العالم يتحد في مواجهة الاستيطان وعدم تجاوز حل الدولتين ...حسين حجازي

السبت 11 فبراير 2017 04:15 م / بتوقيت القدس +2GMT



 

يريحنا إلى حد جيد ومقبول الموقف الجماعي العالمي الذي انطلق مثلما الإعصار أو السيل رفضاً بل وغضباً، من هذا الاستهتار والوقاحة الذي انطوى عليه السلوك الأرعن لهذه الزمرة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، في الذهاب إلى حد إصدار هذا القانون من الكنيست الذي يشرعن الاستيطان، بينما لم يجف بعد الحبر الذي صيغ به قرار مجلس الأمن الدولي 2334، والبيان الصادر عن المؤتمر الدولي للسلام في باريس. وظهروا وكأنهم يهينون العالم اعتقاداً منهم بأن ريحهم هبت مع تغير الإدارة في البيت الأبيض ومجيء دونالد ترامب لفعل ما يحلو لهم، ليتضح خلال الأسبوعين الماضيين أن ذلك ليس سوى هراء وتفكير صبياني، إذ حتى في إدارة ترامب قالوا انهم ضد هذا التوسع في الاستيطان وانهم ينتظرون قدوم نتنياهو لبحث الموضوع معه. 
والذي حدث في الواقع أنها كانت لعبة طفولية أشبه بلعبة الأطفال عن الشرطي واللصوص «بوليس وحرامية»، ولكنها تفيح بروائح نتنة وكريهة على مستوى لصوص هذا العصر بمحاولاتهم سرقة الأراضي الفلسطينية أمام نظر العالم، ولا زال أهل وأصحاب الأرض حاضرين. كما لو أن كل واحد منهم يخشى الشرطي ويريد أن يحفظ لنفسه النجاة من المساءلة أو العقاب، وهكذا تغيّب عن قصد رئيس الوزراء الخبير الآن في التحقيقات الشرطية باشتباه الفساد عن جلسة التصويت، بعد أن صرح بدعوته تأجيل طرح هذا التصويت، ولكنه ترك من طرف خفي المجال لطرح هذا التصويت ولم يتدخل بقوة لمنعه. 
وجرياً على تقاليد الدسائس والمكائد اليهودية فان نتنياهو ربما أراد من ذلك، توريط خصمه ومنافسه على تمثيل المستوطنين أي نفتالي بينت، والذي لا يزال شاباً غراً حامي الرأس، بإخراجه في النهاية كخاسر وكسياسي فاشل واحمق مع فشل القانون وانعدام القدرة على تنفيذه لاحقاً. 
وأوعز إلى وزارة الخارجية إصدار هذا التفسير لقانون ادرك الرجل قبل لقائه مع ترامب، انه يمثل حتى استفزازاً أو إحراجاً لترامب شخصياً النرجسي والمعتد بنفسه إلى حد الغرور، بأن أحداً لا يمكن أن يستغله أو يحوله إلى أضحوكة، وهم لم يتوقفوا منذ تربعه على سدة الحكم من مواصلة الظهور أمام العالم وكأنهم يستغلونه او باسمه، بأن يقولوا للعالم بان هذا القانون سوف تلغيه المحكمة العليا الإسرائيلية، وبالتالي هدئوا من روعكم، وهو ما قاله مستشارو ترامب من أنه لن يمشي. 
والواقع أنه في هذا الفصل سيئ الإخراج من هذه اللعبة او المغامرة، لعلها كانت لحظة نادرة من الكشف لنا عند هذه النقطة الضبابية بعد التغيير الذي حدث في أميركا مع مجيء دونالد ترامب، فهل نعرف الآن وجهة السفر؟ وها هي العلامات: 
    إن ما بدا في الوهم أو التوقع الإسرائيلي اليميني المتطرف أنها الفرصة السانحة أو الانقلاب الحاد، لما أسماه نتنياهو «التغير التاريخي»، أنه في أقصى أو أسوأ الفرضيات أو الاحتمالات ربما تكون فرصة، ولكنه يتضح الآن أنها مرة أُخرى في الظروف المعطاة والعامل المتغير هنا العاطفة الشخصية لدونالد ترامب. ولكن هذه الفرصة تقترن بالمخاطرة وليست مجردة أو بطاقة مفتوحة، اذا كان هناك تحليل يقول من لدن المقربين من الإدارة الحالية في واشنطن، ان انقلاب ترامب تقتصر حدوده أو تتركز على السياسة الداخلية في أميركا وليس على السياسة الخارجية ولاسيما في الشرق الأوسط. والإشارات هنا كانت واضحة سواء في عدم نقل السفارة الى القدس او حتى في الموقف الآخذ في التبلور من الاستيطان. 
شهدنا ان العالم قاطبة ما زال مستفزاً ومعبأ إزاء أي تجاوزات او خروقات لما أصبح يمثل خطوطاً حمرا لا يمكن التهاون معها او التغاضي عنها، يمكن ان تجرب إسرائيل تجاوزها. وهذه الخطوط هي حل الدولتين والاستيطان، وكان هنا التلويح بالتهديد القضائي والقانوني في جميع المواقف الدولية، ولا سيما على لسان الأمين العام الجديد للأمم المتحدة بتدفيع المسؤولين الإسرائيليين الثمن. 
هل هو ارتباك أم إفلاس وأزمة أو حتى تصدعات أو تخبط في المعسكر اليميني المتطرف؟ وكل تطرف هو مشروع فاشل عدا عن كونه تعسراً أو غباء فكرياً. هل هذا ما يحدث حتى مع دونالد ترامب، وقد خلصوا من بارك أوباما وكيري؟ ويدلنا الصراخ والعويل الذي يقترن بالتهديد والوعيد حتى من داخل حزب الليكود بعزل نتنياهو، ان هو وافق على حل الدولتين أمام ترامب يوم الأربعاء القادم أو تراخى أمامه في الدفاع عن الاستيطان، فسوف ترى. بل إن أصواتاً صدرت مبكراً وكأنهم غير واثقين من الرجل في لقائه مع ترامب لنزع الشرعية عنه، وقالوا إنه لا يمثلنا وإنما يمثل شخصه. وأضافوا إن المسألة ليست لقاء شخصياً. 
وكان في سابقة غير معهودة أعلن المستشار القضائي للحكومة والنائب العام أنهم لن يدافعوا قانونياً عن الحكومة وعن قانون الكنيست بتبييض المستوطنات، بل سوف يقفون امام المحكمة العليا ضد موقف الحكومة وكأنهم يقولون سوف نحاول إصلاح او إنقاذكم من هذه التصرفات العبثية الحمقاء. وربما من طرف خفي الرد على دسائس وألاعيب نتنياهو بتوريطهم قبل ان يقوم المستشار القضائي للحكومة، بإقالة نتنياهو نفسه بعد انتهاء تحقيقات الشرطة معه الى تقديم لائحة اتهام ضده. 
وفي سابقة أُخرى وكأن فرائص الرجل ترتعد قبل مقابلته رئيس البيت الأبيض الجديد، وعلى غير العادة دعا نتنياهو المجلس الوزاري المصغر يوم غد الأحد قبل سفره الى أميركا للاجتماع استثنائياً، ليقرروا ماذا يقولون للقيصر الجديد. اما هذا الأخير وفي موقف يفك بعض الغموض الذي واصل الاحتفاظ به حتى الآن، بقة الحصوة في مقابلته مع صحيفة «إسرائيل هايوم» منتقداً التوسع الاستيطاني وقانون الكنيست الأخير لأول مرة، واضعاً حداً للصمت قبل وصول نتنياهو. معتبراً أن هذا الاستيطان لن يبقي للفلسطينيين أي ارض من أراضيهم وهي التي أصلا صغيرة ومحدودة. 
فهل أراد الرجل أن يقول لنتنياهو انه ليس ألعوبةً او أضحوكة بيده؟ وأن هذا التصريح يأتي على ما يبدو بعد فشل رئيسة الوزراء البريطانية السيدة تيريزا ماي أخذ أي التزام من نتنياهو بشأن حل الدولتين او وقف الاستيطان. وبالتالي يمكن تفسير المعلومات التي تسربت قبل أيام في هذا السياق من مطالبة ترامب نتنياهو، ان يأتي لمقابلته بموقف إسرائيلي واضح من السلام مع الفلسطينيين.  
هل يتضح الآن أن قضية ابتلاع الضفة عبر الاستيطان وتجاوز حل الدولتين والدولة الفلسطينية هي مسألة اكبر من إسرائيل؟ وان الموضوع يتجاوز هذه السلسلة المتواصلة ولكن عديمة الجدوى من محاولة الالتفاف على حقائق الصراع الصلبة، عبر الأحاييل والحيل والمناورات او الخطوط الدفاعية؟ تماماً كما هو الخط الدفاعي الأخير في التحقيقات مع الشرطة بشأن هدايا الشمبانيا الفاخرة والسيجار الكوبي الشهير، كالقول ان الزجاجات كانت لزوجته سارة والسجائر قام بدفع ثمنها نقداً بمساعدة أحد أقربائه. 
تُرى إذن ما هو الخط الدفاعي الجديد أمام ترامب؟ والجواب ربما يكون واضحاً رفض الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة. والحل بالائتلاف الأمني الإقليمي مع الدول العربية كمدخل للحل مع الفلسطينيين، أي إدارة اللعبة من المؤخرة بدلاً من المقدمة. ولكننا سوف نعرف بعد أيام ما الذي اتفقوا عليه في مجلس الوزراء المصغر ليعرضوه، وما هي قوام وحدود ما يطلق عليه ترامب بالصفقة الكبرى او التاريخية لحل الصراع؟ لننتظر ونرَ.