"حياتي من النكبة إلى الثورة" للدكتور نبيل شعث

الثلاثاء 07 فبراير 2017 03:28 م / بتوقيت القدس +2GMT
"حياتي من النكبة إلى الثورة" للدكتور نبيل شعث



القاهرة \ وكالات \

شهدت قاعة أمل دنقل في معرض القاهرة الدولي للكتاب، مساء أول من أمس، ندوة مناقشة كتاب "حياتي من النكبة إلى الثورة" للدكتور نبيل شعث، الصادر عن دار الشروق للنشر والتوزيع في عمّان ورام الله، بحضور المؤلف، وعماد الدين حسين رئيس تحرير صحيفة "الشروق".

وقال شعث خلال ندوة مناقشة كتابه "حياتى من النكبة إلى الثورة": هذا الكتاب هو بمثابة قصة حياتى، وتزاوج بين تاريخي الشخصي والتاريخ الوطني، وصغته بطريقة ربما تكون مغايرة لعله يتم كسر الملل والجمود المصاحب للروايات التاريخية الجامدة عادة.

وأضاف: هذا الكتاب يتناول مواجهات إسرائيل من بدايته حتى نهايته، حيث إن المواجهة كانت فى البداية بالكفاح المسلح من الجزائر من خلال الفدائيين الذين يتم استضافتهم فى فلسطين، ويعودون مرة أخرى إلى خارج البلاد بعد أن ينفذوا عملياتهم، مروراًً بالانتفاضة وغيرها من الأحداث المركزية، مشدداً على أن للمقاومة "أشكالا مختلفة ربما تكون مختلفة عن النماذج الموجودة فى هذا العصر، ولكن فى النهاية المقاومة ستظل مستمرة حتى التحرير"، لافتاً في هذا الكتاب الى روح هذا النضال الفلسطيني ضد الاحتلال.

ويمكن اعتبار الكتاب ليس فقط سيرةً ذاتية تقدم مرحلة من أكثر مراحل التاريخ الفلسطيني تعقيداً عبر قراءة موسعة لما عايش وخبر من أحداث ساهم فيها، أو تركت أثراً في حياته، بل هي أيضاً سيرة شعب وتاريخ كفاحه الوطني والسياسي لنيل حقوقه.

والحقيقة ان في الكتاب ما يثير الفضول لقراءة الصفحة تلو الأخرى دون تلكؤ، ومحاولة التلصص على حكايات الصفحات المتقدمة قليلاً أو أكثر، وبالتالي الكتابة عنه تبدو مهمة شاقة أمام قيمته الفكرية والوطنية وطريقته الجميلة في السرد الذي يجعلها أقرب إلى سرد أدبي ما أحياناً غير بعيد عن توظيف للبصريات التي تبدو في تارات عدة كمشاهد سينمائية بديعة.

تحت عنوان "أجمل أيام العمر" كتب "كان يوم دخولي إلى أرض الوطن 19 أيار 1994 يوماً من أجمل أيام العمر بل هو أجملها، تجسدت فيه رومانسية العودة التي بقيت في قلبي وفكري منذ غادرنا يافا إلى مصر في عام 1947، وعليها ربّيت أولادي. كان ابناي علي ورامي يتصوران أن برتقال غزة وثمار البوملي الخضراء الكبيرة في أريحا من ثمار الجنة، وكانت ابنتي رندا تتصور أن الزيتون وزيت الزيتون اللذين كانا يأتياننا من الضفة أو من الجليل الأعلى هما أيضاً من نتاج الجنة"، ليسرد حكاية الدخول بالتفصيل، متذكراً ما كتبه محمود درويش ذات يوم:
"هذا هو العرس الذي لا ينتهي
في ساحة لا تنتهي
في ليلة لا تنتهي
هذا هو العرس الفلسطيني
لا يصل الحبيب إلى الحبيب
إلا شهيداً أو شريداً".

وتوزع الكتاب في 550 صفحة من القطع المتوسط، على أربعة عشر فصلاً غير المقدمة، و"أجمل أيام العمر"، والملاحق، والصور، وهي: الجذور، وصباي في الإسكندرية، وأيام الشباب في كلية التجارة بجامعة الاسكندرية، وسنة البحث عن هوية ومهنة (1958-1959)، وحياتي في الولايات المتحدة – جامعة بنسلفانيا (1959 – 1963)، ومنظمة الطلاب العرب ومنظمة التحرير، ومصر: المعهد القومي والنكسة (1965 – 1969)، والكرامة وإزالة آثار العدوان، وبيروت: الأستاذ الجامعي والثائر (1969 – 1971)، ومن الربيع الفلسطيني إلى الإرهاب الإسرائيلي (1971 – 1973)، وحرب 1973 وما بعدها، وأبو عمار في الأمم المتحدة (1974)، وسنوات الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1982)، وملحمة بيروت: حزيران 1982.

ومن الجذور نقتبس "ولدت في مدينة صفد العريقة يوم 9 من آب عام 1938 لأب فلسطيني من غزة وأم لبنانية من بيروت ... تعسرت ولادتي، وفشلت القابلات في عملهن مدة ثلاثة أيام، عانت فيها أمي من آلام الولادة. كان إحضار الطبيب المختص من مدينة طبريا، القريبة من صفد، أمراً بالغ الصعوبة، تطلب الحصول على تصاريح من القوات البريطانية، ومن قيادة الثورة. ووصل الطبيب بعد ولادتي بساعات ! قالوا لي إني لم أصرخ عندما ولدت شأن بقية الأطفال، وإن القابلة التي قامت بتوليدي ضربتني عدة مرات حتى صرخت".. "ظننت، في صباي أن ذلك دليل شجاعة مبكرة، ولكن الحقيقة أنني ولدت مغمى عليّ بسبب طول فترة الطلق والولادة، وكان لا بد من إنعاشي، وقد ساهم طبيب طبريا في ذلك، وطمأن الأهل بأنني حي أرزق، وفي صحة جيدة".

وفي مقطع آخر قال "أدت نكبة 1948 إلى هجرة عائلتي من يافا إلى مدينة غزة، ومنها إلى الشتات الفلسطيني، وإلى هجرة أبناء العائلة من بئر السبع إلى مخيم رفح للاجئين، فيما يسمى "بلوك الشعوت" على اسم معظم سكانه .. وكانت مخيمات اللاجئين مقسمة إلى بلوكات، الذي أصبح فيما بعد قلعة للصمود والمواجهة مع قوات الاحتلال في الانتفاضتين الأولى والثانية. وعندما عدنا إلى فلسطين عام 1994 كان هناك ما يزيد على السبعين أسيراً من العائلة في سجون الاحتلال الإسرائيلية، وقد تم تحريرهم جميعاً ضمن تسعة آلاف أسير حرروا من الأسر الإسرائيلي، نتيجة لتوقيع اتفاق غزة أريحا عام 1994".

ويتذكر "كان أبي يشتري لنا الكتب المتاحة في فلسطين للأطفال، ولكنه كان يعود من رحلاته السنوية إلى مصر محملاً بالكتب. أتاح لي ذلك الفرصة لقراءة كتاب كامل الكيلاني كلها قبل أن أكمل التاسعة من عمري. قرأت أيضاً أليس في بلاد العجائب، وكنت أتساءل لماذا لا ينتهي ذلك العنوان بعلامة استفهام؟ وقرأت ترجمات لكتب أندرسون والإخوة جريم. أذكر في عيد ميلادي السابع جلسة مع الوالد، قال لي فيها: اليوم تخطيت يا نبيل مرحلة الطفولة، وعليك أن تنفق وقتاً أكبر في القراءة الجادة، وفي مناقشتي فيما تقرأ، وفي محاولة الكتابة الحرة. اكتساب الثقافة يا بنيّ يبدأ في الصغر، ولا ينتهي أبداً".

وفي فصل "حياتي في الولايات المتحدة"، يتذكر شعث اليوم الأول له في جامعة بنسلفانيا .. "وجهت لي الأسئلة المحرجة والتعليقات الساخرة الحاقدة، ولم تقل نبرة العداء أبداً عندما أبلغتهم بأنني فلسطيني. كراهيتهم للعرب، وللرئيس جمال عبد الناصر بشكل خاص، وانحيازهم الكامل لإسرائيل كان واضحاً جداً. حاولت مقارعة الحجة بالحجة، والتمسك بالصبر وعدم الانسياق إلى الغضب بلا جدوى. تحولت المناقشة إلى مجادلة، وإلى محاصرتي بعدد كبير من الطلاب بلا معين. لم أفقد ثقتي، ولم أنس للحظة أنني العربي الفلسطيني ابن علي شعث، وإن عليّ أن أواجههم جميعاً، من دون أن أفقد أعصابي. طالب واحد هندي الأصل تدخل أخيراً، وشدّني بعيداً عنهم قائلاً لهم: جلبتم العار على هذه الجامعة، وعلى الخلق الأميركي الذي يؤكد على ضيافة الغريب وحسن استقباله. عرفت بعدها أن الغالبية العظمى من الطلاب الذين تجمهروا يومها، كانوا من أبناء رجال المال اليهود في نيويورك، وأنهم لا يمثلون المجتمع الأميركي بأطيافه المتعددة".

كثيرة هي الحكايات التي ترصد سيرة شعب ووطن من خلال سيرة د. نبيل شعث، ما يجعل من كتابه "حياتي .. من النكبة إلى الثورة" يملأ فراغاً في المكتبة العربية تكون فلسطين بطلته، ومسرح أحداثه وغايته.

وأختم بما قاله شعث في مقدمة الكتاب الذي لا يمل من صفحاته الـ 550، حول أسباب الشروع فيه، إذ قال "كثيرة هي الأسباب التي دفعتني لكتابة هذه المذكرات، وفي مقدمتها أن أكشف لأبناء شعبي، ولكل المهتمين بقضاياه وقضايا أمتنا العربية، بعضاً مما أتاحه لي مشوار العمر الطويل من خبايا، ومن حقائق، ومن أحداث عشتها، وانغمست فيها تماماً، طوال ما يزيد على نصف قرن ... من واجبي أن أُطلع أبناء شعبي وأمتي وكل من عرفت عبر رحلة العمر الطويلة على تفصيلات الأيام واللحظات التي صاغت حياتي، والتي لا أريدها أن تمضي من دون توثيق أو تدوين".