الرياض تعيد صياغة العلاقات مع واشنطن ..عبير بشير

الجمعة 24 مارس 2017 07:53 ص / بتوقيت القدس +2GMT



أعادت زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن قاطرة العلاقات التاريخية بين البلدين إلى مسارها الصحيح، بعدما مرت بفترة من التوتر والتباعد في وجهات النظر في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. الاستدارة الأميركية تجاه المملكة السعودية ليست مفاجئة – بالمضمون- إذ أنها تأتي كترجمة فورية لشعار» أميركا عظيمة « الذي رفعه ترامب في حملته الانتخابية، وتعكس التوجه البراغماتي للبيت الأبيض الذي ينظر إلى المصالح العليا والاستراتيجية كونها البوصلة التي تحدد وجهة ومسار السياسات الأميركية. 
اختيار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية لتجديد التحالف معها ليس عشوائياً، فهي دولة عربية وإسلامية محورية وتتمتع بقوة اقتصادية هائلة، علاوة على إنها رأس الحربة في المواجهة المفتوحة مع النظام الإيراني. ويقول سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج في معهد واشنطن، ان الولايات المتحدة تنظر إلى السعودية باعتبارها جزءاً جوهرياً في منطقة الشرق الأوسط رغم بعض التفاصيل والمحرك الرئيسي للعالم الإسلامي. أما صحيفة «نيويورك تايمز» فترى بأن إدارة ترامب تجد في السعودية حليفاً إستراتيجياً في ملفات الشرق الأوسط ومنها الصراع الإسرائيلي العربي، حيث تعول واشنطن على دور سعودي نوعي لكسر جمود ملف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتوصل إلى - صفقة -سلام إقليمي وخصوصاً بأن المملكة هي صاحبة المبادرة العربية للسلام. في الوقت نفسه، تدرك المملكة طبيعة الحالة «الترامبية»، وأولويات «العهد الترامبي»، وهي العودة إلى مسرح الشرق الأوسط بقوة بعد سياسة أوباما الانكفائية والانسحابية منه ولكن ضمن قواعد جديدة، والقضاء على داعش، والتصدي للتوسع الإيراني في المنطقة، وأن واشنطن بحاجة إلى الرياض بقدر حاجة الرياض إلى واشنطن. وقد ميزت الواقعية الشديدة والدراسة العميقة والحسابات الدقيقة ولغة المصالح جولة المسؤولين السعوديين الأخيرة في الولايات المتحدة. لقاء الرئيس الأميركي ترامب وفريقه الرئاسي بالأمير السعودي والوفد المرافق معه في المكتب البيضاوي كان ناجحا بكل المقاييس لأنه تناول تفاصيل التفاصيل، وشكل نقطة تحول مهمة في منظومة العلاقة التي تربط الحكومة السعودية بالإدارة الأميركية الحالية والقائمة على المصلحة المشتركة. الاجتماع الذي حضره نائب الرئيس مايك بينس ومستشار الأمن القومي هربرت ماك رسبكت وكبير المخططين الإستراتيجيين ستيف بانون ...سلط الضوء على مستقبل الشراكة الإستراتيجية بين البلدين في كافة المجلات -السياسية والأمنية والعسكرية والاستخباراتية والتجارية – ورسم ملامح خريطة طريق للتعامل مع الملفات الساخنة في الشرق الأوسط. 
ولأن أنجح المحادثات السياسية هي التي ترتكز على الاقتصاد والاستثمارات، فقد ناقش اللقاء فرص تطوير برنامج جديد يستند على رؤية المملكة 2030 وخطة التحول الوطني وتقوم به مجموعات عمل مشتركة بين البلدين في مجالات الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا تبلغ قيمتها 200 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة ضمن السنوات الأربع المقبلة. 
الاتفاق النووي، والنشاطات الإيرانية الإقليمية المزعزعة للاستقرار، كانت في صلب المحادثات بين ترامب ووزير الدفاع السعودي. وأكد الأخير له بأن الاتفاق النووي سيئ وخطير للغاية وشكل صدمة للعارفين بسياسة المنطقة. ترامب أكد للوفد السعودي بأن بلاده ستستمر في تقييم الوضع، وستواصل مراقبة تنفيذ بنود الاتفاق النووي بشكل صارم والهادف إلى منع طهران من إنتاج قنبلة نووية.
 بالنسبة للملف السوري، فهو لا يمثل أولوية للإدارة الأميركية الجديدة، بقدر ما يمثل للملكة السعودية، ولكن بالإمكان التوصل إلى أرضية مشتركة –عملية – بين الجانبين يكون عنوانها مكافحة تنظيم داعش في سورية، وتحجيم النفوذ الإيراني الكبير فيها. لذلك فإن الحكومة السعودية معنية جدا بانخراط أميركي أوسع في الملعب السوري، من شأنه إعادة رسم خريطة القوى الفاعلة والمقررة فيه، وإعادة التوازن إليه بعدما أصبح لموسكو وطهران اليد العليا على الساحة السورية.
 وبالنسبة لليمن واضح أن الحرب فيها لا يمكن أن تستمر بوتيرتها الحالية، مع تصاعد القلق الدولي من سير العمليات العسكرية هناك، ووجود حاجة ملحة لتغيير السياسات والتكتيكات والأساليب لذلك فإن البحث تركز مع ترامب وأركان الإدارة الأميركية والطواقم المعنية على بلورة استراتيجية سعودية -أميركية جديدة لإدارة الملف اليمني، وتنسيق جهد دولي من شأنه أن يمنح أفقا سياسيا للأزمة اليمنية.
واختصر سلمان الأنصاري مؤسس ورئيس لجنة العلاقات السعودية–الأميركية «سابراك» مشهدية الزيارة بالقول: «إن القادة السعوديين يحضرون الآن إلى البيت الأبيض كشركاء في الحلول، وليسوا فقط كأطراف في النزاعات. وأضاف إن العلاقات السعودية الأميركية كانت قائمة في السابق على مبدأ ( النفط مقابل الأمن ) لكن الآن تغيرت اللغة وأصبحت (الأمن والتجارة مقابل الأمن والتجارة).