إشْكاليـَــة اليـَـهود مع الجِـنّ !! محمد الوحيدي

الأربعاء 26 أبريل 2017 03:35 م / بتوقيت القدس +2GMT
إشْكاليـَــة اليـَـهود مع الجِـنّ  !! محمد الوحيدي



محمد يوسف الوحيـدي ۞ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) - سورة سبأ . الآيات ، في ظاهرها ، تشرح نفسها ، فمن الواضح أن المَكرُمة الإلهية ، و التفضيل كان إختصاصاً لنبي الله داود ، و من ثم لإبنه النبي سليمان عليهما الصلاة و السلام ، إختصاص منقطع و محدودية في الفضل ، و إقتصار ، لا يشمل الذرية و لا القبيلة و لا الشعب و لا الأتباع .. فتـاويب الجبال و الطير مع سيدنا داوود عليه الصلاة و السلام و إلانة الحديد له ، هو فضل أختص الله تعالى به النبي وحده ، لا ، ولن ينبغِ لغيره من أتباعه و أقاربه ، و تستطرد الآيات في وصف التفضيل و المَكرُمات الخاصة التي منحها الله لنبي بعينه ، فيخبرنا عن بعض ما أعطي للنبي سليمان ، فقط ، مثل الريح و إسالة القطر ، التي تحدث المفسرون عنها و شرحوها ومنهم من يعتقد أنها القدرة على إسالة النحاس ، ومنهم من يعتقد أنها أكثر من هذا بكثير ، كذلك تسخير الجن ، وهم مخاليق غير مرئية ، تنتمي إلى عالم اللا محسوس و الميتافيزيقا، بغض النظر عن طبيعة تكوينهم و نوعية بنيتهم الجسدية ، ولا يراهم و لا يحدثهم الآدميون ، ناهيك عن أمرهم و تشغيلهم ، و الجن اللا مرئي و اللا محسوس ، لا يتعامل مع القوانين المادية و النظام الأرضي المادي الذي نخضع نحن الآدميون له ، و بالتالي لا ينتجون ما يمكن لنا أن نرى أو نشعر أو نستوعب بأي من قياساتنا المادية أو وسائلنا و نواميسنا ، فنحن لا نرى – مثلاً - بيوت الجن و مبانيهم التي يبنونها ولا وسائل حملهم ولا طرقهم ولا ملابسهم و أكلهم و شربهم و لا نعرف شيئاً إلا بعض ما هو منقول و محكي في قصص الدجل و التخاريف و التجديف ، بالتالي فمعجزة الصرح إنما أعطيت لسليمان لتأكيد نبوته وخص بها وحده دون غيره وهو القائل في القرآن الكريم : (( قال رب اغفر لي وهب لي مُلكا لا ينبغي لأحد من بعدي )) فإذا كان من مقتضيات المُلك الذي لا ينبغي لغير نبي الله سليمان عليه الصلاة و السلام الصرح الممرد من قوارير و الذي شارك في بنائه البشر ، وكان مرئياً و محسوساً لغير نبي الله ، ولكنه ملك له وحده ، فما بالنا بما هو لغير البشر قاطبة ؟ والغريب أن العهد القديم يقر بهذه الحقيقة إذ نجد في سفر الملوك الأول الأصحاح الثالث ما يلي : » هو ذا أعطيتك قلباً حكيماً ومميزا حتى أنه لم يكن مثلك قبلك ولا يقوم بعدك نظيرك » فلا يمكن بموجب هذا النص من العهد القديم أن يقوم مقام سليمان في الصرح غيره ، ولا مبرر أيضا للحديث عن إعادة بناء الصرح وهو معجزة وصنعة منقطعة النظير ـ فما بالنا إذا كان الحديث عن هيكل سليمان ؟ وهو صناعة غير بشرية لأن البنائين من الشياطين والجن كما جاء في القرآن الكريم. و من الواضح أن هناك إلتباس وقع فيه الكثير من الناس ، بل وقع فيه كثير من المفسرين و الساردين للتاريخ أو الباحثين ،حيث إختلط الأمر بين ثلاث تكوينات أو مبان أو أشياء هي : 1- الصرح 2- الهيكل 3- المعبد · و نبدأ من المعبد ، فهذا المعبد هو الذي كان قبل ميلاد سيدنا عيسى بن مريم عليه الصلاة و السلام ، و ظل موجوداً إلى عهد طفولة و صبا و شباب سيدتنا المصطفاة البتول مريم عليها وعلى نبينا عيسى المسيح الصلاة و السلام وهناك أوصاف مفصلة لشكل المعبد وطريقة العبادة فيه كما كانت في القرن الأول للميلاد و التي سميت ظلما ، و عدواناً بإسم "الهيكل الثاني" أو "هيكل هيرودس" في مؤلفات المؤرخ " اليهودي " الروماني يوسيفوس فلافيوس، وخاصة في مؤلفته "حروب اليهود" التي تسرد سلسلة الأحداث التي أدت إلى التمرد اليهودي على الرومان وأحداث التمرد. كذلك توجد بعض الدلائل الأثرية التي تدعم أوصاف يوسيفوس فلافيوس مثل حجرتين تحملان نقوشاً باللغة اليونانية تم العثور عليها في حفريات قرب الحرم القدسي (توجد إحداهما في متحف إسطنبول الأثري والأخرى في متحف روكفلر بالقدس)، والتي تحذر الرواد غير اليهود يدخلوا في المكان المقدس، وبوابة تيتوس في روما المنقوش عليها صورة مسيرة جنود رومانيين يحمل كنوز الهيكل بعد انتصارهم على اليهود المتمردين عليهم في القدس وتدميرهم للهيكل. هذا المعبد يهودي أو المعابد ، المحراب أو المحارب ، الذي كانت تصلي فيه أم سيدتنا مريم ، و سيدنا زكريا عليه الصلاة و السلام و غيرهم من الأنبياء و الصالحين و المؤمنين وتلك التي كان يصلي فيها أتباع العهد القديم من يهود و حنيفيين و إبراهيميين ،وتلك التي يعتقد أنها أقيمت في العهد الجديد هما المصدر الرئيس لفرضية وجود هذا المعبد في ما قبل أيام الحشمونيين، وهناك معلومات كثيرة عن المعبد في أواخر أيامه في الكتب الدينية اليهودية الأخرى مثل المشناه والتلمود ، و هي جميعاً بقعاً و أراضٍ و مبان و محارب، للصلاة و التعبد تحولت فيما بعد إلى كنائس مسيحية في في القدس و بيت لحم وما بينهما .. · أما الصرح فهو صرح المُلك ، و مقر الحكم ، الذي جاء عالم من العلماء ، من مستشاري و مساعدي نبي الله سليمان عليه الصلاة و السلام وهو من البشر بعرش بلقيس و وضعه إلى جانبه و القصة معروفة و مذكورة في القرآن الكريم ، والعهد القديم نفسه يسجل انبهار ملكة سبإ بملك سليمان إذ جاء في سفر الملوك الأول الأصحاح العاشر ما يلي : » فلما رأت ملكة سبإ كل حكمة سليمان والبيت الذي بناه وطعام مائدته ومجلس عبيده وموقف خدامه وملابسهم وسقاته ومحرقاته التي كان يصعدها في بيت الرب لم يبق فيها روح بعد « . · أما الهيكل ، أو ما يسمى بهيكل سليمان ، الذي قرر النبي سليمان عليه الصلاة و السلام أن يبنيه في أواخر حياته الشريفة ، فهو مكان بناه الجن له ، بأمر من الله ، و تسخير منه تعالى لهم ، وهو شكلاً و موضوعاً إنتاج الجن ، من النوعية غير القابلة للقسمة على منطق البشر و لا يمكن لقياسات البشر أن تحيط به أو تراه ، و هو بنص الآية الشريفة (وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) ، لاحظ هنا أن الجن تعمل بإذن الله ( بإذن ربه ) ، و أن العمل ظاهره و باطنه ، شكله وموضوعه أساساً ينتمي لعالم الأمر ، و ليس لعالم المشيئة ، أي إلى عالم غيبي غير مدرك بالنسبة للبشر ، مثل البيت المعمور ( على سبيل المثال ) الذي تطوف حوله الملائكة وهو في عالم الأمر ، و هذا واضح بظاهر النص (وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) ، فالقول - عن أمرنا – حل اللغز ، و فك الطلسم المبهم ، و حدد لنا أن البناء بيد الجن و عملهم هو بناء غير محسوس في عالم غير مدرك وهو عالم الأمر ، ليس على الأرض لم يكن و لن يكون ، وهو خاص بالنبي سليمان دون غيره ، لا يراه و لا يعرفه إلا هو من البشر ، .. فكيف يستطيع اليوم اليهود الإدعاء بوجوده في الكون المحسوس ، أو على سطح أو باطن الأرض ، أو أي من الكواكب ، سواء في القدس أو غيرها ؟ أو الإدعاء بأنهم قادرون على إعادة بناء هيكل من صنع الجن ؟ ومما لا ينبغي لأحد من بعد سليمان عليه الصلاة و السلام ؟ هذه الإشكالية ، هي خاصة بين اليهود و من يصدقهم ، مع الجن ، ولا دخل للمسلمين أو العرب أو الفلسطينيين فيها ، فليذهب اليهود إلى الجن .