لقاء نيتانياهو- ترامب.. التأثيرات والمواجهة ...اللواء. محمد إبراهيم

السبت 11 فبراير 2017 04:30 م / بتوقيت القدس +2GMT
لقاء نيتانياهو- ترامب.. التأثيرات والمواجهة ...اللواء. محمد إبراهيم



من الخطأ أن يتصور أحد أن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى المقررة لواشنطن خلال منتصف فبراير الحالى ولقاءه الرئيس ترامب ستكون نقطة تحول دراماتيكى فى العلاقات الثنائية بين الجانبين, فالأمر الواضح الذى يؤكده استقراء تاريخ هذه العلاقة يشير إلى أنها علاقات إستراتيجية متكاملة الجوانب ولم يحدث فى أى وقت أن اتخذت واشنطن قراراً كان له تأثير سلبى على الأمن الإسرائيلى أو على قوة الدولة، يستوى فى ذلك كل الإدارات الديمقراطية والجمهورية وإن كانت هناك بعض الاختلافات التكتيكية المحدودة التى لم تؤثر نتائجها على وضعية إسرائيل فى المنطقة.

من الضرورى أن أبدأ بإعادة التذكير أن أهم صفقة عسكرية تمت بين الجانبين كانت فى عهد الرئيس أوباما وقبل مغادرته البيت الأبيض بأسابيع قليلة (قيمتها 38 مليار دولار)، وهو ما يعكس مدى الأهمية التى توليها الولايات المتحدة للحفاظ على التفوق العسكرى الإسرائيلى فى المنطقة فى مواجهة الدول العربية وإيران بغض النظر عن طبيعة السلطة الحاكمة فى واشنطن أو فى تل أبيب. ومن المفيد أن نشير هنا أيضاً إلى أن التصريحات المؤيدة لإسرائيل التى أطلقها الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية تتماشى بشكل عام مع طبيعة التصريحات التى يطلقها كل المرشحين للرئاسة .

نأتى إلى زيارة نيتانياهو إلى واشنطن التى تتم بعد أقل من شهر من تولى ترامب الرئاسة, وهى زيارة تتم فى وسط محيط مختلف إلى حد كبير، عقب وجود توتر فى العلاقة بين نيتانياهو والإدارة الأمريكية السابقة انتهت بتمرير مجلس الأمن قرارا يدين سياسة الاستيطان الإسرائيلى دون استخدام واشنطن حق الفيتو, هذا بالإضافة إلى تزايد الإرهاب فى المنطقة, والجمود التام الذى تشهده عملية السلام فى الشرق الأوسط, وكذا توتر العلاقات الأمريكية - الإيرانية, وفى النهاية هناك حديث حول جدية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس, ولاشك أن كل هذه العوامل تضفى مزيداً من الأهمية على الزيارة وأجندتها ونتائجها .

السؤال الذى يطرح نفسه ماهو الجديد الذى يحمله نيتانياهو وما هى أولوياته وهو يلتقى إدراة جديدة أعلن رئيسها منذ اليوم الأول انحيازه الكامل لإسرائيل , ولذا فإن نيتانياهو سوف يحرص على استثمار كل مواقف ترامب تجاه إسرائيل وقوة الدفع التى لاتزال تحيط بهذه العلاقة من أجل الحصول على كل ما يمكن أن يحصده من دعم أمريكى قوى لكل القضايا المثارة التى تهم إسرائيل فى المقام الأول وبالطبع قضايا الاهتمام المشترك على المستويات الثنائية أو الإقليمية أو الدولية .

من هذا المنطلق سوف يركز نيتانياهو على خمس قضايا رئيسية، الأولى هى التوافق على أسس تحجيم النفوذ الإيرانى الذى يتزايد فى المنطقة وكيف يمكن الضغط على إيران حتى لا تستثمر الاتفاق النووى الذى تم توقيعه مع الرئيس أوباما فى امتلاكها سلاحا نوويا. والثانية تتمثل فى التصدى لأي ضغوط خارجية على إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية دون أن ترفض إسرائيل استعدادها لاستئناف التفاوض بما لا يؤثر على أمنها. والقضية الثالثة وهى مزيد من التنسيق الثنائى فى مواجهة الإرهاب فى المنطقة وأن تكون إسرائيل أحد مرتكزات المنظومة الأمنية الإقليمية, أما القضية الرابعة فسوف تكون دفع ترامب للوفاء بتعهداته بشأن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس, وفيما يتعلق بالقضية الخامسة والأخيرة فسوف تركز على قضية الاستيطان الإسرائيلى والعمل على فصلها قدر الإمكان عن جهود التسوية السياسية .

فى ضوء هذا التوجه الإسرائيلى الضاغط فمن الضرورى أن نوضح المواقف الأمريكية المتوقعة، حيث سيكون الرئيس ترامب مضطراً للتعامل مع القضايا التى سيطرحها نيتانياهو. وفى تقديرنا أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستدور مواقفها فى الأطر الخمسة التالية :-

الأول، إعادة تأكيد عمق العلاقات الإستراتيجية بين الدولتين والوعد بأنها سوف تشهد تقدماً ملحوظاً خلال المرحلة المقبلة فى مختلف المجالات .

الثاني، يتمثل فى أن الإدارة الجديدة سوف تؤكد وجود توافق كامل فى الرؤى بين الجانبين إزاء المخاطر الإيرانية وعدم السماح لطهران بأن تهدد إسرائيل فى أي مرحلة من المراحل حتى لو وصل الأمر إلى التعامل بشكل مختلف ضد الاتفاق النووى الإيرانى .

الثالث، يتعلق بتأكيد الرفض الأمريكى المطلق لأي ضغوط على إسرائيل فى عملية السلام وأن واشنطن سوف تكون داعمة لإسرائيل فى هذا الشأن, وأن الرؤية الأمريكية للحل لن تلغى فكرة حل الدولتين وتركز على اسئتناف المفاوضات المباشرة برعاية أمريكية وسيحرص ترامب على الحصول على موافقة إسرائيل على هذا التوجه.

الرابع، يتمثل فى تأكيد التوجه نحو تنفيذ تعهدات ترامب بالنسبة لنقل السفارة الأمريكية للقدس مع إمكانية البدء فى إتخاذ خطوات إجرائية مؤقتة على الأرض ترضى إسرائيل جزئياً دون أن يصل الأمر إلى مرحلة النقل الكامل للسفارة حتى لا يقوض ذلك جهود واشنطن، إذا أرادت استئناف جهود السلام أو الإضرار بمصالحها فى الخارج .

الخامس، وهو تعهد واشنطن بألا تتخذ مواقف علنية حادة ضد سياسة إسرائيل الاستيطانية وأن تنفذها فى حدها الأدنى مع مراعاة المناخ العام فى حالة استئناف عملية السلام .

على ضوء ما سبق يثار التساؤل المهم وهو كيف يمكن للدول العربية مواجهة أي تأثيرات سلبية من جراء هذه العلاقة. وهنا أرى أن أسس المواجهة يجب أن تركز على الجوانب الموضوعية فقط، بمعنى أن تكون لنا مواقف واضحة حاسمة إزاء قضيتى نقل السفارة الأمريكية للقدس والاستيطان لأنهما يدمران عملية السلام تماماً وإبلاغ واشنطن أن نقل السفارة سوف يؤدى إلى ردود فعل عنيفة ضد المصالح الإسرائيلية والأمريكية. كما يجب على الدول العربية أن تكون مستعدة اليوم وليس غداً لطرح رؤيتها لحل القضية الفلسطينية بشكل واقعى ومتكامل حتى لا نترك الإدارة الجديدة تحت وطأة الرؤية الإسرائيلية فقط، والزعم بعدم وجود شريك عربى أو فلسطينى. ومازلت أرى أن مبادرة السلام العربية المطروحة منذ عام 2002 تمثل أفضل الرؤى المطروحة للحل الشامل .

عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية