمرة لإعلان ترشيح هيلاري كلينتون، وتسريب وثائقه لموقع ويكيليكس، ومن ثم اختراق الحاسوب الخاص برئيس حملة هيلاري الانتخابية وتسريب وثائقه للموقع نفسه أيضاً. 
بعد هذا التأكيد بدأ جهاز الـ FBI في بحث علاقة رجال حملة ترامب الانتخابية بالحكومة الروسية. 
كانت البداية هي الكشف عن علاقة روجر ستون، أحد مستشاري ترامب، بمؤسسة خاصة بالهاكرز الروس يُعتقد بأنها على علاقة بالاستخبارات الروسية. أعقب ذلك الكشف عن علاقة كارتر بيج، مستشار ترامب السياسي بشخصيات روسية خلال الحملة الانتخابية، وهذا الكشف تم بالمصادفة لأن "بيج" كان مراقباً قبل بداية الحملة الانتخابية من قبل الـ FBI لاعتقادهم بأنه يتجسس لحساب الروس. 
بعد ذلك، كشف عن أن مايكل فلين، الذي عينه ترامب مستشاراً للأمن القومي، كان اجتمع مع السفير الروسي خلال الفترة الانتقالية (الفترة اللاحقة لفوز ترامب والسابقة لدخوله البيت الأبيض). وأن هذا الاجتماع تضمن نقاشاً له علاقة برفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا في فترة لم يكن فيها ترامب رئيساً بعد. الأهم ربما أن هذا الكشف ترافق مع كشفٍ آخر وهو أن فلين كان يتلقى أموالاً من مؤسسات روسية ولكنه لم يبلغ عنها قبل استلامه لمنصبه كمستشار للأمن القومي، وهو متطلب قانوني من كل من يعمل في الحكومة الأميركية، ودونه لا يحصل على تصريح أمني يُخوله الإطلاع على وثائق ومعلومات سرية. واضطر ترامب لعزل فلين بسبب ذلك. 
سلسلة فضائح علاقة رجال ترامب بالحكومة الروسية لم تنته عند ذلك. حيث تم الكشف، في شهر نيسان الماضي، عن أن جيرالد كوشنر، كبير مستشاريه، كان التقى السفير الروسي بعد فوز ترامب وقبل استلامه لمهامه، واتفق معه على إقامة قناة اتصال مع الحكومة الروسية مركزها السفارة الروسية حتى لا تتمكن أجهزة الأمن الأميركية من معرفة محتواها. 
تبع ذلك دخول الشيخ محمد بن زايد، نائب رئيس دولة الإمارات العربية على الخط بقيامه بتنظيم لقاء بين رجال ترامب ومسؤولين روس بشكل سري في جزر سيشل في المحيط الهندي. 
ثم تلى ذلك، طرد ترامب لرئيس الـ FBI، جيمس كومي، وعلى ما يبدو، بحسب شهادة كومي في الكونغرس، لأنه لم يقبل طلب ترامب إنهاء التحقيق في ملف مايكل فلاين، وبالمجمل في إنهاء التحقيق بعلاقة حملة ترامب الانتخابية بالحكومة الروسية. 
بالنسبة لأجهزة الأمن الأميركية ولأعضاء الكونغرس والإعلام، العلاقة بين رجال ترامب والحكومة الروسية مثيرة للشكوك لأسباب عديدة، لكن أهمها التالي:
ما الذي يدفع رئيس منتخب للسعي لإقامة قناة اتصال سرية مع الروس بعيدة عن أعين أجهزة حكومته؟ ولماذا يدافع رئيس منتخب عن الحكومة الروسية طيلة الوقت ويدعي بأنها لم تتدخل في الانتخابات على الرغم من أن الأجهزة الأمنية لبلاده تؤكد تدخلها في هذه الانتخابات باختراقها لحواسيب أميركية ونشر محتوياتها، وأن الرئيس الروسي بوتين نفسه، صرح بأن "هاكرز" روساً، قد يكونوا اخترقوا هذه الحواسيب؟ ولماذا يبذل رجال حملة ترامب الانتخابية ممن لهم علاقة بالروس، وهم كثر، جهداً غير عادي لإخفاء هذه العلاقة والكذب بشأنها؟
اليوم يتضح جزء من الصورة لهم. 
ترامب ورجال حملته الانتخابية، كما يبدو، عقدوا اتفاقاً مع الروس يتضمن الحصول من خلاله على مساعدة الروس لإنجاح ترامب في الانتخابات، مقابل رفع ترامب للعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، بعد فوزه. 
هذه المساعدات قد تكون معلومات عن هيلاري كلينتون، اختراق حواسيب الحزب الديمقراطي ونشر محتوياتها، وربما تكون دعماً مالياً. 
وقد يكون هنالك أكثر من ذلك بالطبع. مثلاً، ترامب ادعى مراراً وتكراراً أنه لم يلتق الرئيس بوتين في حياته وأنه لا يعرفه بشكل شخصي. لكن تبين لاحقاً بأنه التقى بالرئيس الروسي على الأقل مرة واحدة. وتبين أيضاً، أنه على علاقة وثيقة مع البليونير الروسي، أراس أغالاروف، الذي يمتلك شركة متخصصة بالعقارات في روسيا ولديه علاقة وثيقة بالرئيس بوتين. 
المعلومات الأولوية عن علاقة ترامب بالروس، جاءت من بريطانيا بعد قيام شخصية أمنية بالتحقيق في هذه العلاقة، وتسليم المعلومات التي جمعها لجون ماكين، عضو الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ. الشخصية الأمنية ادعت في تقريرها أن ترامب (compromised) من قبل الروس. بمعنى لديهم عليه ملفات تمكنهم من الضغط عليه للحصول على ما يريدون. ماكين سلّم الملف الذي حصل عليه لأجهزة الأمن الأميركية، وهي بدورها لم تؤكد أو تنف هذه المعلومات التي يبدو أنها موضع تحقيق من قبلهم. 
المؤشرات، كما نلاحظ، عن وجود اتفاق بين حملة ترامب الانتخابية والحكومة الروسية، وعن علاقة ترامب بالروس قوية. لكن هذه المؤشرات تبقى غير كافية لتوجيه الاتهام لشخص ترامب بأنه اتفق مع الروس للحصول على مساعدتهم حتى يصبح رئيساً. 
اليوم توجد جهتان تحققان في هذا الملف. لجنة تابعة للكونغرس، ومحقق خاص معين من قبل المدعي العام. الطرفان يسعيان للحصول على أدلة "تُدين" أو "تُبرئ" ترامب. لكن الإدانة هي الأقرب للمؤشرات السابق ذكرها. 
إذا تمت هذه الإدانة، فإن التهمة التي سيتم توجيهها للرئيس الأميركي، هي الخيانة. وهنا لا يتم فقط توقع العزل من الرئاسة ولكن السجن أيضاً. 
بعض المسئولين الأميركيين مثل تيم كين، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي، قال صراحة: إن ما قام به إبن ترامب ومعه رئيس حملة ترامب الانتخابية وزوج ابنته هو في القانون الأميركي "خيانة". لأن القانون يمنع الحصول أو السعي للحصول على المساعدة من دولة خارجية في قضية لها علاقة بالانتخابات. إبن ترامب، سعى لذلك. 
بالطبع هذا لا يعني تلقائياً أن ترامب على علاقة مباشرة بالموضوع لأن الابن يحاول حماية والده بالادعاء أنه لم يخبره عن اجتماعه بالمحامية الروسية. 
يمكن القول بالمجمل: إن الدلائل على بداية النهاية لرئاسة ترامب قوية جداً، وأن المطلوب فقط هو الحصول على شهادة من أحد رجال ترامب مثلاً عن وجود اتفاق بين الروس وبين ترامب له علاقة بالانتخابات. 
حالة توفر هذه المعلومات، تتسارع بعدها إجراءات العزل بتصويت أغلبية بسيطة من مجلس النواب على قرار العزل، الذي يعقبه توجيه مجلس الشيوخ تهمة الإدانة له، وفي حالة التصويت من قبل ثلثي مجلس الشيوخ على قرار الإدانة، يعزل ترامب، وربما يسجن أيضاً. وهذا كما يبدو ليس بعيداً.