عن زيارة الملك عبد الله إلى القاهرة وأبو مازن إلى لبنان .. وضع الإقليم ...حسين حجازي

السبت 25 فبراير 2017 09:12 ص / بتوقيت القدس +2GMT





في ظروف وأوقات أُخرى ربما ما كان يستوقفنا زيارة يقوم بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الى القاهرة للقاء رئيسها عبد الفتاح السيسي، لكننا نعرف الآن ان هذا قد جاء بعد الكشف المفاجئ عبر صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن اللقاء السري الذي جرى قبل عام برعاية وتدبير جون كيري وزير الخارجية الأميركي السابق في العقبة، وضم الملك عبد الله والرئيس السيسي وبنيامين نتنياهو. وهذا الكشف الذي لم يأتِ مصادفةً ربما وإنما كشفاً للغطاء عن نتنياهو، بعيد زيارته الى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وما طرحه هناك عن الحل الإقليمي.
إن ما استدعى الزيارة إذن أصبح معروفاً اذا أدركنا الحقيقة، ان ما يسمى بالحل الإقليمي وأحياناً التحالف السني بالشراكة مع إسرائيل، أو السلام والخطة الموسعة عن النظام الأمني والإقليمي الأشمل. أيا يكن المسمى فإن مصر والأردن هي قاعدته او مدخله الرئيسي، وهذا التوصيف او الإقرار يطرح سؤالاً بديهياً وأولياً: هل بات يؤمن الرجلان عبد الله والسيسي بان هذا هو النهج او الحل الممكن؟ وثانياً ما الذي اتفقا عليه او تفاهما حوله في هذا اللقاء الذي نحن بصدد سبر غور ابعاده.
والواقع ان ما حدث وربما كانت النقطة الأساسية التي لا بد أن الرجلين أقرا بها، ان ما يسمى بالفرصة او بالحل النهائي قد أعطياها بنفسهما قبل عام في لقاء العقبة السري لنتنياهو. وكان الكشف عنها الذي تلاه تصريح لمسؤول أميركي من إدارة أوباما السابقة «اننا جربناك». وقد فشلت في التجربة او الاختبار فأي ذريعة او حجة بقيت لك؟ وتقول العرب وفي أقوالها حكمة، ان من جرب المجرب فان عقله يكون قد خرب، وإذا خُدعت في المرة الأولى تكون انت الضحية، ولكن في المرة الثانية تكون انت الجاني على نفسك.
لكن التفاهمات بين الزعماء العرب شأنها شأن التفاهمات الدبلوماسية، التي جرت في الماضي وتجري اليوم او غداً بين جميع الزعماء الآخرين في العالم في إطار العلاقات الدولية، فهناك نقاط مشتركة يتفق عليها بوضوح، ولكن هناك نقاط أخرى اكثر إشكالية ربما يتفق عليها بصورة ضمنية أو حتى غير مباشرة، بصورة ربما تبقى غير واضحة أو يصار إلى تأجيلها دون حسمها. وهكذا كان سبر الأغوار والنوايا ما يمكن الاتفاق حوله، وما يمثل المواءمة يبقى هو الهدف او النتيجة التي ينتهي اليها اللقاء. وحيث تبقى هذه النتيجة طي الكتمان بينهما حتى عن مساعديهم.
هذا في العموم لكن المتغير الجديد عما جرى في العقبة، ان دونالد ترامب حل مكان باراك أوباما. وان هذا الرئيس قال بانه سوف يتشاور مع الزعماء العرب في شأن الخطة او الصفقة الكبرى التي ينوي عرضها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وان هذا اللقاء بين الرجلين المعنيين بالمسألة انما يتم تحت تأثير هذا المتغير، وبصورة أخص تحت تأثير الرئيس الجديد في البيت الأبيض. وإذ سبق وان قابل الملك عبد الله هذا الرئيس، فهل بحث الرجلان فيما يمكن ان يقوله الرئيس السيسي له؟.
وبدت النبرة الأردنية بعد لقاء عبد الله ترامب اكثر وضوحا في التأكيد على حل الدولتين والدولة الفلسطينية، فهل ثمة فارق او اختلاف في اللغة ما يشي بدلالة هنا في إشارة مصر المتكررة بالعموم، عن العملية السياسية والتأكيد على حل القضية الفلسطينية؟ لكن الموقف والجواب الذي صدر عن اللقاء بين الزعيمين في القاهرة كان قاطعاً وجازماً، بالتأكيد على ان حل الدولتين والدولة الفلسطينية هو ثابت قومي. وهذا التأكيد القاطع هو جواب يريح الفلسطينيين ويمثل جواباً على نتنياهو، وربما اتفاقاً مع ترامب الذي صرح أمام نتنياهو في لقائهما انه يرى هذا الحل القائم على دولتين هو الأسهل.
لكن ربما ما يطرح السؤال هنا ليس التشكيك في الغاية او الهدف النهائي لعملية السلام او الخطة الموسعة، وإنما الأسلوب والوسيلة لمقاربة هذا الهدف. وحيث هنا الاشواك الحقيقية التي يراهن عليها نتنياهو، كما ربما الهواجس التي تكون أكثر إلحاحاً أو ضغوطاً على الأطراف، التي قد تشارك في هذه اللعبة. وهي واحدة من التعقيدات التي تحيط بمفهوم الحل الإقليمي بين هذه الأطراف.
ويقولون دوماً إن الشيطان يكمن في التفاصيل، وإذ تنحصر هواجس الفلسطينيين بأن لا يصلوا بالنهاية الى الهدف، اذا كان هدف نتنياهو هو الالتفاف على حل الدولتين بمفاوضة العرب وإرهاقهم، حول أيهما اسبق في تطبيق المبادرة العربية البيضة أم الدجاجة؟ الانسحاب الإسرائيلي الناجز وإنهاء الاحتلال أم التطبيع؟ وان الفلسطينيين يقولون هنا خسارة على الوقت. فان هاجس الملك عبد الله أن تكون هذه المناورة هدفها بالاخير تحويل الأردن الى فلسطين، أي الوطن البديل مثلما الحديث في المقابل عن دولة غزة الموسعة بجزء من شمال سيناء.
وردت السعودية التي وحدها ربما من يعطي التطبيع العربي والإسلامي، أي وزن المكافأة الحقيقي، على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير بوضوح: «الانسحاب من حدود 4 حزيران 1967 أولا». وإذ فهم وكان واضحا انه حتى توقيع اتفاقات السلام مع مصر والأردن، وهو ما جرى فعليا لم يضمن أو يحقق التطبيع الإسرائيلي والسلام الشامل والكلي مع العالم العربي والإسلامي.
فهل لهذا السبب شهدنا هذا القدر من تخبط التصريحات والمواقف على لسان نتنياهو عن حل الدولتين؟ ولكن القائم على دولة فلسطينية ناقصة؟ الى الحكم الذاتي وبالأخير رفض حل الدولتين كما رفض ضم مليوني فلسطيني، أي رفض حل الدولة الواحدة؟.
واذا اصبح واضحا لنا ان السجال حول الحل الإقليمي انسحب الأسبوع الماضي الى الهواجس الإيرانية، التي دعت ممثلي حركات وأحزاب من ثمانين دولة الى عقد مؤتمر تضامني في طهران مع الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية. فان الرد الاستباقي الإيراني لم يقتصر على الجانب الدعائي في مواجهة هاجس تبلور التحالف الإسرائيلي السني المزعوم، وإنما قام حسن نصر الله بالتهديد متجاوزاً الخطوط الحمر باستهداف المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا، وخزان غاز الأمونيا الكيماوي، في محاولة واضحة لتوجيه رسالة رادعة لإسرائيل وترامب إزاء أي هجوم على ايران، وهو تهديد لا سابق له.
وفي الخلاصة لا يمكن إتمام أي حل إقليمي او سلام شامل بين العرب وإسرائيل من دون السعودية، وعلى مستوى توازنات المحاور الإقليمية من دون موافقة المثلث السني الذي يضم السعودية وقطر وتركيا. ولكنه لا يمكن أن يستقر ويستمر من دون المحور الإيراني العراقي السوري اللبناني، الذي يمكن ان يفسره المحور الإيراني كتهديد وإعلان حرب وقلب للتوازنات، او اقله استثناء او تجاهل لمطالب سورية في الجولان ولبنان في مزارع شبعا. فكيف يمكن عندئذ إرساء هذا الحل أو السلام الناقص؟ اللهم إلا إذا كان الهدف ليس الحل وإنما الحرب ضد إيران؟ وهو ما يسعى إليه نتنياهو والالتفاف على حل القضية الفلسطينية، أو في افضل الأحوال تقديم بعض الحلول الترقيعية والناقصة كما طرح نتنياهو في لقاء العقبة.
شيء من قبيل الميتافيزيقيا أو الأحجيات. ولكن هل لهذا السبب اعلن هذه المرة ترامب في لقائه يوم الخميس مع رويتر بوضوح لأول مرة التزامه حل الدولتين؟ وفيما حاول نتنياهو الهرب من الضغوط الداخلية عليه في تحقيقات الشرطة حول فساده، بالذهاب إلى آخر الدنيا بزيارة سنغافورة وأستراليا، فقد سمع هناك نفس الكلمة التي لا يزال يحاول الهرب من سماعها من سنغافورة وأستراليا غير المذكورين في أجندة الأخبار عن حل الدولتين.
أما الرئيس محمود عباس فقد فضل في هذا الوقت زيارة لبنان والالتقاء برئيسها المحترم ميشيل عون، وان يستغل هذه الزيارة لتكريم مناضل وصديق كبير للشعب الفلسطيني وثورته الأستاذ محسن إبراهيم، ومنحه باسم الشعب الفلسطيني وساما رفيعا تقديرا لدوره كشريك للثورة الفلسطينية زمن الحقبة اللبنانية. وهما زيارتان تعكسان أخيرا المزاج وربما الهاجس المتناقض بين الرجلين عباس ونتنياهو، في وقت يبدو مستقطعا وانتظاريا ولكنه فلسطينيا يبدو انه الأقوى حجة وإقناعاً. اذا كان وحده الحل الفلسطيني والذي يقبل به الفلسطينيون أي الدولة الفلسطينية وحل الدولتين، هو في الوقت نفسه الحل الوحيد من وجهة نظر الحل الإقليمي لحل جميع التناقضات أو التعارضات في الإقليم. ألم يقل حسن نصر الله مؤخرا انه لا يمكن أن يقرر نيابة على ما يوافق عليه الفلسطينيون؟ وقال الرئيس عون لأبو مازن من دون عدالة لا يمكن أن يكون هناك سلام.