حركة حماس تغادر مظلة الميثاق للصعود بقطار المجتمع الدولي ...د.عقل صلاح

الخميس 16 مارس 2017 08:54 ص / بتوقيت القدس +2GMT
حركة حماس تغادر مظلة الميثاق للصعود بقطار المجتمع الدولي ...د.عقل صلاح



نشأت حركة حماس كفرع من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وبدأت الحركة مسيرتها بالعمل الدعوي والاجتماعي. ومن ثم توسعت قاعدتها الشعبية، فشاركت في النقابات المهنية واتحادات الطلبة في الجامعات الفلسطينية، وعملت على بناء مؤسسات خاصة بها‏، في الوقت الذي كانت فيه فصائل منظمة التحرير منشغلة في العمل المقاوم ومستهدفة من قبل الاحتلال. إلا أن الاحتلال غضّ بصره عن أنشطة حركة الإخوان المسلمين وفعالياتها، خلال تلك المرحلة لأن مقاومة الاحتلال لم تكن ضمن أولويات الحركة في ذلك الوقت.
وفي إثر اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987 أعلنت الحركة عن تشكيل حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، كذراع مقاوم من أذرع حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، حيث بدأت بممارسة العمل المقاوم وحدها دون مشاركة فصائل المنظمة، أو حتى حركة الجهاد الإسلامي، في محاولة منها لطرح نفسها بديـلاً من منظمة التحرير. ومن ثم بدأت الحركة بتطوير عملها العسكري إلى أن أصبحت قوة أساسية على الساحة الفلسطينية، ما زاد من قاعدتها الشعبية.
لقد حدد الميثاق الذي صدر عام 1988 مرجعية حماس الأيديولوجية، حيث بيّن في مواده أن منطلقات الحركة الفكرية تنبع من الدين الإسلامي، وتتبع المنهج العقائدي لجماعة الإخوان المسلمين، وحددت مذكرتها التعريفية التي صدرت عام 1993 هويتها السياسية.
وبدأت حركة حماس مسيرتها بتعصب أيديولوجي تمثل برفض قوى اليسار الفلسطيني ونهج منظمة التحرير العلماني ومحاربتها، وهو تعصّب ما لبث أن راح يتغير نحو الوسطية وقبول الآخر بشروط مع بداية ممارستها للعمل المقاوم. من ثم بدأت الحركة بتغليب الجانب السياسي على الأيديولوجي، حيث قامت الحركة بالتحالف مع القوى اليسارية والوطنية المعارضة لاتفاق أوسلو الموقّع بين منظمة التحرير وإسرائيل، وذلك لا يعود إلى معارضته عقيدتها فقط، وإنما رأت الحركة فيه تهديداً لوجودها ولعملها المقاوم.
وقد رفضت حركة حماس المشاركة في الانتخابات التشريعية الأولى وعارضتها معارضة أيديولوجية وسياسية، ويعود ذلك للأسباب التالية: أن مشاركتها في الانتخابات ستوقعها في شرك التناقض الأيديولوجي، وفقدانها لقيادة المعارضة السياسية، مما سيؤدي إلى المساس بمصداقيتها في الشارع الفلسطيني، ولأن المشاركة ستكون على حساب عملها المقاوم.
إلا أن الحركة وافقت على المشاركة في الانتخابات التشريعية الثانية على الرغم من أن مرجعية الانتخابات الأولى والثانية لم تخرج عن مظلة اتفاق أوسلو، وأن ما حدث من تغيرات على النظام الانتخابي كزيادة عدد النواب وغيرها، ما هي إلا تغيرات شكلية فقط. إن السبب الرئيس وراء مشاركة الحركة في النظام السياسي الفلسطيني في عام 2006، هو تغير هيكل الفرص السياسية وانتقاله من حركة فتح، لصالح حركة حماس.
إن المتتبع لمسيرة حماس السياسية يلحظ مسألة في غاية الأهمية، وهي أن الثابت في مسيرتها هو المصلحة الحزبية، والنجاح السياسي، على اعتبار أن سياستها منبثقة من الإسلام، بينما يظهر أن المتغير هو ما قيل عنه ذات يوم، إنه من الثوابت والاستراتيجيات التي لا تساهل فيها، ولا حياد عن أصولها، لكن الأحداث والتحالفات والاصطفافات السياسية في الوطن العربي ما بعد ما أطلق عليه الربيع العربي تظهر بوضوح تذبذباً سياسياً واضحاً في موقف حماس وولاءاتها واصطفافاتها، ما يدفعنا إلى الاعتقاد أن حماس تنتمي إلى مشروع سياسي تغلب عليه المصلحة والتعاطي مع كل فرصة تخدم ذلك المشروع السياسي، بصرف النظر عن مدى مشروعية تلك الفرص وانسجامها مع الثوابت الأساسية، والمعتقدات الدينية التي تضبط إيقاع برنامجها السياسي، وتحالفاتها وعلاقاتها ومواقفها المتعددة.
أوضحت مسيرة حركة حماس بجلاء مدى البراغماتية التي يتسم بها سلوكها السياسي، وقدرتها على تطويع المبادئ لصالح ما تراه مفيداً لها في لحظة معينة، ومن مظاهر ذلك أنه بعد بدء الأعمال العسكرية ضد الحوثيين في اليمن باسم عاصفة الحزم من خلال تحالف عسكري بقيادة السعودية في 26 آذار/مارس عام 2015، أصدرت حماس بياناً في 28 آذار/مارس أيدت فيه التحالف العربي ضد الحوثيين، وأكدت وقوفها مع الشرعية السياسية، وذلك من أجل مواكبة التغيرات السياسية الحاصلة في المنطقة العربية، ومحاولة الاستفادة منها، فيما كانت حماس تنأى بنفسها سابقاً من اتخاذ أي موقف سياسي علني، مؤيد للأحداث الإقليمية، أو معارض لها.
ويمكن القول أن حماس تسير بخطى سريعة نحو التعاطي مع الواقع المحيط، والمستجدات السياسية المتلاحقة، وهو ما يؤهلها لأن تتبوأ المكانة السياسية التي تتبوّأها حركة فتح ممثلة بالسلطة. وستنحو حماس مستقبلاً منحىً أكثر براغماتية يحل فيه السياسي مكان الأيديولوجي بصورة كاملة.
وتجدر الإشارة إلى أن حركة حماس التي نشأت كمشروع إسلامي يسعى إلى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، ورفضت الدخول في مفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، هي كغيرها من الحركات الأيديولوجية التي تكيّف وتطوّع أيديولوجيتها مع تغيرات الواقع السياسي من أجل تحقيق أهدافها، مناقضة في ذلك مبادئها الأيديولوجية الأساسية.
وبعبارة أخرى، إن التقادم الزمني (العامل الزمني) هو من يحكم سياسة التنظيمات الفلسطينية فما كان مرفوض من قبل التنظيمات قبل ثلاثة عقود أصبح اليوم مقبول. فمثلًا منظمة التحرير كانت ترفض حدود الـ 1967 أساسًا للحل السلمي وبعد تأسيسها بثلاثة عقود أصبح المرفوض مقبولًا على الرغم من أن سقف الحلول المطروحة حاليًا أقل بكثير مما طرح سابقًا، حتى وصل الحال للقبول في اتفاق أوسلو، سلطة بلا صلاحيات سيادية. وها هي حركة حماس بعد ثلاثين عامًا من انطلاقتها تقبل ما كانت ترفضه وتعييب على فتح والمنظمة قبوله, فالسياسة الفلسطينية تتحكم فيها قاعدة العامل الزمني.
وعليه، يستدل من الصورة غير الكاملة بخصوص وثيقة حماس المنتظرة التي تركز على بعض القضايا المركزية التي تعتبر من عيوب ونواقص بنود ميثاق الحركة ومنها:
1ـ علاقة حركة حماس بالمسيحيين في فلسطين واعتبارهم مكون وطني.
2ـ الاعتراف بنهج المقاومة الشعبية والاستمرار في الكفاح المسلح.
3ـ الموافقة على دولة فلسطينية على حدود 1967 والقدس عاصمة لها، دون الاعتراف بإسرائيل أو التنازل عن أي جزء منها، مع التأكيد على حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم.
4ـ المحافظة على منظمة التحرير باعتبارها إنجاز وطني يجب انضمام الجميع لها.
5ـ حصر الصراع مع الاحتلال والحركة الصهيونية في داخل فلسطين، وليس مع اليهود بشكل عام.
وتعقيبا على البنود السابقة، إن حركة حماس فيما يخص المسيحيين من حيث الممارسة قامت في انتخابات عام 2006 بدعم مرشح مسيحي (النائب الراحل حسام الطويل)، ومستقلين مسيحيين. إضافة إلى أن الحركة تتعامل مع المسيحيين باحترام وتشاركهم أفراحهم وأحزانهم. أما فيما يتعلق في المقاومة الشعبية، فحركة حماس تعمل منذ نشأتها “كحماس″ في مبدأ المقاومة الشعبية، فهي حركة جماهيرية وشعبية. وبشأن قبول حماس بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الـ67 في الوثيقة الجديدة فهي تؤكد على رؤية منظمة التحرير التي وافقت عليها قبل عقدين من الزمن. وبهذا الشأن يجب التنويه إلى أن ميثاق حماس بين موقفها من القضايا المختلفة وأهمها الحق الإسلامي في فلسطين الكاملة وليس في حدود الـ67 فقط. وأما بخصوص انضمامها لمنظمة التحرير والمحافظة عليها، فيبدو أن حماس تريد الانضمام لها بنسبة تمثيل تؤهلها مستقبلًا للسيطرة عليها، وهذه السيطرة ستعفي حماس من الاعتراف بإسرائيل لأن من سبقوها كانوا قد اعترفو بإسرائيل، فسوف تطبق حماس نفس السياسة التي استخدمها الإخوان المسلمين عندما تولو الحكم في مصر بخصوص اتفاقية كامب ديفيد، وسيقولون نحن ملتزمون بما تم التوصل إليه سابقًا من قبل منظمة التحرير.
إن كل التغييرات التي ستقوم بها حماس على وثيقتها التي ستحل محل الميثاق هي رسائل توجهها الحركة تفيد بأنها مستقبلًا قادرة على التعاطي مع المستجدات الحديثة فهي تعمل بمبدأ التدرج في التغيير والتطويع تمهيدًا للقبول بحل الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي بالطرق السلمية والتفاوض المباشر مع إسرائيل. فهاهي حماس تسير على خطى حركة فتح دون أخذ العبر من تجربة فتح.
لقد ثبت بالوجه القاطع أن ما رددته حركة حماس على أنه ثوابت لا يمكن المساس بها أو الحياد عنها، لم تعد كذلك، وإنما تم تطويعها وإعادة إنتاجها من جديد لتتلاءم مع الواقع السياسي المتغير، بما يكفل لها تحقيق مصالحها الحزبية، وتسهيل عملية وصولها إلى سدة الحكم. إلا أن كل التعديلات التي قامت بها حماس على ميثاقها والتي ستقوم بها مستقبلًا لن تنال من خلالها القبول الدولي إلا إذا تخلت عن الكفاح المسلح واعترفت بإسرائيل بوضوح، وعندها سيتعامل معها المجتمع الدولي كما يتعامل مع حركة فتح، ولكن إسرائيل لن تقدم لها أكثر مما قدمته لمنظمة التحرير.
*كاتب وباحث فلسطيني.
Salah.nablus@yahoo.com