وثيقة حماس الجديدة .. ما الجديد؟ بقلم د.وليد القططي

الخميس 04 مايو 2017 08:04 ص / بتوقيت القدس +2GMT
وثيقة حماس الجديدة .. ما الجديد؟ بقلم د.وليد القططي



مضى ما يُقرب من ثلاثين عاماً على إصدار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وثيقتها السياسية الأولى (الميثاق) في بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى تحمل ملامح فكرها السياسي ومرتكزاتها الإيديولوجية. ومنذ يومين أصدرت وثيقة سياسية جديدة تحت عنوان (وثيقة المبادئ والسياسات العامة لحماس) فما الجديد في الفكر السياسي لحركة حماس؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه فيما يلي:

أولاً: في الوثيقة الجديدة تم فك الارتباط مع جماعة الإخوان المسلمين، فقد عرّفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأنها: «حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية» دون ذكر انتمائها لجماعة الإخوان المسلمين كما في الميثاق القديم الذي عرّف حماس بأنها « جناح من أجنحة الإخوان المسلمين في فلسطين» وهذا يبدو استجابة للضغوط الإقليمية العربية التي تدفع الحركة بالانفصال عن الإخوان المسلمين.

ثانياً: في الوثيقة الجديدة تم تحديد هدف الحركة بأنه «تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني» ولم يذكر قيام الدولة الإسلامية كم ذُكر في الميثاق القديم بأن هدف الحركة هو «قيام دولة الإسلام» وأن مبرر نشأتها هو «غياب الإسلام من الساحة» وهذا على ما يبدو جزء من التحوّل نحو الفكر السياسي الوطني الفلسطيني، وابتعاد من الخطاب الديني التقليدي. 

ثالثاً: في الوثيقة الجديدة تم تعريف أرض فلسطين بأنها «أرض الشعب الفلسطيني ووطنه» في البند الثاني تم تعريفها بأنها «أرض عربية إسلامية» في البند الثالث. بينما تم تعريفها في الميثاق القديم بأنها «فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة» وواضح الفرق بين التعريفين في غلبة البُعد الوطني في تعريف الوثيقة الجديدة على البُعد الإسلامي في الميثاق القديم.

رابعاً: في الوثيقة الجديدة تم إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية في تعريف شعب فلسطين «بكل مكوناته الدينية والثقافية والسياسية» متحدثاً عن «الشخصية الفلسطينية صفة أصيلة» أي أنه أعطى تعريفاً وطنياً منفصلاً عن العقيدة، بخلاف الميثاق القديم الذي ربط بين مفهوم الوطن والوطنية بالعقيدة وفق مفهوم سيد قطب في أن جنسية المسلم عقيدته.

خامساً: في الوثيقة الجديدة من الواضح أن حركة حماس تريد أن تنأى بنفسها عن حركات التطرف الإسلامي التي انتشرت في المنطقة واكتسبت سمعة سيئة دولياً، وذلك من خلال تأكيدها في فصل الإسلام وفلسطين على «فهم الإسلام بشموله وروحه والوسطية المعتدلة» وتأكيدها على قيم السلام والتسامح والتعايش والإبداع الحضاري، وتأكيد رسالة الإسلام ضد التطرف والتعصب الديني والعرقي والطائفي. بخلاف الميثاق القديم الذي لم تكن مشكلة التطرف بارزة دولياً وقت إصدارها.

سادساً: في الوثيقة الجديدة هناك تفرّقة بين اليهود واليهودية كأصحاب ديانة سماوية من جهة وبين الصهاينة والصهيونية كمشروع عنصري عدواني إحلالي توسعي من جهة أخرى وظفوا الديانة اليهودية في خدمة المشروع الصهيوني الاستعماري، كما استثمروا ما يُعرف بالمشكلة اليهودية والعداء للسامية واضطهاد اليهود في أوروبا لخدمة نفس الهدف. وهذه التفرّقة لم تكن ظاهرة في الميثاق القديم بهذا الفهم الدقيق والعميق.

سابعاً: في الوثيقة الجديدة فصل النظام السياسي الفلسطيني تحدث عن منظمة التحرير الفلسطينية كإطار وطني اشترط لدخول الحركة فيها «ضرورة تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني بما يحافظ على الحقوق الفلسطينية» بخلاف الميثاق القديم الذي اشترط لدخولها أن تتبنى الإسلام «ويوم تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية الإسلام كمنهج حياة فنحن جنودها ووقود نارها».

ثامناً: في الوثيقة الجديدة تحوّل نحو المفاهيم الوطنية على حساب المفاهيم الإسلامية، ومن هذه المفاهيم استخدام مفهوم الشعب بدلاً من الأمة، والحقوق الوطنية بدلاً من الحقوق الدينية، والصهيونية بدلاً من اليهودية، والمقاومة بدلاً من الجهاد، وهدف تحرير فلسطين بدلاً من إعلاء كلمة الله... إضافة إلى ظهور مفاهيم جديدة تصب في نفس الاتجاه كالتعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية ووحدة الصف الوطني والأهداف الوطنية...

تاسعاً: في الوثيقة الجديدة تحوّل نحو قبول الحل المرحلي للقضية الفلسطينية كما ورد في فصل الاحتلال والتسوية السياسية»... فإن حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة عاصمتها القدس على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو1967 مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أُخرجوا منها صيغة توافقية وطنية مشتركة». بخلاف الميثاق القديم الذي رفض جذرياً الحل المرحلي ورفض قطعياً كافة مشاريع التسوية.

في المحصلة النهائية للجديد في الفكر السياسي لحركة حماس يُمكن الخروج بأهم نتيجتين وهما: التحوّل نحو الفكر السياسي الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية قبل التعديل على حساب الفكر السياسي الإسلامي المستمد من فكر جماعة الإخوان المسلمين. والتحوّل نحو إستراتيجية المرحلية في التحرير التي بدأتها منظمة التحرير الفلسطينية عام 1974 ببرنامج النقاط العشر، التي تدحرجت حتى حطت رحالها بعد ما يُقرب من عشرين عاماً في اتفاقية أوسلو. فهل يؤدي هذا التقارب في الفكر السياسي إلى تقارب حقيقي في العلاقات الوطنية وخدمة مشروع التحرير؟!