قراءة في وثيقة «حماس» (2~2) ..عبد الغني سلامة

الأربعاء 12 أبريل 2017 03:50 م / بتوقيت القدس +2GMT
قراءة في وثيقة «حماس» (2~2) ..عبد الغني سلامة



بقراءة أولية لوثيقة «حماس» الجديدة سنجد أن الكثير من النقاط الجوهرية فيها جاءت متطابقة إلى حد كبير مع النظام الداخلي لحركة فتح، خاصة فيما يتعلق بعروبة فلسطين وحدودها، وبتعريف الكيان الصهيوني، والشعب الفلسطيني ووحدانيته، وحق المقاومة (بكافة أشكالها)، وحق العودة، والقدس، ورفض مشاريع التسوية التي لا تلبي الحقوق الوطنية، ولا تضمن حق تقرير المصير، واستقلالية القرار الوطني، واعتبار وعد بلفور وقرار التقسيم وصك الانتداب باطلة، وعدم التدخل في شؤون الدول العربية الداخلية، وتوثيق العلاقات مع الدول المؤيدة للحقوق الفلسطينية، والتفريق بين اليهودية والصهيونية، وأن قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، وأهمية التسامح والتعايش بين مكونات الشعب الفلسطيني، وإدارة العلاقات الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار، والانتخابات، ونبذ الإرهاب والتعصّب الديني والعرقي والطائفي.. وهذه القضايا أصلا موجودة في الميثاق الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الصادر سنة 1968.
إلا أن المجلس الوطني المنعقد في غزة 1998 ألغى البنود التي تدعو للقضاء على إسرائيل. 
كما أن الوثيقة تتشابه في مضمونها مع «برنامج النقاط العشر» الذي أقرته المنظمة العام 1974، وأصبح عماد وركيزة الإستراتيجية الفلسطينية الجديدة، حيث أدخلت حماس في وثيقتها المفردات التي تتقاطع معه، كالحل المرحلي، وجعل المقاومة المسلحة جزءا من أساليب ووسائل المقاومة، ما يعني أن حماس تمهد، أو تعمل على استنساخ تجربة فتح. 
فهل هذا نضوج وتطور في الخطاب الحمساوي، أم هو تغير براغماتي استوجبته الظروف والمستجدات؟ لاسيما وأن أغلبية النقاط السالفة الذكر لم تكن واردة في ميثاق حماس الأول، أو كانت بصورة مختلفة كليا.
وثمة فرق بين الحالتين؛ إذ إن حماس حين صاغت ميثاقها العام 1988م لم تكن وليدة اللحظة، ولم تنبثق حينها من العدم؛ بل كانت نتاج تحول سياسي قامت به جماعة الإخوان المسلمين، التي كان لها تجربة أربعة عقود من العمل السياسي والحزبي في فلسطين، سبقت تأسيس حماس.. سنلاحظ في ذلك الميثاق طغيان السرد الإنشائي المغرق في التنظير الأيديولوجي، ذي الطابع الدعوي السجالي، بينما في الوثيقة الجديدة نجد لغة سياسية ناضجة وعبارات موجزة واضحة، تعبر عن تغير في الوعي والخطاب السياسي لحماس.. ولكن المسألة ليست في حُسن الصياغة، وجزالة الألفاظ، والتشدد أو حتى المبالغة في العبارات.. الأهم في مدى واقعية الخطاب المطروح، والقدرة على تنفيذه، ووجود برنامج سياسي وآليات عمل توضحه وتمهّد لتطبيقه. 
وهذا يقودنا إلى جملة أسئلة، منها مثلا: هل كانت قيادات حماس (الإخوان آنذاك) غير مدركة لطبيعة المرحلة، ومنفصلة عن الواقع بذلك الخطاب الإنشائي الدعوي؟ أم أنها كانت منهمكة في سجال ضد فصائل منظمة التحرير، للاستحواذ على الشارع الفلسطيني، وإفشال برنامج المنظمة، لتطرح نفسها بديلا عنها حينما تنضج الظروف! والسؤال المهم الذي ستحدد إجابته ملامح المرحلة المقبلة: هل استوعبت حماس متطلبات العمل السياسي على الساحة الدولية واشتراطاته وأدواته؟ وكيفت نفسها على هذا الأساس؟ أي كيفت مفاهيمها إزاء قضايا الصراع، وأدواته وأساليبه؟ فإذا كانت الإجابة نعم، فإنها بذلك تتناغم وتنسجم مع البرنامج السياسي لمنظمة التحرير، وبالتالي فإن الخطوة المتوقعة هي التقاء حماس مع فتح وبقية فصائل المنظمة على قاعدة برنامج سياسي واحد (كما جاء في وثيقة حماس)، ما يعني أنه لا مبرر لإدامة الانقسام.. وبالتالي فإن هذا التغير في خطاب حماس يعد أمرا إيجابيا، حتى لو كانت قد تأخرت كثيرا في الوصول إليه.
أما إذا كان هذا التغير رغبة من حماس في دخول الساحة الدولية (منفردة)، من خلال إظهارها درجة من البراغماتية والمرونة تسمح للمجتمع الدولي التعاطي معها، فإن هذا يعني أن حماس لم تتطور بالمعنى الإيجابي؛ بل تغيرت تكتيكيا لغايات تحقيق برنامجها القديم، وطرح نفسها بديلا عن السلطة، وبديلا عن المنظمة، والاستفراد بحكم غزة، وللأسف ثمة ما يشير إلى ذلك: الوثيقة نفسها، تشكيل لجنة إدارة القطاع، الإصرار على رفض إجراء الانتخابات، الدردشات مع الطرف الإسرائيلي.  
ربما كان البند الأهم في الوثيقة ما يتعلق بقبول حماس إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران.. وهذه ليست المرة الأولى التي تتطرق فيها حماس لقضايا الحل السياسي على أساس التسوية السلمية؛ فمثلا طرحت عدة مرات (أثناء الانتفاضة الثانية) هدنة طويلة الأمد مقابل وقف العمليات المسلحة، وفي برنامجها السياسي الانتخابي العام 2006، وكذلك في تبنيها وثيقة الأسرى، وفي بيان حكومة الوحدة الوطنية، وفي عشرات التصريحات لقياداتها والناطقين باسمها كانت تدور في فلك التسوية السلمية، بقبولها الصريح لها وفقا لمعايير الشرعية الدولية تارة، وبشكل موارب تارة أخرى. فبينما كانت القيادة السياسية للحركة تعلن عن تفاصيل واقعيتها السياسية، واستعدادها للتنازل وإبداء المرونة المطلوبة، وبسقوف أقل بكثير من مواقف قيادة السلطة ومنظمة التحرير.. كان ناطقون آخرون باسم الحركة ينبرون للتنصل من تلك التصريحات، ويؤكدون تمسكهم بالثوابت، بلغة تطغى عليها الخطابة والمناكفة وتسجيل المواقف.. وهو أسلوب كانت تتبعه فتح وفصائل المنظمة في عقود القرن الماضي.. أي الخطاب المزدوج..
وفي العقيدة السياسية للإخوان المسلمين (وضمنا حماس) ما يُعرف بالتقية، أي إخفاء ما يضمرونه، وإظهار مواقف براغماتية معاكسة لإيديولوجيتهم، وفي وثيقة حماس الجديدة نجد الكثير من البنود التي تناقض بعضها، أو تناقض ما جاء في ميثاقها، أبرزها التنصل من الإخوان، لأن حماس بحاجة لموافقة مصر لفتح المعبر؛ ومصر السيسي تعتبر الإخوان عدوها الأول، ولا يناسبها في هذه المرحلة أن تكون حماس جزءاً منهم. 
وبالمثل يمكن القول فيما يتعلق بالموقف من اليهود، والدول الغربية، والمجتمع الدولي، والإرهاب، التسوية... 
لا أحبذ إطلاق الأحكام المسبقة، لننتظر، بتفاؤل.. فالأيام القادمة ستظهر نوايا حماس الحقيقية.